الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آخر أخبار الوطن

ثائر زكي الزعزوع

2005 / 4 / 7
الادب والفن


أوقعني صديقي في حرج كبير حين أرسل لي عبر البريد الالكتروني رسالة يطلب مني فيها أن أطلعه على آخر أخبار الوطن، في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها، وتكالب المتكالبين عليه....
حقاً ما آخر أخبار الوطن؟؟
ذاك صديقي الذي يقطن بعيدا في أوربا ويصغي بانتباه شديد للأخبار محاولا معرفة ما سيحل بمرابع طفولته، وأرض حبه الأول، وبيته الدافئ، صديقي الذي بذل الكثير من الجهد والوقت والمال ليحصل على تأشيرة خروج تمكنه من مغادرة الوطن يتساءل بقلق، هكذا لمست في حروفه المكتوبة، عن الوطن الذي لم يوفر له فرصة العمل التي كان يحلم بها، ولم يمكنه من الاقتران بالفتاة التي أحبها، لظروف معاشية بحتة، والذي تعرض للاعتقال مرتين في سجونه لسبب مازال يجهله.
فتحت الصفحة وبدأت أحرك أصابعي بتوتر على مفاتيح الكومبيوتر، ماذا أكتب له؟ هل أكتب: صامدون... سيضحك ساخرا وهو الذي يعرفني جيدا حين أستخدم مثل هذه المفردات، أم أقول متفائلون؟ سيكتشف كذبي مثلما اكتشفت قلقه.
فلأكتب له أنبئك بأننا مازلنا:
مثلما كنا (نركض نركض والعشا خبيزة).
حائرين، ضائعين، متعبين.
إعلامنا بخير كما كان دائما، سباقا، لماحا، جريئا، لا يهادن، ولا يمالئ، ولا يفعل شيئاً البتة.
ساحة الأمويين مازالت محفورة، وكلنا ثقة بأنها ستغلق في يوم من الأيام لتكون الخلاص الذي لطالما انتظرناه.
وبخصوص ساحة الأمويين فقد خطر لي ذات مرة أن أقارن سير عجلة الإصلاح في بلدنا بسير عجلة العمل في ساحة الأمويين، فللسنة الثالثة على التوالي مازلنا نرى الحفارات والعمال والأتربة، منذ أن بدأ العمل على قدم وساق لإنشاء نفق للسيارات يتطلب إنجازه في دول غير دولتنا أشهرا لا سنوات، وكذلك الإصلاح الذي توقعنا أن يكون سريعا وعاجلا نتيجة الحاجة الماسة إليه، تماما كما توقعنا أن يكون سير العمل في نفق الساحة الشهير سريعا نتيجة الاختناق والازدحام الهائل الذي يعانيه سكان دمشق التي تضم ثلث سكان بلدنا، كون محافظاتنا الثلاث عشر الباقية ضاقت بعبء أبنائها الذين لم يستمعوا لوصايا منظمة السكان بتحديد النسل واستمروا يتكاثرون.
حالتنا المعنوية مثلما كانت دائماً، مليئة بالتحفز والقوة، ولا يمكن لقوى الأرض جميعا أن تؤثر على ثقتنا بأنفسنا، وسنظل نقاوم حتى الرمق الأخير وقد بلغناه منذ حين فترى الواحد منا يردد مقولة شبه مأثورة إن سألته عن حاله فيقول دون تفكير: (عايشين من قلة الموت).
أثقلتنا الديون والأقساط والقروض فما عدنا قادرين على معرفة المبلغ الحقيقي الذي نتقاضاه كل شهر كونه يطير، ويصير أول الشهر مثل آخره، لا فرق إلا في ترقيم الأيام.
ولكننا نحمد الله فما زلنا صامدين، نأكل صمودا ونطعم أطفالنا صمود ونسكن صمودا، أحلامنا كبيرة ولا حدود لها، لكننا لا نلهث لتحقيقها لأننا أكثر انشغالا بحلم الوطن، ولقناعتنا الراسخة بأننا مهما فعلنا فلن نصل إلى تحقيق تلك المستحيلات التي نحلم بها، بأن يكون للواحد منا بيت يؤويه، وأن يكون قادرا على أن يكتب في جريدته الوطنية منتقدا مديره العام دون أن يتعرض في اليوم التالي لأشد أنواع التنكيل والضغوط...
لم نفكر يوما بركوب الموجة الأميركية في الحرية والديمقراطية، لكننا نحلم مثلا بشيء من الحرية يتيح لنا الفرصة بأن نكره علانية، وأن نحب علانية، وأن نرقص في الشوارع مزهوين بذواتنا المتماسكة لا أن ننهار لمجرد تحريك أرجلنا بسبب ذواتنا الهشة التي أدمنت مقولة محمد الماغوط: الفرح ليس مهنتي... ولم تقرأ يوما عن مفردة الفرح، ولم تجرب في ساعة من ساعات الصفاء أن تنسى الغد وتفكر في اليوم فقط.
لا أريد أن أثقل عليك أيها الصديق المسترخي غير أني أحلم بالاسترخاء بعد 16 ساعة عمل كل يوم، أحلم بالنوم بعمق دون إحساس بالخوف من غد، أحلم بأن أضم ابنتي مرتاحاً، لا أن أبعدها عني لأني مرهق ومتعب.
اختلطت أخبار الوطن بأخباري فما ميزت بين ما كتبته عني وما كتبته عن الوطن ولكني أظنه اليوم مرهقا مثلما أنا مرهق تماما، ومتعب أيما تعب، ويود أن يغفو ليرتاح بعد هذه السنوات الطويلة من التعب.

روائي وصحفي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |