الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريد ازرق جداً

باسم الخندقجي

2013 / 3 / 11
أوراق كتبت في وعن السجن


في هذا اثناء توجه زوجتي و ابنتي لزيارة ابني باسم في سجون الاحتلال علما بأنني لم أشاهد باسم ولم اقم بزيارته منذ 3 شهور لقد فوجئت اليوم بورود رسالة منه و هي مقالة بعنوان بريد أزرق جدا ..
تصوروا ايها الرفقاء الاعزاء سلطات الاحتلال الاسرائيلي تطلب من ابني باسم تعويض اهالي القتلى الذين قتلو في العملية العسكرة في سوق الكرمل وذلك اثناء اعداد محكمة جديدة له يطالبونه بمبلغ 45 مليون دولار ان سخرية القدر نحن الشعب الفلسطيني ان دمائنا رخيصة جدا امام الدم اليهودي الازرق المقدس في جميع انحاء العالم .
والد الاسير باسم خندقجي
نابلس

بريد ازرق جداً

كان وهماً صباحياً بالتمام و الكمال.. يمتطي بكوريته بكل ما أوتي من سرابٍ ليدكني و يدهشني و يُريدني هشيماً مؤقتاً..
فكرتُ و قلتُ: ممّن هذا المظروف البريدي الأبيض؟.. لم أتبيّن ملامح العنوان من بعيد.. إذ كنت فيما يسمى داخل الغربة الحديدة بالجلسة الثقافية.. وسط حشدٍ صغير من أخوة و رفاق الأسر, يناقشون تداعيات المعدية و الربيع العربي.. عندما جاء أحد الإخوة إلى باب الغرفة حاملاً بيده اليمنى أو اليسرى مظروفاً بريدياً: " هذا للرفيق باسم".. استلمه احد الإخوة منه و ألقاه على برشي- ما يشبه السرير- مما حرمني من فتح هذه الهدية الصباحية لحين انتهاء الجلسة.
نظرت إلى ذلك الأبيض من بعيد.. ممن هو.. هذا الدَسِم اللذيذ الغموض.. ثم نالني الوهم..
"هل استيقظتْ أخيراً بعد غياب ثماني سنوات و طفلينْ جميلينْ أحدهما يحمل اسماً من حلمي؟"
نعم هو منها.. إذ إن هذا هو حجم بريدها دائماً في سالف الغربة.. متوسط كالبحر الملقى على غرب الخارطة.. ثم تردد بعض الشيء في العبور إلى الجانب الآخر من شارع الوهم السريع.. و فلتُ مهدّئاً تطلعاتي.. لربما هو من تلك المعجبة التي أدهشتني جداً و جداً في متابعتها لكتاباتي المتواضعة جداً و جداً.. و لكنني عدتُ مجدداً إلى دهشتي الأولى و حزني الأول و عبرت الشارع.. إذ قد تكون هي من أرسلت هذه الرسالة من وراء البحار بعد كل هذا الغياب. لربما استيقظتْ على حلم ما.. لرما مسّها شغفٌ مبيّت.. أو قرأتْ ما كتبته خصيصاً لها من برقيات حب نيسانية.. و أرادت بعد هذا العمر المُرهق أن تفاجئني معاتبةً:
"أما زلتَ أنتَ أنتْ طفلي الذي لن يكبر أبداً؟".
اُلقي نظرة أخرى بعد أن غبتُ و غابت عني النقاشات الصاخبة في الجلسة.. و خشيتُ أن يسألني احد عن وجهة نظري فيما يشبه الثورة المعدية.. لهذا توسلتُ المظروف و تَوَسَلني.. و هربتُ إليه.. تشبثتُ به بعينين من أهلٍ و عشق و سيجارة لم تنطفئ بل تأججت أكثر بنيراني.
شارفت الجلسة على الانتهاء.. الآن سأذهب.. سأمضي إلى البريد الملقى على عتبة صباحي.. كم سأكون طفلاً.. كم سأكون مجنوناً و محظوظاً و حزيناً و فرحاً و تائهاً و شاعراً إذا كان هذا المظروف منها هي التي غابت في طيات المجهول و رحلت بعيداً عن ظلال أحلامنا معاً.
حسناً انتهت الجلسة.. و مُجمل ما تحدثتُ به هو: "يعطيكم العافية" لا اقل و لا أكثر..
غادر الشباب الغرفة.. و هرعتُ أنا بكل لهفة و رجفة و دقة قلب صوب المظروف البريدي النائم على وجهه.. التقطّهُ كالطفل الذي يتعرف على التفاصيل الأولى لحياته القادمة بترقبٍ و دهشةٍ و حذر.. قلبته.. كان أزرقَ الحبر بعنوان مطبوعٍ باللغة التي أمقتها.. و مختوماً بختم الكيان الذي أدمى و شرّد شعباً بأكمله من أرضه..
يا للمفارقة!.. يا ربَّ كل شيء ما هذا؟!
فتحتُ المظروف.. و إذا به دستة أوراق مطبوعة بلغتهم.. ثم قرأتُ رغماً عني و عن اختناقي ما استطعتُ إليه فهماً من حروفهم:
دعوى قضائية.. المُدعي: فلان.. المُدّعي عليه: أنا و مجموعة رفاق.. موضوع الدعوى: المطالبة بدفع تعويضات "لضحايا" العملية التفجيرية.. بقيمة أحدى أربعين مليون دولار.. ثم تفاصيل عن العملية التي وقعت في أوج الانتفاضة الثانية و عن دوري بها..
غابت عني صورة من توهمتُ بريدها من يدي.. و تبعثر في داخلي كل ما ترتب عن ذلك الوهم.. و حضر بكامل زينته و ألقه شعبي الصامد في وجه الاحتلال و برد الإنساني و النسيان الذي يسعى إلى المساس بذاكرته بحفنة مساعدات و منح و قروض مسموعة.. ثم ضحكتُ من هذا البريد الأزرق الغاشم الذي تلاعب بمشاعري لبضع لحظات.. مما سيدعوني بدوري إلى رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية أطالب فيها بتعويضي عمّا أصابني من خذلان و توتر بعد أن اعتقدت بان هذا البريد من الذين أحبهم..
و ضحكتُ أيضاً حد الرثاء لأنهم القوا القبض على عمري و أصدروا بحقي حكمهم الجائر.. أفلا يكفيهم أن اقبع في سجنهم الظالم ثلاثمائة سنة ؟
و ضحكتُ أكثر حد العبث لأنهم لو طالبوا بأربعين مليون دولار فقط لكنتُ دفعتها فوراً من جيبي الخاص.. و لكن من أين سآتي بالمليون المتبقي بعد كل هذا الدمار الإنساني و الروحي و العاطفي و الأخلاقي الذي أصاب هذا الكوكب الأحمق بأكمله؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة النازحين في رفح تزداد مع انعدام الظروف الصحية وتهديد


.. الأمم المتحدة: المعبران الرئيسيان لإدخال المساعدات إلى قطاع




.. كيف سيواجه اللبنانيون المخططات الغربية في ملف النازحين؟ وأي


.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة




.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود