الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المصري .. والأزمة العميقة

محمد دوير

2013 / 3 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تحتاج الحركة اليسارية المصرية إلي وقفة حقيقية مع الذات ومواجهة جادة مع النفس .. ماذا تريد ؟ وإلي أي مصير تتجه ؟ وبعيدا عن الاعتقاد الوهمي بأننا نهوي جلد الذات والتهوين مما نحققه من انجازات علي الأرض لأن هذا ليس صحيحا علي الإطلاق، فنحن متهمون بسعينا إلي صناعة أمجاد وهمية منها علي سبيل المثال أن شعارات الثورة الأساسية هي شعارات يسارية وكأن هذا انجازا حقيقيا خططنا له ونود أن ننسبه ليسار غاب عن إدارة مسار الثورة المصرية التي تزداد جذوتها وترتفع شعلتها ونحن لم نزل ندور في فلك البحث عن الذات بلا تصور واقعي لهويتنا ومفهومنا عن أنفسنا.
ومنذ سنوات قليلة وأنا وغيري من الباحثين نتحدث عن أزمة يسار فقد البوصلة النظرية في قضايا هامة كشكل الدولة ودورها وماهية الحزب الثوري ودوره كطليعة ومهامه النضالية وكذا علاقة الحزب بالثورة والدولة والموقف من الطبقة الحاكمة ومفهومنا للديمقراطية ومؤسساتها ومستوياتها وكيف يمكن إدارة الاقتصاد ورؤيتنا لعلاقة الاشتراكية بالدين والظواهر الاجتماعية المتراكمة في المجتمع المصري. هذا الافتقار النظري لمنهجية علمية انعكس بالضرورة علي ضبابية الأفق وارتباك المسار سياسيا وتنظيميا وبرامجيا، مما أفرز حالة شديدة الوهن لليسار المصري في لحظة ثورية هامة من تاريخ الوطن، فدائما ما كنا نتحدث عن جدلية العلاقة بين الظرف الموضوعي غير الناضج لإنتاج حالة ثورية مصرية وبين العوامل الذاتية المعبأة بكوادر يسارية مؤهلة لاستثمار أي هبة شعبية تقوم بها الجماهير.اليوم.. تهب رياح الثورة وتكاد تقتلع الجميع، ولكنها أتت في ظل حالة غيبوبة يسارية تامة انشغلت فيها قيادات وزعامات وهيئات وأحزاب وائتلافات وحركات كلها يرفع راية الاشتراكية، انشغلت بدفن موتاها والنيل من خصومها في داخل الحركة اليسارية.
إن أزمة اليسار تزداد عمقا نظريا وعمليا، وكلما ازدادت حالة السيولة الثورية التي نحن بصددها الآن كلما تسارع معدل تعميق الأزمة. ولكن الأخطر من ذلك هو حالة اللاوعي اليساري بخطورة الأزمة وتأثيرها السلبي علي تحول اليسار المصري إلي مجرد متحف يرتاده هواة البحث العلمي لاستكمال فصول رسائلهم العلمية من أدبيات اليسار. وفي تقديري أننا إن لم نقم بغلق مصانع إنتاج الوهم اليساري و نكف عن استعذاب أحلام اليقظة ،لن نستطيع أن نقدم لشبابنا ومجتمعنا ومستقبلنا شيئا واقعيا ملموسا ومن ثم لن ننجح في عمل ، وأول تلك الأوهام المصنوعة أننا لسنا في أزمة، وهذا غير حقيقي بالمرة ، لأننا نعيش أزمة ذات وجوه ثلاثة ، أزمة وجود ، لها علاقة بهل الاشتراكية لا تزال صالحة للوجود ؟ وأزمة حدود ، ذات صلة بمدي تأثيرنا في الشارع السياسي والجماهير بما يتناسب مع طموحاتنا وبرامجنا المتناثرة في مكتباتنا الخاصة . وأزمة عدم الاعتراف بالأزمة ، وتلك متصلة أيضا بحالة الخوف التي تهيمن علي المريض إذا واجهه الطبيب بحقيقة مرضه فلا يريد أن يعرف وإذا عرف لا يريد أن يعترف ،أما إذا عرف أو اعترف فلا يذهب إلي حيث العلاج الحقيقي ويفضل أساليب السحر والشعوذة في استئصال موضع المرض أو تخفيف ألمه ، هكذا نفعل ، نقاوم الأزمة بإنكارها أو بتجاهلها أو بصنع حاجز أوهام يحصننا لبعض الوقت من تداعيتها كأن نرفع شعارات جوفاء لا معني لها ولا تأثير ، فيصبح الشعار هو الفعل ، وترويجه هو الممارسة السياسية .وللأسف هناك الكثير من القيادات والكوادر اليسارية التي أدمنت صناعة الوهم الذي يوحي بأننا قادرون ولكننا لا نفعل،ومؤثرون ولكننا نمنح الفرصة للآخرين ليتحركوا بجوارنا ، وهذه مدرسة قديمة في اليسار المصري، حيث كانت الجماعات والتنظيمات الشيوعية تتفاخر أمام بعضها البعض – وليس أمام أعداء الاشتراكية – بانجازاتها.
هكذا يتم تعميق الأزمة التي تقودنا من الوجود إلي العدم ، ومن الحدود واضحة المعالم إلي ضبابية سياسية ، ومن الاعتراف بالأزمة إلي التمويه علي أثارها المرضية ، وكأننا نؤجل حسمها للأجيال القادمة .لقد صار إنكار أننا في أزمة هو الحقيقة الوحيدة التي نتعبد في محرابها اليوم ، وتفرغنا بالكاد للدفاع عن تراجعنا وتنازلنا عن ثوابتنا بحجج فارغة ليس لها مضمون حقيقي، فقديما قال لينين " إذا اختل التنظيم انحرف الخط السياسي " وكم من تنظيم قد اختل هنا أو هناك ، فكان لزاما أن ينحرف الخط السياسي ولهذا حديث أخر، عن اليسار بين الثورة والدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدكتور محمد دوير المحترم
جان نصار ( 2013 / 3 / 16 - 16:56 )
ان ما طرحته يا دكتور محمد عن ازمة اليسار المصري ينطبق على كل اليسار العربي بشكل او بأخر مع بعض الاختلافات انما بالمجمل اليسار تكلس ونحن في ورطه .اعتقد ان العمل ثم العمل هو الطرق الاسلم للخروج من عنق الزجاجه وطلما ان هناك اناس من امثالك حريصين على هذه المبادىء فهناك امل كبير لنا جميعا.
تحياتي لقلمك وافكارك


2 - فعلا اليسار يعيش أزمة
رمضان عيسى ( 2013 / 3 / 16 - 20:38 )
فعلا اليسار يعيش أزمة ، أزمة تنظيم ن وأمة تفاعل ، وقد لمست هذه الأزمة منذ تفكك منظومة الدول الاشتراكية وتطبيق شعارات غورباتشوف في اعادة البناء .
منذ ذلك الحين بدات الأزمة تغزو الأحزاب الماركسية واليسارية ، صارت الأحزاب الماركسية - تجتر ذكرياتها - وصارت مهمتها المحافظة على الموجود من العناصر ، ولا مزيد ،، ولا أنصار . وهذا قمة الأزمة .وأصبحت البرامج حبر على ورق وغاب الطموح الثوري للتفاعل مع البرامج الثورية .
والآن ، ما العمل ؟ يجب على الأحزاب الماركسية أن لا تشارك فقط بالنصائح عن بعد مثل البابا وهو جالس في برجه العاجي ، بل أن تجمع الأنصار والمنتمين بشكل منظم وتنزل الى الساحة بشعاراتها وعملها لمنع الانحراف في المسيرة الثورية الحادثة ، وبالتالي تلفت الانتباه الى نوعية الطرح الواعي ، فلا بد لهذا من جذب أنصار جدد من الذين ليس لديهم منهجية ولكن لديهم نزوع ثوري بحاجة الى تنظيم .
المهمة صعبة وسط التزييف الشديد للمسار الثوري الحادث ، ولكن يجب العمل ، يجب العمل ، وبدون هذا ن الأزم ستزداد وستضاف الشعارات الاشتراكية الى الكتب والتاريخ .

اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا