الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميّ أبو يعرب المرزوقي يستقيل من الحكومة المسقيلة ومن التأسيسي الأزرق!!

مصطفى القلعي

2013 / 3 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



أعترف أنّني لم أتمكّن من إدراك فلسفة أبي يعرب المرزوقي أبدا رغم محاولاتي المتكرّرة وفي مراحل مختلفة من حياتي. فخلال سنيّ الطلب الجامعيّ، حدّثنا أحد أساتذة كليّة الآداب بمنّوبة عن أبي يعرب. فآليت على نفسي قراءته. ذهبت إلى كليّة 9 أفريل واستعرت أطروحته الضخمة "منزلة الكلّيّ في الفلسفة العربيّة: قول في الأفلاطونيّة والحنيفيّة المحدثتين العربيّتين"، وشرعت في تصفّحها. غير أنّه كلّما أوغلت فيها كلّما عزّ عليّ فهمها. أعدت "الكلّيّ" واستعرت "مفهوم السببيّة عند الغزالي"، فما كان حظّي من فهمه أفضل من حظّ "الكلّيّ". فتركتهما آخر النّهار حزينا لقصوري عن إدراكهما. وقد عاتبت نفسي بعنف يومها؛ فكيف لم أفهم كتابين عربيّين حديثين؟ ولكنّني سلّيت نفسي بأنّ الرّجل فيلسوف راسخ القدم فيما أمّا أنا فما زلت طالبا مبتدئا في قسم الآداب العربيّة دون أن أتمكّن من إقصاء انطباع حصل لديّ من أنّ في ما قرأته تعمية وإبهام. ومنذئذ، صرت أتهيّب فلسفة أبي يعرب وكتبه.
لقائي الثاني بفلسفته كان سنة 2002 حين كنت أستاذا شابّا في النفيضة. فقد تعرّفت على صديق متفلسف مثقّف اسمه صلاح سعيد جمعتنا الكتابة والمحاضرات والنقاشات الفكريّة وأشياء أخرى جميلة أفتقد الكثير منها، اليوم. كان صلاح يعرف اشتغالي على الشعر ونقده. فجاءني يوما متأبّطا كتاب "في العلاقة بين الشعر المطلق والإعجاز القرآني" لأبي يعرب. شعرت بالغبطة وكان شعوري ذاك بالتعمية والإغماض قد تحرّك فيّ. شرعت في تصفّح الكتاب فوجدت الرّجل ينظّر لنظريّة التخميس الإسلاميّة قياسا على أركان الإسلام الخمسة والصلوات الخمس. ولم أجد أثرا للعنوان في المتن! فتركت الكتاب مكتئبا. وأعدته إلى صلاح سعيد صامتا خشية أن يتفطّن إلى إحساسي بالقصور أمام كتابات الفيلسوف المرزوقي.
أمّا لقاءاتي بشخص أبي يعرب فكانت في مناسبتين. المناسبة الأولى حين كنت طالبا جامعيّا، أعتقد سنة 1996 في ندوة نظّمتها جامعة تونس الأولى احتفالا بحوليّات الجامعة التونسيّة. وتدخّل أبو يعرب لمناقشة أحد المحاضرين في كليّة 9 أفريل. وقد تكلّم أبو يعرب طويلا. ورفض أن يتوقّف عن الكلام رغم توسّلات رئيس الجلسة. وحين أعيدت الكلمة إلى الأستاذ المحاضر المصريّ، قال، وهو في غاية الإحراج: "الحقيقة أنّي لم أفهم ما تريده منّي أستاذ أبا يعرب!"
والمناسبة الثانية التي لقيت فيها أبا يعرب كانت سنة 2002. كنت حينها أدرّس بالنفيضة وأنتقل إلى العاصمة تونس من حين لآخر لمواكبة الأنشطة الثقافيّة والفكريّة ومناقشات الأطروحات الجامعيّة في كليّة الآداب بمنّوبة. فعلمت أنّ لقاءً سينتظم بنزل وسط العاصمة لتقديم كتاب "الفتنة: جدليّة الدّين والسياسة في الإسلام المبكّر" للعلاّمة هشام جعيّط. حضرتُ المناسبة وكان أبو يعرب من بين الحاضرين. فأخذ الكلمة وناقش طويلا. فقاطعه هشام جعيّط بعد أن أصابه الضّجر، قائلا: "ما الذي تريد قوله بالضّبط؟ إنّك تقول الشيء ونقيضه!"
أثناء الحملة الانتخابيّة للتأسيسي أكتوبر 2011، شاهدت أبا يعرب سياسيّا نهضويّا خطيبا داعيا لحزبه مجادلا خصومه متهكّما عليهم أحيانا ضاحكا مضحكا. فتساءلت: ما الذي يحمل فيلسوفا على الولاء لحزب دينيّ يمارس السياسة؟ طرحت سؤالي وأنا أستحضر ابن رشد والفارابي وفوكو وبورديو. لكنّي حينها تذكّرت نظريّة التخميس التي بشّر بها أبو يعرب بديلا لنظريّة التثليث الأرسطيّة التي رأى فيها منحى دينيّا خادما للمسيحيّة. وتذكّرت أيضا كتابا آخر لأبي يعرب عسُر عليّ فهمه هو الآخر، وهو كتاب "وحدة الفكرين الدينيّ والفلسفيّ" الذي صدر سنة 2001. وكان قد لفتني في عنوانه أمران؛ الأوّل اعتباره الدين فكرا، والثاني تنظيره للوحدة بين الماديّ والغيبيّ. أمّا محتواه فشيء آخر كالعادة.
كما هبّت إلى ذاكرتي كتبٌ أخرى له شبيهة بالكتاب الذي كنت أتحدّث عنه مثل "إشكاليّة تجديد أصول الفقه" و "شرعيّة الحكم في عصر العولمة" و"الثورة القرآنيّة وأزمة التعليم الدينيّ" و"حريّة الضمير والمعتقد في القرآن والسنّة" و "صونا للفلسفة والدين" و "فلسفة الدين" و "الجليّ في التفسير". فقلت: لقد نجح أبو يعرب طيلة مساره الجامعيّ والفكريّ في تسريب الفقيه الأصوليّ فيه تحت جبّة الفيلسوف وهو من ساوى بين ابن خلدون وبين ابن تيميّة فيلسوف اللحية في كتابه "إصلاح العقل في الفلسفة العربية: من واقعية أرسطو وأفلاطون إلى إسمية ابن تيمية وابن خلدون" (1996)!
إنّ استقالة أبي يعرب اليوم من الحكومة المستقيلة ومن الكتلة الزرقاء ليست حزنا ثوريّا وإنّما هي حزن من أحزاننا على أنفسنا وعلى الثورة وعلى المثقّفين المتهافتين على موائد السّلطان. أنا لا أطمئنّ أبدا للمثقّف الموالي للسّلطة الذي أكل على موائد السّلطان. المثقّف مكانه دائما ضدّ السّلطة لأنّه ضمير الشعب. فحتى راشد الغنوشي جحد فائدته حين اعتبر أنّ رابطات "حماية الثورة" هي ضمير الثورة!
استقالة أبي يعرب إمّا أن تكون دليلا على أنّ النّهضة لم تفهم فلسفة أبي يعرب مثلي، وإمّا أنّ أبا يعرب لم يفهم خطّة النّهضة، وإمّا أنّه أدّى دوره في الخطّة بنجاح وعاد إلى قواعده فرحا مسرورا في انتظار طلعة أخرى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل