الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر خالد ثامر البدري قربان الحرية

عقيل الواجدي

2013 / 3 / 12
الادب والفن



قراءة شخصية الشاعر من خلال كتاباته ( 1981 – 2000 )
الحديث عن خالدٍ ليس حديثا عن فترة زمنية محددةٍ تمتدُ لما يقرب من خمس سنوات جمعتنا معا فحسب ، انما هو حديث عن انسانٍ وحضورٍ يشدُّك اليه بيسر ، تواضُعُهُ وخجلـُهُ سمتانِ متلازمتانِ ماانفكّا عنه مدة معرفتي به ، يحيطك بالاحترامِ ويمنحكَ اصغاءا يندرُ ان تجده عند غيره ، انما هو احترامٌ لذاته ونفسهِ المجبولة َ بالطيبة واحترام الاخرين ...
الحديثُ عن خالدٍ هو حديثٌ عن الطموحاتِ التي لاتنتهي والرغباتِ التي لايعيقُها اليأسُ ، يدهشك بطموحاته التي لم تكن كلماتٍ يسطّرها على الورقِ وتنتهي ، او مجردَ احلامِ يقظةٍ اعتاد نسيانَها كما الاخرين !! كان حثيثُ السعيِّ في ان يكون ، لايحبُّ الهوامش من الامور ، فحتى وجوده في بداياتِ اهتمامه بالشعر والادبِ بين ثلّةٍ ممن هم اكثرُ منه خبرةً واكبرُ منه عمرا في ان يجد له مساحةً تليق به في اقل وقت ........
خالد كان رهاني في ان يكون سيّابَ الناصريةِ ، يغنّي فراتَها وبطحاها كما غنّى السيّابُ جيكورَهُ وبصرَته ، كان من الوعي بما يفوقُ سنيّهِ الغضَّة ، لم يلتفت الى ماكان يعيشُهُ اقرانُهُ من بعدٍ عن كلِّ مايتصلُ بعالم الادب ، بل والكثيرين ممن هم اكبرُ منه ممن لايجدون في القراءة والمتابعة الاّ مضيعةً للوقتِ ...
الوجه الادبي من خالد هو الاقرب لي من سواه رغم انه في كثير كان يحدثني عن امور خاصة في حياته ، منطقة الشعلة التي كان يقطنها قبل ان يغادر مرغما الى البطحاء هي المنطقة الاحب اليه ، هي المنطقة التي قال عنها ( اني تركت فيها قلبي وتركتها مرغما ) ومن منا لم يفهم ماقصد خالد من هذا !!
كنت الاقربَ اليه من بين الجميع ِ ، ولم ادرك ان القربَ سيتحول الى الم مع الايام ، كان ياتيني باستمرار فلم تمنعه بعد المسافة ان ياتي ليريني اخر كتاباته ، كان يتحفني بكل جديد ومتمتيز ، كان يسابق عمره كأنما يريد ان يصل الى النهاية باسرع وقت ، ربما كان يدرك ان النهاية قريبة وعليه ان لايغادرنا لننساه بل ليبقى محفورا بالذاكرة حيّا ...
وهاهو قد فعل ، فكل السنين التي مرت لم تقدر ان تمحوه من ذاكرتنا وقلوبنا ، لانه بحق انسان لاينسى !!


من خلال مجموعة من قصائد شاعرنا الشهيد خالد ثامر البدري التي نستعرضها ليس من باب نقديٍّ اكاديميٍّ بقدر ماهو الولوج الى كنه شاعرنا من خلال ماكتب ، فمن كتاباته نطل على جزءٍ مهمٍ من حياته ، فقصائدُهُ هي صورةٌ لواقعه وشخصة تمثلت من خلال انتقاءٍ انيق للمفردات وصورٍ بغاية الروعة التي تنبيء عن ذهنية متفتقة متقدة ، وهذا لم يتأت من فراغ فقراءاتُه المتنوعةُ في مجالات شتى منحته القدرة في تكوين صورٍ ذات مغزى واسلوب يحاكي به المتمرسين في هذا المجال ....
لذا فالدخول الى عالم الشهيد خالدٍ المعرفي المتمثل بمجموعة القصائد التي انتجها والتي تنوعت عناوينُها واساليبُها تعطيك انطباعا اوليا عن جدية اهتمامه بهذا الهم الادبي والذي منحه مساحة واسعة من حياته ، فكان للمتنبي والجواهري وللسياب وقباني وللرصافي والزهاوي مساحة من شغفه بهم ، ليكوّنوا النواة الاولى لشجرة لم يمنحها الوقت ان تفرد اغصانها بعيدا ، قراءاتُه منحته ان يكون شاعرا مفوّها وذا ثروة لغوية كبيرة ، وان كنت ارها فيه ( ثورةً لغويةً ) ، فقد كان ثائرا بذاته من غير ان يجد احدا يحثه لذلك ! انها ثورةُ الانسانِ الذي رفض واقعَهُ فتبنّى واقعا اكثر حضورا عنده من خلال قصائده التي وضع اولى لمسات الثورة في طيّاتها ، انها قصائدٌ مخضّبة بانفعالاتٍ انسانيةٍ مرهفةٍ توزعت بين الحزنِ والالمِ واليأسِ وبصيصٍ من نورِ جاهد ان لايختفي من سمائه ، سمتة التفاؤل فلم يكن محبطا بقدر ماكان حزينا أسِفاً ان يكون الوضعُ هو ماعليه ، ملَكَ من الجرأة في الطرحِ مالم يملكه غيره في ايام كانت تعدُّ الانفاس فيه والحروف الثائرة لابد ان تُوْأدَ هي وصاحبها ، لكنه لم يكن ممن يخافُ او يفكرُ الى ماذا ستؤولُ الامور !!!

قرص النسيان
لو لم يكن لخالدٍ غير هذه القصيدة لكفتْهُ ان يتجلبب لباس الشعر بجدارة ، انها منديلُ ساحرٍ يفاجؤك في كل لحظة بما لاتتوقع ، ينسابُ بك كقاربٍ تدفعه امواج الرغبة ليصل الى ضفةٍ اخرى !!
انها قصيدة استثنائية من كل ماكتب خالد ، ارتكزت على ابعادٍ لغوية وموسيقية ٍ في غاية الجمال ، قدرةٌ على خلق الانسجام بين الكلمات حتى تخال انها خلقت بهذه الكيفية ،
قصيدة ( قرص النسيان ) من يظنها قصيدة تدعو للتناسي فهو لم يصل الى جوهر ومبتغى شاعرِنا الشهيد ، انه الشاعرُ الذي يرمي البرك الساكنةَ باحجار الاستنهاض ويمنح خوف الانسان قرصا من النسيان ........

القصيدة
اليوكالبتوس يعرّشُ في جسدي ، يتناساني مدناً غير المدنِ المحفورةِ في قاعِ المدنِ الاسطورية
يلعبني نرداً لرهانٍ محفوفٍ بالخطرِ القادمِ باسمِ الليل الموشومِ باعماقي
فأعودُ وشيطان العودةِ يخلعني من قاموس الذكرى
يتنبّأني وطناً تولد فيه شياطين العصر الحجري
وأخلعُ عن معطفيَ المسكون بامطار الغربةِ احلامي لأضاجعَ سيدةَ القمرِ العاريةِ الجلبابِ على شاطيء موجتيَ المأسورة
اعرفُ انكِ مبتدئي لكني في ثقل بداية اوهامي احيا ، ولهذا الممتُ بخاتمتي لأمارسَ قيلولة صمتي تحت جدار الذكرى
أتمطّى في رئتي
ارفضها ، ترفضني الاعوامُ بأوجاعِ القرن العشرين
تلقيتُ بريدَ العشرين وحيدا
واصلتُ نموّي بصنوبرةِ الاوهامِ وعدتُ كسيحا اتّهمُ المدنَ المخلوعةَ من قلعتيَ الموصودةِ اسوارا ضدّ غبار الخيلِ الجامحةِ السودِ
وأعترفُ الآنَ بأني كنتُ أُهرِّبُ صورتكِ المحفورةِ في ضعفي من سجنٍ يُلهمني ليلا ، والخوفُ يورثُني مشنقة الصمتِ على حنجرةِ السكينِ
لأني كنت افتّشُ عن عينيكِ بغبرةِ اوراقي المنسيةِ ، غبتِ رويدا
فرويداً في محرابي المسكونِ بنارِ الخيبةِ أستجدي عطش الايامِ
جئتُكِ مسلوباً اعمى دون دليلٍ ، أتخبَّطُ في قافلةِ الذكرى المسلوبة
أبحثُ عن وطنٍ للحلُمِ الورديِّ المقذوفِ على أتربةِ النسيانِ ، وأشهدُ اني اتلاشى كالضوءِ بعينِ الظلمة
أشهدُ اني اتبخّرُ كالمطرِ النازلِ من غيمةِ صيف
فأُخبِّىءُ خوفي في قرص النسيان



القصيدةُ الثانية
( البحثُ عن هوية )
ماانفكَّ شهيدُنا الخالدُ باحثاً عن وجودٍ لذاتِهِ ، فالزمان والمكانُ لا يتعديانِ الاّ ان يكونا واقعاً لايمنحُهُ كثيرا من اهتمامه ، كان دائمَ البحثِ عن وطنٍ لا كالأوطان ، عن وطنٍ يجمعُ ما تناثر من احلامهِ التي يشيّعها تباعا مع مرور الايام ، ربما كانت الخيبة نصيبَه حينا ، لكنّهُ ما انفكّ يغنّي للمستقبلِ ويستدرجُهُ ، فأن لم يفعل فلاشك هو راحلٌ اليه ، وقد فعل !!
كان يكيفه من الوطن البقايا بعد ان وجده رهين استبدادٍ وجبروت ، حلُم الخلاص كان كابوسا لا تدرُكُ العقول هيئته ، المحالُ هي صورة الخلاص آنذاك ، لكن خالد كان يرى الغد المشرق من كوّة العتمة ، لم يبلُغِ اليأسُ منه حيث بلغَ من الملايين حوله ، تذمّره من الواقع هو بحد ذاته اضاءات واستشراف لمستقبل آت ، لكنما يؤلمنا ياصديقي انه أتى وانت غائب !!
القصيدة
( البحث عن هوية )
المدنُ الحزينةُ المهدّمة
تضيعُ في صمتي ولاشفاه
حتى أُتمُّ الاغنية
تقلعُني المسافةُ
ورحلةُ الخرافة
نائمةٌ بسورها ، فلا وجودَ ، ولا غيابَ
ولامكانَ ، ولا زمان
غير بقايا وطنٍ يضيعُ في الركام
أبحثهُ ........
ابحثُ عن مستقبل الضياع
كي اجد الهوية
لكنني عدتُ بلا جبين
ارفلُ في ذُلِّ الهزيمة
مغنّيا عدتُ ولي اغنية
ترقصُ في انغامها
غانيةٌ مخلوعة الاثداءِ

لقد دوّن لنا خالدُ الجزء الاهم من حياته من خلال قصائده التي كانت بمثابة نبوءةٍ لما سيكون عليه غدُه ، انها قصائد الصراع بين حقائق لايلتفتُ اليها الاّ من عرفهُ عن قربٍ او تلمّسَ الغربةَ التي كان يعيشها ، ولادةٌ وفناء ، فزهورهُ التي نبتت على بقايا الخرابِ هي اضاءةٌ عن مدى تشبثَ شاعرُنا بالحياة رغم كل مايحيطه ، لم يكن انهزامياً البتةَ ، بل جانحاً نحو الغدِ باحثاً كأسلافه عن عشبة الخلود ، فكان خالد بذاته عشبة خلود احيتْ بداخلنا ذكراه التي لايمكن للايام ان تمحوها ، وقصائدَ سنغنّيها الى الابد ...
محاولاتُ قتل الوطنية في نفوس العراقيين اسلوبٌ انتهجهُ النظام الزائلُ من خلال شعاراتِهِ الزائفةِ والملغومةِ بالخيانة ، حتى اصبحت كلمةُ الوطنيةٌ تثير الاشمئزازَ والقيءَ عند سماعها ، بل اصبحت هذه الكلمة رديف مصطلحات ٍ نزقةٍ استباحت كلَّ ماهو جميل في هذا العراق ، اصبحت هذه الكلمة رديف ( الولاء المطلق للبعث وان تكون سيفا مصلتاً على رقاب من حولك ) ، لكن كل هذه المحاولات لم تنزع روح الوطنيةِ من قلوب البعضِ ومنهم شهيدُنا خالد ، فقد كان دائمَ الهمِّ لم يحول الفهم العام لكلمة الوطنيةِ دون ان يكتب للناصرية ، لبغدادَ ، لفلسطين ، بل تعداه ليكتب عن اطوادِ الحرية في العالم كجيفارا وجميلة بوحيرد المناضلةِ الجزائريةِ التي قاومت الاحتلال الفرنسي ، فكان يغنّيها في قصيدته
( رسالة الى الآنسةِ بو حيرد ) عن لسانها :
أجمعُ أحلامَ الذين يرحلون
وملتقى الاوهامِ في الضمائرِ
نموت في مرافيء الفضيلةِ
ولم أنمْ في لحظةٍ
تحتَ غطاءِ شهوةٍ مذلةٍ
كنتُ فتاةً ذاتَ طولٍ فارع
ومقلةٍ عميقةٍ كنهرِ دجلةَ الجميلة
قرأتُ جيفارا وعشتُ ثورتَه
نظمتُهَ انشودةً عظيمة
سرعان ماغاضت فرنسا مقلتي
فاحتجزتْ حريتي لأنني
رفضتُ ان اكونَ سلعةً مباعة
او جسداً مباحةً مفاتنَهُ
حُبستُ في ظلام ( ألبيار )
أُغرقتُ في الغطاس
عوملتُ بـ( النقيفة )
ولم ( يفتهم ) انني عذراء
فحاولوا ان يسرقوا بكارتي
اذ وضعوا قارورةَ بفخذي المرصوف كالحجارة
ليجعلوا من جسدي
كمومسٍ احيرةٍ حقيرة
انا التي ،
لم اجعل الاعوامَ تدنو جسدي بشهوةِ الحقارة
ياوطناً مسلوبةً خرائطه
اني هنا
في هذي السجون ارتدي
بقيةً من عزتي المهانة
بين ضياع الوقتِ ، في خمول سيفك الصليلِ
اني هنا
جيلٌ تهاوى املاً

بين لجّة الكلمات مضى بنا خالدٌ يعبُّ غمار طموحاتِهِ وامنياتهِ التي تفتقت عن واقعٍ جاء متاخرا ، لكننا نخبرك ياصديقي بأن احلامك استحالت حقيقةً ، واصبحت النارُ تنتفض من رمادها ، عادت الشمس تتسلق اسيجة الظلام ، وعدنا ندرك كم ان الوهم كان معششاً في نفوسنا حيث آمنا بقوة وجبروت ذلك النظام الذي تهاوى من صفعة واحدة ، لكنما هذه الصفعةَ ياصديقي ليست من ايدينا ، لذا لا أُخفيك ان تكون الصفعةَ الاخرى لنا لنتكور كالقنفذ تدوسه الارجلُ ولاتُبالِ !!
رحمك الله ياصديقي
- الشاعر خالد ثامر البدري من مواليد الناصرية 1981 توفي في السجن بعد اعتقاله وهو يحاول مغادرة العراق عبر الحدود السورية عام 2000 بعد ان ضاق ذرعا بكل ما حوله .
- عضو رابطة الشعر العربي في الناصرية .
- له مجموعة مخطوطة ، وحاصل على جوائز عديدة في مجال الشعر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07


.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب




.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج


.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت




.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال