الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العفو الرئاسي والتسامح الكردي

صالح بوزان

2005 / 4 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يعتبر التسامح أحد خصائص البنية النفسية للشعب الكردي. وبالرغم من أن هذه الخاصية هي قيمة إنسانية عالية إلا أنها جلبت للأكراد كوارث ومصائب كثيرة عبر التاريخ، ولا سيما في التاريخ المعاصر. فقد استغل الحكام المعاصرون في البلدان التي يغتصبون فيها الحق الكردي هذه الخاصية بذكاء لتمرير مظالمهم المتكررة. فبمجرد أن يعلن أحد هؤلاء الحكام عن موقف ايجابي تجاه الأكراد، يسارع هؤلاء إلى نسيان تلك المظالم، ويدفنون قتلاهم في ضمائرهم لتهيئة نفوسهم لمرحلة جديدة.
تحولت هذه السياسات طيلة القرن الماضي إلى منهج أتقنها حكام تركيا والعراق وايران، ونسبياً سوريا. فقد قام الحكام الأتراك المشبعون بالعنصرية الكمالية بارتكاب جرائم فظيعة ضد الأكراد، وبمجرد أن أبدى توركوت أوزال شيئاً من التسامح تجاه الأكراد حتى سارع الأكراد إلى نسيان الماضي والاستعداد لفتح صفحة جديدة. وحتى الآن يذكر الأكراد هذا الحاكم التركي بالاحترام، وربما كان أحد المتقنين لذلك النهج المتبع تجاه الأكراد. ولعله ما كان سيفعل شيئاً ملموساً تجاه حل المسألة الكردية في هذا البلد لو لم يمت مبكراً( أو يقتل كما يقول البعض). والآن ونتيجة رغبة تركيا في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وضرورة حل مشكلة حقوق الإنسان والأقليات، تقوم ببعض الانفتاح الشكلي نحو الأكراد. وكالعادة سرعان ما أبدى الأكراد استعدادهم لنسيان الفظائع التركية. بل ذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك بكيل المديح للكمالية التي هي أشرس منهج عنصري نظرياً وممارسة تجاه الأكراد. وفي العراق تكررت حالة استغلال التسامح الكردي منذ تشكيل الدولة العراقية. ففي السنوات الأخيرة من حكم الدكتاتور صدام حسين، كان لدى الأكراد الاستعداد للتفاهم معه لو تخلى عن سياساته العنصرية والإبادة الجماعية، والعودة إلى الحكم الذاتي حسب بنوده الأولى الذي صدر في عهد حكم حزب البعث نفسه. وكثيراً ما قام صدام حسين، بعد كل جريمة ارتكبها بحق الشعب الكردي، إلى إصدار عفو عام فيصدقه الأكراد. وعندما يعودون إلى حياتهم اليومية تباغتهم زبانية صدام من جديد لتبدأ حلقة أخرى من استنزاف الدم الكردي. وحدثت مثل هذه الحالات في إيران أيضاً.
أتمنى ألا يكون هذا النهج متبعاً في سوريا بعد العفو الرئاسي الأخير عن المعتقلين الأكراد نتيجة أحداث 12 آذار من العام الماضي، هذا العفو الذي استقبله الأكراد بالتقدير والفرح اللذين تجليا بالمظاهرات السلمية التي عمت المناطق الكردية وخصوصاً في القامشلي، حيث دفن الأكراد من جديد قتلاهم في ضمائرهم توقاً لمرحلة جديدة تسودها المساواة والعدل وزوال الممارسات العنصرية والاضطهاد، وحل المسألة الكردية السورية في ظل الخيمة الوطنية.
مما لاشك فيه أن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بسوريا صعبة جداً ، والضغوطات الخارجية تزداد يوماً بعد يوم، والأجندة الأمريكية واضحة، ولهذا يتمنى الأكراد أن لا تكون هذه المبادرة تجاوباً مع الضغط الخارجي بالالتجاء إلى سياسات تكتيكية داخلية تهدف إلى تجاوز هذه الضغوطات ومن ثم العودة إلى السياسات السابقة تجاههم.
وبالعودة إلى مرسوم العفو الرئاسي الذي ( يستند-كما أذاعت وكالة سانا- إلى تعزيز اللحمة الوطنية التي تشكل الأساس في نسيج مجتمعنا وحماية أمنه واستقراره-جريدة الثورة 31/3/2005) وما قيل عن نهج التسامح الذي تبديه السلطة تجاه الأكراد من أجل تعزيز الوحدة الوطنية. لكن الأمر يحتاج إلى الوقوف عند المشكلة الأساسية والتي هي حل المسألة الكردية السورية بجرأة وطنية.
لقد سال في هذه الأحداث الدم في الشوارع وأقبية الأجهزة الأمنية، بينما ركزت السلطات فقط على أعمال الشغب وتجاهلت تلك الأرواح التي زهقت. ولم تشكل لجنة ذات مصداقية للتحقيق في الأمر. ألا يدل هذا على أن السلطات إما تعرف الحقيقة ولكنها لا تريد أن تعلنها لأنها تمس أفراداً من داخلها. وإما أن الدم الكردي رخيص لدرجة لا يستحق التحقيق فيه. وفي كلا الحالتين تتحمل هذه السلطة المسؤلية عن كل ذلك.
لقد تعود الأكراد على التسامح كما سبق القول، ولكن إذا كانت هناك نية جدية لمصالحة النظام مع جزء من شعبه الذي هم الأكراد، فلا بد أن يعلن عن نواياه بشكل علني، وليس من خلال تسريبات الأجهزة الأمنية التي يتحسس منها ليس الأكراد فقط، بل عامة الشعب السوري.
إن الانفتاح على الأكراد يتطلب بالدرجة الأولى:
1- الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية كثاني قومية في سورية، وما يترتب عن ذلك كامل الحقوق المدنية العامة و الخاصة بالشعب الكردي السوري.
2- إلغاء إحصاء عام 1962 وما نتج عنه خلال أربعة عقود. وكفى تلك الاسطوانة المشروخة التي تقول أن الأكراد جاؤوا من تركيا. فلو أن الجهات التي تدعي ذلك جادة في هذا القول فلتقدم الوثائق إلى الأمم المتحدة لكي تضعهم تحت أشرافها كلاجئين مثل اللاجئين الفلسطينيين.
3- إلغاء نتائج السياسات التمييزية تجاه الأكراد والتي ألحقت أضراراً مادية ومعنوية جسيمة بهم.
وأخيراً ثمة مسألة هامة لابد التوقف عندها. فخلال حكم حزب البعث في سورية تم نهج ثقافة عنصرية عممت على أعضاء هذا الحزب وعلى قسم هام من الشعب العربي السوري، خصوصاً حيث التواجد الكردي. وكانت من نتائج هذه الثقافة أن بادرت وسائل الإعلام السورية خلال أحداث قامشلي بتوجيه اتهامات خطيرة مسبقة للأكراد. فبالرغم من أن الحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال عام 1946 ولغاية استلام حزب البعث السلطة لم تعط أية حقوق للأكراد، إلا أن العلاقة العربية الكردية على مستوى عامة الشعب كانت بعيدة عن مظاهر التفرقة القومية والعنصرية. ومع مجيء حزب البعث إلى السلطة برزت سياسة التفريق وتسليط العرب وخصوصاً الحزبيين ضد الأكراد. وكانت تجري إهانات علنية ضد الأكراد. وعلى سبيل المثال، ففي السبعينيات عندما كان الأكراد يتكلمون مع بعضهم بعضاً باللغة الكردية أثناء الوقوف في صالون المصرف الزراعي بتل أبيض(منطقة تابعة لمحافظة الرقة) كان الموظف العربي في هذا المصرف يقول لهم وبصوت علني: (ما هذه اللغة النورية التي تتكلمون بها، تكلموا بالعربي)، ومعروف أن كلمة نوري تستخدم في سورية بمعنى الإهانة.
لقد لاحظ الجميع كيف جرى التحريض ضد الأكراد من قبل المسؤولين في محافظات الرقة والدير الزور والحسكة أثناء أحداث القامشلي. ونشط على ضوء ذلك أولئك المشبعون بالثقافة العنصرية في الدعاية ضد الأكراد وتحريض العرب عليهم، ومع الأسف انزلق في هذا المطب العديد من البسطاء الذين يصدقون الإشاعات بسرعة، مما كان سيؤدي كل ذلك إلا كارثة وطنية كبيرة لولا تصريح الرئيس إلى قناة الجزيرة؛ هذا التصريح الذي قدره الأكراد تقديراً عالياً، لكونه كشف الحقيقة وعبر عن حرص فعلى على المصلحة الوطنية، وانعكس هذا التقدير من قبل الأكراد مباشرة باللجوء نحو التهدئة وانتظار الحل الوطني لمشاكلهم من أعلى هرم النظام.
إن نهج التسامح تجاه الأكراد يتطلب قبل كل شيء تثقيف أعضاء حزب البعث بروح الأخوة العربية الكردية الصادقة وتعميم مفهوم الشراكة للوطن.
عندما اعترف الملك المغربي بالثقافة الأمازيغية قال بصريح العبارة أن هذه الثقافة هي جزء من الثقافة الوطنية. فمتى سنسمع على لسان السيد الرئيس مثل هذا القول بأن الثقافة الكردية هي جزء من الثقافة السورية العريقة؟
وللحقيقة عندما تتصرف السلطة تجاه الأكراد خطوة واحدة إيجاباً، يقابلها الأكراد بخطوات، وخير دليل على ذلك أن تصرف الشرطة والجنود السلمي تجاه مسيرات نيروز الاحتفالية هذا العام حول تلك المسيرات إلى مظاهر وطنية جميلة، تجلت بمواكب الشموع والرقصات الشعبية، ولم تحدث تجاوزات من قبل الطرفين، وتحول حي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب إلى منارة للشموع.
إن المسألة الكردية في سورية جزء من الاستحقاق الوطني، وحلها بشكل كامل يؤدي إلى حل جزء للأزمة العامة التي نعيشها، فلا بد أن يشمل الحل جميع المسائل الوطنية الداخلية، وفي إطار وطني لا يكون هناك طرف يأمر وآخر ينفذ. ولدي القناعة أن رئيس الجمهورية قادر على أن يلعب دوراً بارزاً في لملمة شمل الصف الوطني، وذلك بالدعوة إلى مؤتمر وطني عام لبحث كل قضايانا وبشكل علني، كل ذلك من أجل تصحيح الأخطاء السابقة والوصول إلى استراتيجية وطنية عامة تكون معياراً للجميع. وعندئذ ستكون سورية قادرة للتحدث مع الطرف الأمريكي والإسرائيلي بقوة الوحدة الوطنية التي ستقف بكل إمكانياتها خلف رئيس الجمهورية لتجعل لكل كلمة يقولها لها قوة الوطن والشعب الذي لن يقهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟