الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الثقافي في بلدان التحرر الوطني - سوريا نموذجا

لؤي حاج بكري

2013 / 3 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الصراع الثقافي في بلدان التحرر الوطني – سوريا نموذجاً
يعتبر الكثير من الباحثين تنوع الثقافات أساس التطور والازدهار في المجتمعات الانسانية، مدللين على ذلك بالكيانات ما بعد الدينية والقومية التي نشأت حديثاً كدول متعددة الثقافات في الولايات المتحدة وكندا واستراليا، وفي تحول أعرق الدول التقليدية نحو الاتحاد الأوربي ككيان تعددي حديث قطع خطوات راسخة ومهمة ، في حين تتعرض معظم الكيانات لصراعات اجتماعية وعنيفة ناجمة عن ذلك التنوع بشكل رئيسي كما في الدول العربية والافريقية وروسيا والهند والصين والعديد من الدول الآسيوية، مما يبرز إلى السطح مسألة الصدام الثقافي الداخلي في المجتمعات البعيدة كل البعد عن أطروحة هنغتنتون المعروفة بصراع الحضارات الكبرى.
إن للبحث في تجليات تلك الظاهرة على الواقع السوري مداخل مختلفة باختلاف الهويات الثقافية للباحثين واجتهاداتهم الشخصية، لكنه ومع الاحتقان الاجتماعي المتزايد والتخوفات المختلفة من التصادم الاجتماعي الأكثر عنفا لابد من إيلائها الاهتمام المناسب، بتحديد أسبابها وآليات الخروج منها رغم الشكل الواضح للصراع القائم على إسقاط النظام السياسي؛ وكمدخل اولي للمقاربة يمكن القول بان تلك البقعة الجغرافية المعروفة بسوريا اليوم قد تعاقبت عليها العديد من الدول المختلفة اجتماعيا مما يرجح حصول صراعات اجتماعية حادة، وبأن المجتمع السوري الحالي ليس إلا مزيجا من الثقافات التي وجدت عليها، وبأن الكيان السياسي الناشئ فيها مع سقوط السلطنة العثمانية بدايات القرن العشرين قد أسس لمجتمع له العديد من الامتدادات في كل الكيانات المجاورة، وبأن المجتمع الحالي ذو تركيبة ثقافية متنوعة من عوائل المدن والأرياف الحضرية ذات الخلفيات الدينية والطائفية والقومية المختلفة ومن العشائر العربية والكردية المنتشرين من جنوب البلاد حتى شمالها؛ لقد تشكلت الجمهورية العربية السورية كإطار وطني لهذا المجتمع وفقا لدساتير وقوانين وسياسات متتالية، انتهت إلى الشكل الذي رسم ملامحه حافظ الأسد الذي قاد الانقلاب العسكري الأخير عام 1970، شكلا يقوم على صهر تلك المكونات الاجتماعية في بوتقة القومية العربية كما يسميها، عبر طمس التنوعات الثقافية وفرض ثقافة مشتقة على ما يبدو من ثقافة اشتراكية عسكرية في نموذجها الكوري الشمالي.
انطلاقا من تلك المعطيات فإن ما جرى من تغيرات دولية عاصفة نهاية القرن العشرين ، تمثلت بانهيار الثقافة الاشتراكية وانتشار نظريات ثقافية ليبرالية جديدة حول العولمة ونهاية التاريخ والصراع الحضاري، ومن المتغيرات الثقافية الحاصلة في البلدان الاشتراكية والبلدان المتأثرة بها أكثر من بقية البلدان الأخرى، حيث عادت مجتمعات الاتحاد السوفياتي السابق إلى الشكل القومي للثقافة كرد على التسلط الروسي المباشر، وحيث أن مجتمعات أوربا الشرقية التي شعرت بالتحرر من النفوذ الروسي لم تستغرق طويلا في تنمية ثقافاتها القومية بقدر ما انتقلت لتنمية قيم الثقافة الغربية، وحيث أن الصين صاحبة التجربة الاشتراكية المستقلة قد بقيت بعيدة عن تلك المتغيرات الحادة بسبب جنوحها المسبق نحو خصائص الثقافة الصينية، في حين أن كوبا سعت لتكريس اشتراكية جديدة في محيطها الاقليمي مستندة لانتزاع الفئات المهمشة الثروات العامة والشخصية من الفئات الأخرى، فإن تلك الدول التي استوحت أشكال متفاوتة من الثقافة الاشتراكية ولم تستطع فرض متغيرات ثقافية واضحة قد بقيت أسيرة لهياكل ثقافية فارغة، تلك البلدان التي عرفت ببلدان التحرر الوطني كالجزائر وتونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا واليمن ، والتي استمدت من التجربة الاشتراكية العالمية عناصر ثقافية متعلقة بمفاهيم كالحزب القائد والمدعي الاشتراكي واللجان الشعبية، تعرضت مؤخرا لمتغيرات عاصفة مختلفة تماما عن المتغيرات الطبيعية الهادئة في البلدان ذات الطبيعة الاجتماعية المشابهة لها.
إن ما حصل في سوريا بعد الخواء الثقافي بتلاشي قيم الثقافة الاشتراكية القومية وتحول مؤسسات الحزب القائد إلى هياكل عظمية من المسؤولين الحزبيين، وبغياب أية طروحات ثقافية جديدة قادرة على التأثير في الشارع السوري، وبالاستعاضة عن شعارات البعث والقائد الأمين بشعار الثالوث المقدس - الله سوريا بشار وبس - ، فتحت الباب أمام صراع ثقافي من نوع سوري في ظل تفجر الأزمة المتراكمة بين السلطة والشعب، فالإسلام السلفي كثقافة تقوم على المنع والنهي والأمر تحاول شق طريقها عبر سيطرة مسلحي الكتائب الاسلامية على المناطق المحررة، والسلطة المتبقية على المناطق الخاضعة مازالت مستندة لثقافتها بقدسية بشار معززة إياها بمفاهيم المؤامرة والممانعة وكل ما يوحي لها بمواجهة المقدس للمدنس، والمكونات الاجتماعية المختلفة تبحث في استعادة هوياتها القومية والدينية والطائفية والعشائرية كثقافات مكونات ارتدادية تنذر بالتشظي لمجتمع مرّ على نشوئه نحو مائة عام، وحدها تبقى الثقافة الحداثية المعول عليها بوحدة المجتمع السوري وبكافة أطيافه كمفاهيم للدولة المدنية الديمقراطية، ثقافة تبدو هدفاً وأملاً يزداد في تباعده عن الواقع ليتلاشى في آتون صراعات ثقافية تناحرية ، صراعات تتكرس على الأرض مع التأخر الحاصل للوصول إلى حل سياسي دولي كسلطة انتقالية توافقية لكل السوريين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم خاركيف.. الجيش الروسي يسيطر على 6 بلدات ويأسر 34 عسكريا


.. حضور للعلم الفلسطيني والكوفية في حفل تخرج جامعة أمريكية




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار الغارات الإسرائيلية على مناطق وسط قط


.. كتائب القسام تقصف قوات إسرائيلية بقذائف الهاون بمعارك حي الز




.. انفجار ودمار في منطقة الزيتون بمدينة غزة عقب استهداف مبان سك