الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنانة سامية بكري.. تحمل الوطن لوحات مسرحية

حنان بكير

2013 / 3 / 17
الادب والفن


تحمل الوطن صورا، وتراتيل، وحزنا معتقا، وتجول حيثما أتيح لها العبور لتطلق آهاتها. إنها المبدعة المسرحية والكاتبة، سامية بكري. تم تكريمها من قبل الهيئة العربية للمسرح في قطر. وتتمثل جميع الدول العربية في هذه الهيئة، وقد انعقدت الهيئة في دورتها السابقة في تونس ثم القاهرة ثم عمّان. حيث كان من المتوقع أن تعقد هذه السنة في بيروت، ولأسباب ربما أمنية، وفي اللحظات الأخيرة، تحوّلت الى الدوحة. شاهدت المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد التكريم، وضمّ اربعة من المبدعات كل واحدة منهن، تستحق دراسة وانحناءة لتجربتها الرائدة ليس في عالم المسرح فقط، بل في تجربتهم الحياتية، ومواجهة مجتمع ما زال يضع القيود والحدود في وجه المرأة.
وهذه محاولة لقراءة ما تختزنه الفنانة سامية بكري، معتمدة على مشاهدتي لها، فهي مقلّة في الكلام. وعازفة عن الأضواء. حين تحدثت الفنانات المكرّمات، بدون منشرحات ضاحكات من تجاربهن، ومن أحداث واجهنها في مسيرتهن! لكن سامية حملت معها وطنا مطعونا ومضيّعا، بعد أن أصبح غريب اللون واللسان والثقافة!
فهي التي ولدت بعد نكبة عام 1948، بسنوات قليلة، في مدينتها التاريخية عكا. فعايشت معاناة من بقوا في أرضهم، تلك التجربة التي ربما ما زالت مجهولة للكثيرين منّا. سامية، في مؤتمرها، حكت، فبكت، وأبكت من حولها. بكلماتها المختصرة، اختصرت ملحمة شعبها في الداخل..
طرحت الفنانة تساؤلها: من المحظوظ منّا.. الناس الذين بقوا، أم الذين رحلوا العام 1948؟ فاختصرت بذلك تراجيديا الذين اختاروا البقاء في أرضهم. فعاشوا عزلة مزدوجة. عزلة الوضع الذي طرأ على المكان، من تغيير ديمغرافي وثقافي ولغوي، إضافة الى معاناة وتضييق لحملهم على الرحيل. وعزلة عربية، ساهمت في حصارهم وانقطاعهم عن أهلهم وأحبّائهم. فقد شاهدت سامية جدّها يبكي و ينتظر بذلّ على بوّابة مندلبوم، لمشاهدة بناته اللواتي رمتهن أقدارهن في لبنان، وانقطعن عن العائلة لأكثر من ثلاثين سنة. وبكاء الأمّ لانقطاع اخبار أحبّائها. والجدة التي أدمنت البكاء حتى ذهب بنور عينيها.
وهذا التساؤل، يطرح إشكالية التعامل مع فلسطينيي الداخل. والنظر إليهم كجزء من المجتمع الجديد الذي فرض نفسه عليهم! وكانوا، دوما، في موقع شبهة بل وتهمة، فيما هم يتحرّقون شوقا للذين رحلوا. ومن حقنا ان نطرح تساؤلا آخر: هل كان على الناس الذين بقوا متجذرين بأرضهم، أن يصبحوا لاجئين حتى نعترف ونشهد أنهم ما زالوا أهلنا، وأن التغيير لم ينل من مشاعرهم وولائهم التاريخي؟ وهل تكون مكافأة صمودهم، الريبة والشك بصدق انتمائهم؟!
في مسرحيتها " الزاروب"، تجول سامية في زواريب عكا، تقف أمام البيوت التي خلت من أصحابها، تناجيها وتبكي غياب أصحابها. وقد حفظت عن ظهر قلب أسماء أصحاب تلك البيوت.
تجول في القرى التي تهدّمت بالكامل. التي ما زال أصحابها يزورونها، ويجلسون أمام الكنيسة. هي لم تعد كنيسة، لكنهم يصرون على أنها الكنيسة، ولمّا تزل كذلك. وأيضا المدرسة التي اختفت من الوجود، لكنها ما زالت بأعين الناس مدرسة بأساتذتها ورهبانها!

أجزم بأن زيارة بلد عربي بالنسبة لسامية، يثير فوضى مشاعرها، ويربك حواسّها، ويهزّها من أعماقها، وهي تواجه أناسا، يشاركونها اللغة والثقافة والمشاعر، والعاطفة، بعد ان كانوا حلما يراودها كلما جلست على صخرتها في بحر عكا، تنظر الى جبال لبنان وقد علاها الغبش وترسل مواويلها:" يا جبل اللي بعيد خلفك حبايبنا/ بتموج متل العيد وهمّك متعبنا".. ما أعرفه جيدا شوقها الجارح لزيارة لبنان.. والوقوف أمام صخرة الروشة. حتى تحوّلت الصخرة مزارا لي كلما ذهبت الى بيروت. أقف أمامها وأبلغها، السلاما.
حكت سامية عن الفرص التي ضيّعتها على مسارح عالمية. وكان السبب هو التناقض بين ما هو مطلوب منها، وبين انتمائها. فرص عديدة ضاعت.. والسبب لخصته بجملة مختصرة:" ماذا أفعل هذا قدري"!
حين دعيت سامية للعب مسرحيتها " الزاروب " في أوسلو، أدهشت الجمهور بأدائها الرائع وصوتها الحنون. وحين لعبت أجزاء منها باللغة الانكليزية، في نشاط ثقافي نرويجي، أبكت الجمهور النرويجي.. ما دفع شاعرا نرويجيا، كان عليه أن يقرأ شعرا، بعد المسرحية.. وقف الشاعر وقال: " آسف لن أستطيع قراءة شعري، وماذا يمكنني أن أقول بعد الابداع الذي قدمته هذه الفنانة"!
في كافة أعمالها المسرحية والكتابية، وقراءاتها الشعرية، يسيطر الهاجس الوطني على انتاجها. ذلك الهاجس الذي يذهب في تناغم مع الهاجس الاجتماعي، نلحظه في مسرحيتها " فاطمة" و " إمرأة أخرى". لإيمانها بعدم العزل بين البعدين الوطني والاجتماعي، وأن مجتمعا تظلم فيه المرأة، لا يمكنه مواجهة ظلم الاحتلال.
وائل بكري، ابنها، الموسيقار المبدع، يرافقها على البيانو، وقد وضع الموسيقى التصويرية ل" أرى ما أريد" وهي مستوحاة من أثير النص.
مسرح سامية، سهل ومتنقل. مجموعة صور ولوحات، للأماكن التي تذكرها في مسرحيتها. وثوبا فلسطينيا مطرزا ومنديلا أبيض متعدد الاستعمالات. وأحيانا يرافقها ابنها الموسيقار وائل بكري على البيانو.
يوم ودعتني سامية في أوسلو، قالت بتنهيدة حارّة: .. راجعة.. راح أرجع ل.... كررت تنهيدتها.. وسكتت. أدركت يومها، إنفطار قلبها، بين مكانها الذي يحاول الآخر تغريبها عنه، أو فرض الغربة على روحها، وبين إخوانها العرب الذين منحوها حبا وحنانا، لا تعرفه، في الوطن الذي يمعنون في سلخه عن جلدها.
يومها، كتبت لها: عودي يا حبيبتي سامية، عودي حيث يجب أن تكوني وأكون معك! عودي فأنت الشاهد الباقي على جذورنا وتاريخنا. وانت من يرعى تلك البيوت المهجورة التي خلت من أصحابها، وانت من يهدهد مواجعها، فبلّغيها سلام أصحابها..
عودي واحرسي السور الذي يفتقد خطواتك، ولا تزيديه هما وحزنا.. وصخرتك في بحر عكا، تحنّ الى مواويلك وتراتيلك.. عودي وانتظريني في مواسم السنونو!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال