الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلم تسلم

مجدي الجزولي

2005 / 4 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


خرج مجلس الأمن الدولي على السودانيين بجملة قرارات صارمة، منها ما يشرعن أممياً للإنتداب و يؤسس لإستعمار مباشر لطيف و غليظ عبر جيش متعدد الجنسيات و قوة بوليسية و جهاز مدني متشعب، تماثل المهام الموكلة إليه مهام مؤسسات دولة مستقلة (القرار 1590، 24 مارس 2005). القوة الدولية القادمة مناط بها تأمين و دعم و رعاية تنفيذ إتفاق السلام الموقع بين حكومة السودان (المؤتمر الوطني) و الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان في يناير 2005. ربما إستساغ كثير من أهل السودان الوجود الدولي العسكري و المدني الكثيف مدفوعين بسأمهم من الفشل المستمر للدولة السودانية و نخبها الأليفة و المتمردة في الوصول لحلول مرضية لصراعها المميت حول "السلطة" السياسية و الثروة "الإقتصادية"، و الإثنان على وجه الحقيقة مسؤولية إجتماعية و ملكية إجتماعية على التوالي، إذا كان المقصود تحصيل مشروعية جماهيرية للحكم و التصرف في ثروات البلاد، ما ظهر منها و ما بطن. هذه الملاحظة ضرورية لبيان أن الإتفاق له هيبة السلطان- جبهة و حركة و أمريكا، المؤزر بخوف الناس من البندقية، لكن تنقصه "بيعة" الجماهير، على أية حال صار الإتفاق رغم عيوبه من "أمر واقع" السياسة السودانية مثله مثل الطوائف و القيادات الأبدية، لذا ليس من سبيل الآن سوى القبول المبدئي به و دعمه بالنقد البناء.

القرار الأخير لمجلس الأمن (القرار 1593، 31 مارس 2005) يأمر حكومة السودان بتسليم المتهمين بجرائم الحرب في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، و قد ردت عليه السلطة الحاكمة بقسم غاضب جاء على لسان الرئيس أمام حشد من شيوخ المؤتمر الوطني متنه أن الحكومة لن تسلم أي مواطن سوداني للمحاكمة خارج البلاد. كما هو متوقع ابتهج متمردو دارفور أيما إبتهاج بالنصر الأممي و فتح قريب. زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي سارع ببيان متعقل جاء فيه أنه يدعو لمحاكمة المتهمين داخل السودان و توسيع دائرة المشاركة السياسية، بينما أعلنت بعض دوائر "التجمع الوطني الديمقراطي" أن القرار عادل! منطق القرار مأخوذاً ضمن ما سبقه من قرارات و ما صاحبه من مساومات سياسية بين فرنسا و الولايات المتحدة و ما دفعه من مصالح دولية (خبيثة و حميدة) بجانب رافعة الرأي العام الدولي و الصوت العالي للمنظمات الإنسانية و الحقوقية يوحي بل يدل صراحة على أن القوى الدولية عازمة بجد كالموت على تنفيذ حكمها مهما كان الثمن- عراقي أو صومالي.

بين قرار "الإنتداب" و قرار "المحاكمة" جاء قرار ثالث (القرار 1591، 29 مارس 2005) تنذر فيه القوى الدولية حكومة السودان بمنع الطيران الحكومي فوق دارفور و حظر سفر و تجميد حسابات بنكية لمجموعة من 15 فرد مسؤولين بطريقة أو أخرى عن إنتهاكات الشريعة الدولية، و ذلك في غضون شهر من صدوره ما لم تلتزم الحكومة بإتفاقاتها مع الحركات المتمردة في دارفور.

حصيلة القرارات الأممية تجعل الوصول لحل سلمي بين السلطة الحاكمة و حركتي التمرد في دارفور أمر مستحيل، إذ ليس هناك ما يكسبه المتمردون من التفاوض الجاد مع سلطة مهددة بالقضاء الدولي و بالتالي على شفا حفرة من النار، ليس لها من ولي و لانصير صيني أو روسي أو نيروبي. الحركة الشعبية أدركت باكراً ان الإسراع بإنفاذ الشق القومي من إتفاق السلام ليس من "الشطارة" في شئ، حيث نشطت في تثبيت أقدامها في الجنوب عبر صفقات مع أطراف دولية لتمويل و تنفيذ مشروعات من بينها خط قاري للسكة حديد و شبكة إتصالات و تعدين و بترول، كما شرعت في التحضير للقاء أطراف جنوبية غير راضية لتسوية الخلافات العالقة و نشر عباءة الحركة على كل الجنوب، بينما اكتفت بخصوص الشراكة السياسية مع المؤتمر الوطني و مشروع التحرير الحضاري بالعمل وفق قاعدة "خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الخلف – المجموع ترددات" و لا غرابة، الحركة تعلم أن حريق دارفور قد يلتهم السلطة و أهلها، و بالتالي ليس من سبب واقعي يدفعها للإسراع بالدخول في إئتلاف، الطرف الثاني فيه على كف عفريت مجلس الأمن، و ها هو السلطان الدولي يظهر ما أبطن، و ربما علمت الحركة.

النتيجة النهائية أن التدخل الدولي قد أجبر الأطراف المتحاربة في الجنوب على توقيع إتفاق سلام "تاريخي"، ثم منع بصورة أو أخرى من الوصول لإتفاق على ذات النسق في دارفور، ثم شرع يصنع لنفسه بثقة جزراً إستعماريةً داخل السودان و يأخذ الآن زمام المبادرة من السودانيين لإسقاط السلطة الحاكمة عبر محاكمة متهمين بينهم مسؤولين حكوميين أمام القضاء الدولي. في حال صدق قسم الرئيس ينذر الوضع بتدخل عسكري مباشر، آلته ربما القوات الأممية، و في حال كذب فراغ سياسي محتمل أو سلطة مركزية فاقدة لكل مشروعية مدعاة. ما قد تنتهي اليه متوالية الأحداث، حال إتصل عجز المعارضة السياسية عن الفعل، سيناريو تجتمع فيه مأساة الصومال و محنة العراق، فعناصر الإنفجار متعددة و متراكمة و قد بدأ إنقلابها الكيفي بالحركات المسلحة في دارفور و لن يقف عند هذا الحد. رغم نضوج حوجة التغيير لا ترى الجماهير عدواً بيناً كسلطة عبود في اكتوبر 1964 أو سلطة النميري في مارس/أبريل 1985 تتحد ضده متفوقة على عوامل التشظي و الإنقسام، فالعدو متعدد الأسماء و الصور: الأمم المتحدة و الحكومة و السوداني العربي و السوداني الزنجي و السوداني السوداني! من جانب آخر تفتقد الجماهير للقيادة السياسية المقتدرة، التي تستطيع أن تسمي مشترك جدل العداوات و تحدد الأولويات، تنطق بإرادة الجماهير و تجمع الكادحين السودانيين من شتات الأعراق و الجهويات إلى دوحة وطنية يفرون إليها بوعي و حرية لا عبر الدفع المقدم.

ليس هناك مجال للتشكيك في خطل محاكمة مسؤولين سودانيين أمام محكمة دولية، فالسودانيين ليسوا قصر، عليهم هم وحدهم يقع عبء التخلص من جبروت السلطة الحاكمة و مقاضاة الجناة، السلطة التي اصبحت كحاكم العراق السابق – منفذ لإمبريالية ما بعد الحرب الباردة و مبرر للإستعمار الجديد. إن ضيق ماعون الحزب الحاكم يمنع رجالاته من إدراك مدى كارثية المأزق الذي رموا فيه بلادهم و شعبها، و المعارضة "الرسمية" صارت كماعز الخرطوم في الصيف، لا تفارق الحيطان و تتوارى خلف البيانات التي ترسلها من كل عواصم العالم، بينما لا تتجرأ أن تنبس ببنت شفة في الخرطوم، ناهيك عن أن تتدخل في الشأن السوداني بأي فاعلية كانت. تحت هذه الظروف فإن الداخل السوداني مطالب بأن يصحو من "تعسيلته" الطويلة، و إلا فمرحباً من الآن ب "علاوي" السودان "الجديد"، الذي سيجد "بريمر" أقصد "برونك" في إنتظاره.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج