الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش التحرّش..!

سنان أحمد حقّي

2013 / 3 / 12
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي


على هامش التحرّش..!
ظهر على شاشة إحدى الفضائيات شخص مصري ملتحي وهو يُجيب على سؤال حول شكوى عدد من النساء المشاركات في تظاهرات إحتجاجيّة على التحرش الجنسي ضد المرأة !
وقال: أنه وإن كان يعتبر هذه الأعمال مرفوضة وغير مبررة ولكنه يعتقد أن ظهور النساء بالأزياء الضيقة أو غير المحتشمة يجعل الشباب في مواقف إستفزازيّة ، على ما أفاد به من حيث المفهوم العام.
ونحن نشاهد جميع ما يجري في شوارع مصر من تظاهرات منذ مدة طويلة تمتد إلى أولى أيام ثورة 25 يناير ولم نشاهد أية مناظر غير محتشمة ولا ملابس ضيّقة وأن معظم النسوة كنّ من مراحل عمريّة متوسّطة وخارج مظاهر الملابس الضيقة ومظاهر التبرّج كما أنهنّ في الغالب يخرجن في تظاهرات سياسيّة محفوفة بالمخاطر والملاحقات ويُدركن ولا شك إحتمالات التعرّض لمضايقات رجال الأمن وسواهم من القوى السياسيّة المحسوبة على السلطة ولسن في موضع ولا حال حضور حفل موسيقي أو غنائي ولا قبول إحتفالي ومن بين المشاركات نسوة فضليات معروفات لا يمكن أن يظهرن بأزياء غير محتشمة فكيف يُجيز هذا الرجل لنفسه أن يلومهنّ وينعتهنّ بصفات لا نراها صالحة لإطلاقها عليهنّ ؟
لا شكّ أن الفكرة الكامنة وراء حديث الموما إليه في شكلها الذي يمكن أن نكشف عن فحواه بأنه يُريد القول أن وضع الحجاب هو الأمر الذي يجعله يميّز بين المتبرجات وبين غير المتبرجات وهذا مقياس يجري فرضه عبر تعسّف في المبادئ العامّة للمجتمع المعاصر وقد تطرّق له كثير من رجال الدين فضلا عن رجال الفكر الإجتماعي وقيادات تحرر المرأة منذ زمن بعيد ولا نجد مسوغا للخوض فيه كل يوم ، كما أن تعريض المرأة للتحرش بدافع وصمها بعدم العفّة والتبرّج بسبب عدم وضع الحجاب أمرٌ في غاية التعسّف لأن المجتمع وخصوصا المجتمع العربي والإسلامي قد قطع شوطا كبيرا منذ ما قبل مطلع القرن العشرين ولا يسع الموضع هذا أن نعيد إلى الأذهان ما فعله رجال ونساء من مختلف الأوساط بشأن الحجاب .
إن محاولات وصم المرأة غير المحجبة بالتبرّج وبالتالي بعدم العفّة أمر في غاية الخطورة على سلامة البناء الإجتماعي المعاصر لأنه في حد ذاته تحريض على التعرّض للمرأة غير المحجّبة باعتبارها غير عفيفة وهذا أمر يُجيز بنظرهم التحرّش بها .
وبالرغم من أن موقف أي امرأة من الحجاب هو موقف شخصي يتعلّق بالموقف من الحريات العامّة التي تكفلها معظم القوانين الأساسيّة في معظم بلدان الشرق العربي والإسلامي ولكنها مع ذلك تبقى حبرا على ورق كما يبدو ، ألاّ أنه من جانب آخر يجعلنا نتساءل عن المسوّغ الشرعي والقانوني الذي يُجيز لأي شخص أو جهة شخصيّة أو معنويّة أن تتعرّض للمرأة غير المحجّبة فلو كان هناك شخص مؤمن في مقابل أية امرأة غير محجّبة فهل تُجيز له الشرائع والقيم أو القوانين أن يتحرّش بأية إمرأة حتّى لو كانت غير عفيفة؟ أم أنه أو أنها لا تؤخذ إلاّ بالفعل الذي يخرق القانون أو النظام العام وعبر الفعل والناس يؤاخذون قانونا عن أفعالهم فقط التي تخترق القانون وأن القانون هذا لا يُطبّقه كل من هبّ ودب بل رجال القانون فقط وأن من يحرص على نفاذ أي قانون ليس بيده سوى الإخبار عن المخالفات أو الجرائم ولا يُجيز القانون مطلقا أن يقوم الناس بتنفيذ القوانين بأنفسهم ولا عبر أية هيئة مهما كان نوعها أو توجّهها ولا بوسائل بعيدة هي الأخرى عن المنهج القانوني !
إن تولّي الأشخاص أو الجماعات تنفيذ أفكار وعقوبات وإجراءات عقابيّة أمر خطير جدا على المجتمع وعلى الكيان السياسي للدولة ووحدتها فلو حدث هذا الأمر باستمرار وبكل إتجاه فماذا ستكون الحال؟ لا شك أن الأمر سيؤدّي إلى تعدد السلطات وإلى إضعاف شخصيّة الدولة وظهور مؤسسات إجتماعيّة تتولى تشريع أفعال وإجراءات تتعارض وتتقاطع مع إجراءات الدولة وبالتالي تكريس التمييز والإنقسام الإجتماعي وظهور فرق وجماعات لمواجهتها ومعروف جدا ما سيقود له ذلك الأمر من فصام في الشخصيّة المعنويّة للدولة والقانون والنظام العام وتبدأ بالظهور أنظمة وتشريعات متباينة ومتخالفة تختصّ بكل جماعة ومكوّن ومنطقة والباقي معروف!
فكما ذكرنا إن معظم أو مجموع القوانين النافذة وجميع الدساتير تعتبر أن التعرض لأي شخص بالقول أو بالفعل أو باللمس هو عمل يستوجب العقاب الجزائي المناسب لأن الحريات الشخصيّة مكفولة ضمن الإعتراف بالحريات والحقوق الأساسيّة وان التثقيف المطلوب يجب أن يتوجّه إلى الذين يرتكبون هذه الأفعال أو الذين يُحرضونهم أو يُحاولون تبرير أفعالهم والعمل على إفهامهم أن التحرش هو المخالفة وهو العمل الذي يستوجب الردع القانوني وأن توسيع مفاهيم عدم العفّة أو التبرّج لكل إمرأة غير محجّبة ليس بالأمر الصائب ولا المشروع وأن شيوع ظاهرة عدم التحجّب والسفور منذ ما قبل مطلع القرن العشرين أحدث تغييرا في المظهر والشكل الإجتماعي مما أدّى إلى غياب وانتهاء كثير من الأحكام فلو نظرنا إلى أحكام العبوديّة أو ملك اليمين فإنها الآن غير موجودة وتعمل الإنسانيّة بكل هيئاتها على عدم رجوع تلك الظواهر ولذلك فإن إحيائها ليس بالعمل الصائب فالأحكام هي لمعالجة تلك الظواهر والحد منها وبالتالي الإنتهاء منها وليس إحيائها من جديد! وكذلك الأفكار المتعلّقة بالرسوم والتماثيل فهي ليست نفسها الأصنام التي كان الجهلا ء يعبدونها وليس هناك مغفل الآن يعبد تمثالا ولا تتعدّى كونها أعمال فنية أو تزيينيّة أو تكوينيّة وتركيبيّة وبنائيّة للتعبير عن أفكار إنسانيّة وأنشطة تماثل الشعر والموسيقى وسواها.
لهذا نجد أن مثَل الأشخاص الذين ذكرناهم من الذين يضعون المبررات للتحرش من منطلق خط التحجّب ما هو إلاّ إنطلاقة مقصودة للعمل على بث مبادئ التمييز والتخلّف وأن الناس جميعا عليهم أن يعلموا أن الدين في جوهره وكل الأديان هي مبادئ تقدّميّة تعمل على توجيه الناس إلى الأفضل دائما وليس إلى الرجوع إلى الوراء مع أن الرجوع عن الخطأ فضيلة كما نعلم
على أننا في الوقت نفسه نؤكّد على العفّة الحقيقيّة والتي تكمن في الروح والسلوك وليس بالأردية والملابس فقط إذ أن عفّة النساء هي نفسها عفّة الرجال ولو عمل الناس رجالا ونساء على إشاعة العفاف في كل أشكال السلوك ، في الملبس وفي الأخلاق وفي التعفّف عن أن تمتد أية يد إلى المال العام أو إهمال أي من مثل ومبادئ العدالة والأمانة والصدق والحياء وكذلك في الإمتناع عن التحرّش لوجدنا أن مظاهر العفاف أقرب إلى التطبيق والتحقّق منها في ظل أفعال التحرّش القبيحة، والشاعر العربي القديم كثيرا ما قال:
فقد قال عنترة:
واغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ...حتى يواري جارتي مأواها
إنّي امرؤٌ سمحُ الخليقةِ ماجدٌ........لا أتبع النفس اللجوج هواها
فماذا يتعيّن على المؤمن الصحيح أن يفعل حتّى لو رآى إمرأة متبرّجة أو غير عفيفة؟ أليس من الواجب غض البصر والله عزّ وجل يُخاطب المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم معا ونذكّر المتحرشين أنهم إنما يرتكبون أفعال الزنا تماما كالزاني وقد يصدق قول الإمام الشافعي عليه كما هو الأمر مع الزاني بقوله رضي الله عنه:
عفّوا تعفّ نساؤكم في المحرمِ...وتجنّبوا ما لا يليق بمسلمِ
إن الزنا دَينٌ فإن أقرضته...كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ
يا هاتكا حُرمَ الرجالِ وقاطعا...سبل المودّةِ عشتَ غيرَ مكرّمِ
لو كنتَ حرّا من سلالةِ ماجدٍ......ما كنتّ هتّاكا لحرمةِ مسلمِ
من يزنِ يُزنَ بهِ ولو بجدارهِ........إن كنتَ يا هذا لبيبا فافهمِ

سنان أحمد حقّي
مهندس ومنشغل بالثقافة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة