الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الانتقالية وتحديات المستقبل *

عفيف مزهر

2013 / 3 / 14
حقوق الانسان


العدالة الانتقالية وتحديات المستقبل 1*
لعل انضج خطوة اتخذتها الأمم المتحدة في العام 2005، كانت الاطاحة بمفهوم/قاعدة (عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول) وإقرارها مبدأ جواز التدخل كلما تعلق الأمر بضرورة حماية المدنيين. وأكثر من ذلك، اعتبار التدخل (من مسؤولية المجتمع الدولي)، اي رفعه لمرتبة الواجب الانساني. وبمقتضاه يكون لزاما على الأمم المتحدة اتخاذ كافة التدابير الضرورية واللازمة لمنع وقوع الجرائم ضد المدنيين وحمايتهم.2
سبق ذلك في العام/2004/ صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة- عن العدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع3. والذي عالج ثلاث قضايا رئيسية وهامة.
الأولى: تركيز الأمم المتحدة على مسألتي العدالة الانتقالية وسيادة القانون. في مجتمعات الصراع وما بعده.
الثانية: ايلاء " التقييمات والمشاركات والاحتياجات والأماني المحلية" الاهتمام المناسب وتقديم الدعم الأممي على هذا الأساس.
الثالثة: وجوب دعم الأمم المتحدة للدوائر المحلية المعنية بالإصلاح والمساعدة في بناء المؤسسات الوطنية لقطاع العدالة. اضافة الى ضرورة المساعدة على سد الفراغ في مجال سيادة القانون.
المساءل الثلاث الواردة تشكل احد اهم احتياجات المجتمع السوري في المرحلة الراهنة وما يليها، نظرا لفداحة التدمير الذي لحق بكل البنى المجتمعية والمؤسسات الوطنية، ما يقتضي تضافر جهود هائلة وجبارة وطنية ودولية للحد من هذا التدمير أولا، والبدء فورا بإعادة البناء بمعناه الشامل.
اولا : العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين.
ما بعد الصراع، ولضرورات المحافظة على الاستقرار وتثبيته. فمن الصعب جدا ،ان لم يكن مستحيلا الحديث عن العدالة بمعزل عن مفهوم القصاص، الذي هو: مطلق المساواة والتتبع - لغة. وفي الفقه الاسلامي- عقوبة مقدرة شرعا. تقضي بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل . اما الحكمة من اقراره فترتبط بإطفاء رغبة المجني عليه بالثأر والانتقام . اضافة لمفهوم الردع الذي يمنع تكرار الاعتداء. وفيه ايضا حياة للمجتمع ، وفقا لعلماء المسلمين.
ولأن الحروب الداخلية، تحت اي اسم اندرجت، تترك بلا ادنى شك، شرائح واسعة وعريضة من المواطنين لا يفارقهم الشعور بالغبن، أقله. والانتهاك الفظ لحقوق مشروعة وبعضها مقدس. ما يغذي على الدوام رغبة عارمة بالانتقام. كلما أغفل المجتمع واجبه بالمحاسبة والقصاص.
وفي وقائع كثيرة مشابهة أنشئت محاكم دولية أنيط بها مهمة ايقاع القصاص وفقا لضوابط4* ومعايير دولية متفق عليها. هذه المحاكم ، وعلى الرغم من " تكلفتها الباهظة، وعدم مساهمتها في بناء قدرات وطنية لإقامة العدالة على نحو فعال" إلا أنها ساعدت على "انصاف الضحايا وإعطاء الأمل" في المستقبل. 5*
وقد اشار الأمين العام في تقريره الى مجلس الأمن للدور (بالغ الأهمية) لبعثتي الأمم المتحدة في كوسوفو وتيمور الشرقية لما يتعلق بالمسؤولية المباشرة عن ادارة خدمات القضاء والشرطة والسجون . فكان بذلك ردا بليغا على رافعي رايات (السيادة الوطنية) المتمسكين "بمبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، على حساب حق المواطنين بالأمن والحرية والكرامة، وقبلها الحق في الحياة. 6*
ثانيا: دور الأمم المتحدة في استعادة الأمن والاستقرار.
تجدر الاشارة بداية الى ردات الفعل "المتسرعة رغم مبرراتها القوية" عما بدا تقصيرا فاضحا في تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته حيال الصراع في سورية. غير ان المشكلة لاتكمن في استعداد هذه المؤسسة الرائعة فعلا، بل في القرارات السياسية لبعض الدول التي اتاحت لها طبيعة القانون الدولي وقواعده النافذة من عرقلة اتخاذ قرارات فعالة وسريعة. كما لا يصح التبرؤ نهائيا من مسؤولية الظواهر التي من شأنها ان تثير قلقا لدى صانعي القرار سواء في موسكو او في واشنطن، وحلفاء كل منهما، "باستثناء ايران بالطبع"، والكل يدرك ان هذه الظواهر اخافت او أقلقت جزءا كبيرا من المواطنين. و قوى سياسية لا تقبل التشكيك بصدقية موقفها الوطني الرافض لسلطة استبداد استهدفتهم منذ زمن بعيد ولازالت. 7* ويدركون فوق ذلك، أن لا مستقبل لوطنهم ولأبنائهم فيه، ما استمرت هذه السلطة بعسفها ولا شرعيتها برموزها وقوانينها وثقافتها، بدءا من الدستور وصولا الى كل القوانين والمراسيم الاستثنائية.
تشمل الخدمات الأممية طيفا واسعا من القضايا موصولة بحاجات المجتمع ومستوى التدمير الذي لحقه من جراء العنف، وهي خطوات لا غنى عنها في نهوض المجتمع واستعادة عافيته تدريجيا.
فهي أولا وعبر مساهمتها في تعزيز انفاذ القانون ومؤسسات العدالة الوطنية، باختيار المتخصصين وتوزيعهم سواء في البعثات او في مواقع الاحتياج. لضمان اجراء المحاكمات باعتبارها ( الخطوة الأولى والالزامية) 8* في العدالة الانتقالية الهادفة الى محاكمة رموز الفساد السياسي والمالي، وكل من تسبب بقتل المواطنين. ويتبعها أيضا اقرار التعويضات المادية والمعنوية، لضمان تهيئة المناخ المناسب للمصالحة الوطنية، بإعادة ثقة الجمهور بالدولة ومؤسساتها. وما تعنيه الثقة من اساس لاغنى عنه في توطيد دور الدولة ومسؤوليتها عن الأمن والعدالة وكافة شؤون المجتمع.
ثانيا في تسهيل اجراء المشاورات الوطنية بشأن اصلاح العدالة، وتنسيق المساعدات الدولية لذلك. بما فيها توظيف التجارب السابقة لاختيار السبل الأفضل لإصلاح الآليات من حيث – اعادة الهيكلة بتحديد وضبط الصلاحيات المعطاة لكل جهة من الجهات الرسمية، وتحديد المسؤولية في اتخاذ القرارات وتوزيعها بما يضمن عدم التداخل او التضارب بين الواجبات والمسؤوليات المختلفة. كما يمكن لبرنامج اصلاح العدالة أن يتضمن اعداد القوائم بمرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان لمنعهم من شغل مناصب في المؤسسات الحكومية.
ثالثا رصد اجراءات المحاكم بمراعاة قوانين الاجراءات القضائية بما فيها حق الدفاع. لضمان نزاهة وحياد المؤسسة القضائية، وتجنيبها الضغوط المتنوعة التي يمكن ان تتعرض لها في معرض عملها المهني. كما تشمل ايضا تدريب موظفي قطاع القضاء الوطني، ودعم هيئات الاصلاح القضائي، بما في ذلك المساعدة في صياغة الدستور الجديد بما ينسجم مع المعايير الدولية، ولاسيما الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. اضافة الى تنقيح التشريعات المحلية لجهة انسجامها مع الدستور من جهة، ومطابقتها للمعايير الدولية المعمول بها من جهة أخرى.
فاذا كانت القواعد الثلاث المذكورة ركيزة العمل الأممي ودوره في مجتمعات الصراع وما بعده. فان الخدمات والأعمال الأخرى لا تقل أهمية من حيث الجدوى والمساهمة الفعالة والضرورية لتسهيل انتقال هذه المجتمعات المنكوبة الى حياة آمنة ومفتوحة على مستقبل أفضل. وفي مقدمة هذه الخدمات، (الدعم المتواصل لروابط محامي الدفاع ولجان حقوق الانسان)9* المادي والمعرفي. واقامة معاهد تدريب قانوني تأخذ في الاعتبار حاجات المجتمع الملحة، وبناء قدراته ومهاراته على مراقبة القضاء. فلا حياة قانونية صحيحة وسليمة دون حضور قوي وفعال لجهات الدفاع من محامين ومنظمات مدنية تطوعية حريصة فعليا على سيادة القانون والعدالة. وهذا الدور بالضبط، هو اجراء تمهيدي لتمكين الخطوة الأخرى من النفاذ والفاعلية وهي (آليات تقصي الحقائق والمصالحة وبرامج تعويض الضحايا). فلا مصالحة وطنية جدية بمعزل عن المحاسبة وفتح ملفات الفساد السياسي والمالي، ولاسيما في أجهزة الأمن المختلفة، وكشف كامل الانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين. وهي جميعها انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف لعام 1949م. 10* وكذلك قوانين وأعراف الحرب. 11* . وهذا الاجراء من حق المجتمع، ولا أحد يملك التنازل عنه. وسيكون في غاية الأهمية ايلاء تشكيل وتنظيم ومتابعة عمل لجان تقصي الحقائق، وتقديم كل الوثائق التي من شأنها ادانة مرتكبي الجرائم والأفعال المخلة بأمن المواطنين. ولا شك في توفر الكثير منها مبعثر وغير منظم، او غير مستوفي لكامل الشروط اللازمة لاعتمادها كأدلة اثبات. لهذا تنبغي الاشارة الى النماذج الصالحة للاعتماد. (نموذج 1- ادلة الاثبات) 12*
ومع أن مسار العدالة الانتقالية مرتبط بالاستقرار السياسي وانصراف ارادة المواطنين والقوى السياسية الى التفكير الجدي بطي صفحة الاقتتال والمضي في المصالحة الوطنية نحو دولة الحق والقانون. 13*- الا أن الاستقرار السياسي نفسه مرتبط بجدية الاجراءات الضامنة للعدالة الانتقالية ومسار تحقيقها على قاعدة (توازن الحقوق) دون تجاوز او اهمال لأي منها. فالإحساس بالغبن عامل حاسم في عدم الاستقرار، ومن شأنه ان يفتح الطريق لخيارات أخرى، أخطرها محاولات (استيفاء الحق بالذات).
يبقى أن يدرك الجميع، بحتمية (مرحلة العدالة الانتقالية) وأنه لابد من توافر الارادات بما يكفي لدفع عملية المصالحة والبناء ، ورأب الصدع المجتمعي الذي سعى اليه النظام جاهدا. على قاعدة المساءلة القانونية لكل أركان النظام ولمن تلطخت أيديهم بالدم السوري.

1-*- العدالة الانتقالية في القانون الدولي: (حكم محكمة الدول الأمريكية):4 التزامات اساسية في مجال حقوق الانسان هي: 1- اتخاذ خطوات معقولة لمنع الانتهاكات 2- اجراءات تحقيقات جادة بشأن الانتهاكات عند وقوعها 3- فرض عقوبات ملائمة على المسؤولين عن الانتهاكات 4- ضمان تقديم تعويضات لضحايا الانتهاكات. اكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان هذه المباديء. اما محكمة الجنايات الدولية فأقرت مباديء اوسع من ذلك.
المركز الدولي للعدالة الانتقالية 5 Hanover Square, 24th Floor, New York, NY 10004
2*- لمزيد من الاطلاع د.الشافعي محمد بشير، حقوق الإنسان المجلد الثاني، دار العلم للملايين ، الطبعة الثانية 1998
3*- S/2004/ الأمم المتحدة * 61
4-*- الخصائص المشتركة للمحاكم الجنائية الدولية- علي يوسف الشكري. المختار للعلوم الانسانية. العدد الثالث 2006
5-* جاء في المادة الأولى من مشروع قانون العدالة الانتقالية- الليبي: (العدالة الانتقالية هي معالجة ما تعرض له الليبيون خلال النظام السابق والمرحلة الانتقالية.من انتهاكات لحقوقهم وحرياتهم الأساسية سواء من قبل لأجهزة التابعة للدولة أو من جماعات أخرى مهما كانت مسمياتها، عن طريق اجراءات تشريعية واجتماعية وادارية وقضائية وذلك من اجل اظهار الحقيقة وحفظ الذاكرة الوطنية واصلاح ذات البين وترسيخ السلم الاجتماعي والتأسيس لدولة الحق والقانون.)
6 *-تعتبر الأمم المتحدة نفسها مسؤولة عبر مؤسساتها، والأجهزة الرئيسية فيها، عن تأكيد احترام حقوق الإنسان، وألا تعتبر أي دولة معاملة الإنسان داخلها، مسألة من صميم سلطانها الداخلي، بل تعتبر نفسها ملزمة أمام المجتمع الدولي باحترام حقوق الإنسان، وأن من حق المجتمع الدولي، بل ومسؤوليته، أن يتدخل لحماية هذه الحقوق. لمزيد من الاطلاع. محمد السيد سعيد – حقوقنا الآن وليست غدا، الصادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
7*-لمزيد من الاطلاع على هذه النقطة بالذات. الجبهة الإسلامية السورية": من هم هؤلاء؟
8*-ايمان بن عزيزة-العدالة الانتقالية وآليات تحقيقها- دار الأنوار- تونس
9*- للمزيد- 5 Hanover Square, 24th Floor, New York, NY 10004- Tel: +1 917 637 3800 Fax: (917) 637-3900-المركز الدولي للعدالة الانتقالية
10-*- الانتهاكات الجسيمة تشمل( القتل العمد، التعذيب او المعاملة غير الانسانية، تدمير الممتلكات العامة والخاصة او مصادرتها دون مبرر، حرمان المدني او اسير الحرب من المحاكمة العادلة. اخذ المدنيين كرهائن، نفي او سجن او قتل مدني على نحو غير مشروع.
11-* - انتهاك قوانين واعراف الحرب.(استخدام اسلحة سامة. تخريب المدن والقرى عن استهتار ودون ضرورة عسكرية.مهاجمة وقصف البلدان والقرى او المساكن التي تفتقر الى وسائل دفاعية.مصادرة او تدمير المرافق الدينية.ومرافق التعليم والفنون والآثار. نهب الممتلكات العامة. للمزيد من الاطلاع. علي يوسف الشكري. مصدر سبق ذكره.
12*- نموذج استمارة تقديم بلاغ عن ضحايا العنف بمختلف اشكاله. ملاحظة: يجب ملء الخانات المشار اليها بنجمة(*) وإذا تضمن البلاغ معلومات إضافية اقتضت السرية تكتب كلمة " سري" إلى جانب هذه المعلومات
الحالات المقدمة من قبل المنظمات أو الأفراد:
(*) هل منح المعنيون بالواقعة موافقتهم المباشرة لمنظمتكم على تقديم هذه الحالة؟:
(*) إذا كانت هذه الحالة مقدمة من منظمة، هل هي على استعداد للمتابعة وتبليغ المعلومات فيما بين الأسرة والفريق العامل؟: هوية الشخص موضوع الواقعة: الكنية أو اسم العائلة (*):2--اسم الشخص: (*)جنس الشخص/ ذكر /أنثى.. تاريخ الميلاد::...نوع وثيقة الهوية:...رقمها:... تاريخ صدورها:... مكان صدورها:......عنوان السكن الدائم:... فيما لو كانت الضحية امرأة، عدم اغفال كونها حامل.
تاريخ وقوع الحادثة ونوعها :- اختفاء- قتل – اغتصاب- الخ..-اليوم- الشهر- السنة- نهارا- ليلا.
مكان الواقعة: المدينة – الشارع او الحي وأية معلومات اضافية تفيد في تحديد المكان (*):
الجهة التي ارتكبت الفعل- صفتها- تابعة للدولة- مدنية مدعومة من الدولة- نوع اللباس الرسمي. نوع السيارة. مدنية حكومية- رقمها( وكل ما أمكن الوصول اليه من معلومات تفيد تحديد وضبط الفاعل) وفي حال – الظن- لابد من ذكر دواعيه وعن اسماء الشهود ان وجدوا مع المعلومات الشخصية الضرورية عنهم. (*): - هل اتخذت اجراءات ما في القضية-(بلاغ رسمي- لجهة حقوقية او مدنية أخرى) ذكر المعلومات المتصلة بالأشخاص الذين بلغوا ومكان التبليغ /تاريخه ..وأية خطوات أخرى متخذة. الخ- وفي حال عدم اتخاذ أي إجراء يفضل ذكر الأسباب المانعة.

13*- د. رضوان زيادة _ -11 issue 48 / feb. 15th










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر