الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاصمة ثقافية

سهير المصادفة

2013 / 3 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سمعتُ اسم العراق وأنا فى الخامسة من عمرى تقريبًا، كنتُ بعْدُ لم أعرفْ هل العراق هذه بيتٌ أم بلدة مثل بلدتى في الشرقية التى نذهب إليها من حين إلى آخر، أم مصيف مثل الإسكندرية التى نذهب إليها كل صيفٍ، أم أنها مشفى، لكن المدهش وقتذاك أننى وقعت فى حبِّها فور سماع اسمها وأنا لا أعرف بالطبع بعْدُ مكانَها على الخريطة، والحكاية ببساطة أن أبى كان في إحدى الأمسيات العائلية آنذاك يردد أبياتٍ من قصيدة قيس بن الملوح الشهيرة: يقولون ليْلى بالْعِرَاقِ مريضةٌ / فَمَا لَكَ لا تَضْنَى وأنْتَ صَديقُ. سقى الله مرضى بالْعِراقِ فإنني / على كلِّ مرضى بالْعِرَاقِ شفيق. فإنْ تَكُ لَيْلَى بالْعِراقِ مَريضَةً / فإنِّى في بحْرِ الحتوفِ غريق.
كان أبى كأنه يشدو بهذه الأبيات شدوًا يتسلل إلى الروح دون المرور على العقل ثم يأبى أن يغادر، تعلمتُ فى المدرسة ــ فيما بعد ــ أن بغداد عاصمة العراق هى ثانى أكبر مدينة فى العالم العربى بعد القاهرة، وتعلمت من التاريخ أنها كانت ملتقى المبدعين والعلماء والدارسين لعدّة قرون خلت، وأنها كانت قِبلةَ الشعراء والأدباء والمترجمين والكُتَّاب والفنانين، وأن بها شارعًا على اسم مَنْ أحبُّ من الشعراء.. شارع "أبو نواس"، وأن كلمة بغداد ــ باللغة الآرامية السريانية التى كان يتكلمها أهل بابل القدماء ــ تعنى بستان الحبيب.
حلمتُ أن أتجول فى بستان الحبيب / عاصمة الرشيد، وأستريح قليلاً فى رحاب تمثال شهرزاد وهى تحكى لشهريار حكايات ألف ليلة وليلة التى مازالت تمثل أعلى ذروةٍ للسرد فى العالم حتى هذه اللحظة، وحلمت أن أرى تماثيل المتنبى والرصافى وأن أتنسم الهواء الذى ــ دون شكٍّ ــ داعبَ نازك الملائكة والجواهرى وناظم الغزالى.

ليس غريبًا إذًا أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية لعام 2013، وليس غريبًا أن تنهض العراق مما ألمَّ بها لتقوم بدورها فى المساهمة لنهضة الثقافة العربية فى السنوات القليلة القادمة، أن تكون بها أكبر دار أوبرا تليق بتاريخها الذى أهدى للعالم صروحًا موسيقية مثل إبراهيم الموصلى وإسحق الموصلى وزرياب، وأن يكون بها العديد من دور العرض المسرحى والسينمائى، وأن يكون في كلِّ ميدان من ميادينها سوق عكاظ جديد، وأن تُؤلفَ حكاياتٌ وأبياتٌ شعريةٌ جديدة على ضفاف دجلة والفرات، وأن تُقام صالونات الفكر والثقافة لكى تمتلئ المكتبات.
ليس غريبًا أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية فهى تستحق وتاريخها حافل بدعم الثقافة العربية، وفي الواقع نحن نحتاج فى هذا الوقت الحرج الذى تمرُّ به شعوبنا العربية أن تكون كلَّ العواصم العربية عاصمةً للثقافة العربية ليس في كلِّ عامٍ فقط، وإنما فى كلِّ شهرٍ بل فى كلِّ يومٍ، نحتاج إلى عواصم ثقافية عربية باستطاعتها تحمل حرية الفكر والتعبير والعقيدة وتزدهر في أرجائها مدارس فلسفية وفكرية مختلفة مثلما خرج فى الماضى المعتزلة من على منابر البصرة، نحتاج إلى عواصم ثقافية عربية لا تُهمش مثقفيها ولا تغيبهم أثناء كتابة تاريخ أوطانهم الحديث، نحتاج إلى عواصم ثقافية عربية تشيدُ فيها أثناء المهرجانات والاحتفاليات البُنى التحتية للمؤسسات الثقافية والفنية، نحتاج أن ندرأ خطرًا يزحف لتقويض هذه الثقافة ووأدها والوقوف بالمرصاد لنهضتها، ولن يتغلب على هذا الخطر الداهم إلا الاحتفاء بالثقافة العربية والعمل على نهضتها ليلاً ونهارًا حتى يرتدُّ هجوم التيارات المتشددة التى تريد العودة بها إلى الوراء إلى نحورهم، وتنطلق الثقافة العربية إلى آفاقٍ أرحب لأنها بالفعل هى القاطرة التى ستجرُّ البلدان العربية إلى مصاف الدول المتقدمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا