الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحاب الفكر

فوزي بن يونس بن حديد

2013 / 3 / 12
كتابات ساخرة


في رحاب الفكر

فوزي بن يونس بن حديد

[email protected]

الفكر فضاء واسع يمكن السباحة فيه بعمق، وبوسائله نستجلي الحقائق ونصل الطريق، فهو يملك أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وهو المسيطر على القلوب وعلى العقول، يختار من يستحقه فعلا، ويرمي من رماه في بحر لجي مظلم حالك لا يرى صاحبه إلا سوادا، سوادا لا يرى من خلاله النور في الأفق ولو لاح له كالنجم.

الفكر بحر عميق لا يخوض أمواجه إلا من كان ماهرا في السباحة، يستطيع تجاوز الأمواج العاتية بكل سلاسة، ويظل صامدا في وجه كل المفاجآت، هامته منتصبة، حركته متزنة، ينتبه لأدنى شبهة قد يتوارى خلفها من يكيد له، وينبغي أن يكون متسلحا بأدوات الإنقاذ إن هو تعرض لكدمات أو نائبات أو تعرّجات أو انفلاتات أو انكسارات، يهز رأسه معلنا النصر في وجه من ظن أنه قد مات وانتهى وانتفى.

والسابح في الفكر عليه أن يتزود ليس بالتقوى فحسب بل بالكيل من العلم والمعرفة وأن يعلم يقينا أنه يسعى وما يتمنى، وأنه يحيى بعد كل موت، وأن عليه إصلاح الأمور على وجهها الصحيح بدل من النقد الفارغ الذي لا طائل من ورائه، وعلى هذا الأساس كان الفكر سلاحا وكان التفكير مرْكَبا حسنا منه ينطلق المفكر باسطا جناحيه أو إن شئت مجدفيه أو ذراعيه ليصل إلى الهدف الأسمى سمو الملائكة، فلا يخدش الفكر ولا يتعسف في استعمال الحق ولا يعتدي على الغير ولا يضُر ولا يضَر، ساكنا في بحر علومه وبين ثنايا الكتب ينتقي من الحقائق ما يتوافق مع الوسطية ويرفض كل ما ينفر العقل ويسلب اللب ويرديه نحو الردى.

ويسوءني فعلا أن أرى أبناء أمتي لا يسلكون الفكر الوسط الذي جاء به ديننا الحنيف، فكرا معتدلا لا يشطح يمينا ولا يسارا، ولا يحجر العقل، بل جعل العقل دليلا على المعرفة، وكلما جنح بفكره يمينا تطرف وكلما زاغ به يسارا ضل ضلال مبينا وابتعد عن الظل الظليل، وهناك من يتكلم عن جهل ويدعي أنه يفكر بحكمة وينطق بحنكة ويتصرف بخبرة.

العالم يموج بمثل هذه الأنواع من الفكر، خذ مثلا إسرائيل تلك الدولة المحتلة لفلسطين تتصرف بدين ووفق ما يقوله الحاخامات المتشددون والمتطرفون، سادها التفكير العدواني ضد الفلسطينيين وغرسوا في أبنائهم عداء الإسلام والمسلمين، فكانوا طغاة مستبدين ومستوطنين حاقدين لا يعترفون بحق الإنسان في الحياة ومثلهم أيضا البوذيون في بورما حيث يقتلون المسلمين بلا هوادة انتقاما مما يعتقدون.

هذا الفكر الأهوج يقود البلدان إلى الاندثار ويجعلها تخوض معارك عنيفة ضد الاتزان والحكمة، فلا صوت للعقل بل الغالب فيه صوت الحقد والكراهية وحب الذات، فيتنازعون ويقتتلون ويفتكون ببعضهم لنعيش اندحارا كبيرا وانحدارا في الفكر يشبه فكر التتار.

ومع الأسف الشديد انضم المسلمون إلى هذا النوع من الفكر فأصبح لدينا من هو يمين ومن هو يسار، ومن تطرف لليمين ومن يتطرف لليسار، غير عابئين بالقيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام ورسّخها في عهد النبوة وحث أتباعه على التشبث بها وعدم الحيد عنها قيد أنملة لتظل راية الإسلام خفاقة عالية، ولكن الزيغ بلاء، قد يظن المرء أنه يصلح وهو في الحقيقة مفسد، قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، فعلا لا يشعرون لأنهم لا يفكرون، ولا يعقلون لأنهم لا يفكرون، فالشعور مرتبط بالفكر المتزن، ومتى شعر الإنسان أنه يفكر برؤى ويعقل باتزان كان خليفة الله في الأرض، ولكن متى كان يحب البروز والظهور ومن باب خالف تعرف فإن فكره منحط، لا يرقى أن يعلو فوق رأسه شبرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام