الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الخطاب في المجتمعات الغير ديمقراطية و كيفية تحويل اليسار الى يمين.

بودريس درهمان

2013 / 3 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الغربيون استطاعوا تفكيك آليات الخطاب و بداخل أنظمتهم التداولية من الصعب على الدجالين و المحتالين أن يتستروا وراء خطابات هي ليست بخطاباتهم. بداخل النظام التداولي الغربي لكل كتلة سياسية خطاباتها و مفرداتها و معجمها الذي يميزها و الذي بواسطته تقدم تأويلا و قراءة للمعطيات و الحقائق، في حين بداخل النظام التداولي المغربي فكل المعاجم و المفردات و الأنظمة التأويلية هي واحدة تمتح من نفس النظام التأويلي، و هذه في حد ذاتها سمة من سمات المجتمعات الغير ديمقراطية؛ خصوصا و أن حتى النظام التأويلي الذي بناه اليسار المغربي منذ عهد الاستعمار إلى اليوم تمت عملية السيطرة عليه و تحويله إلى مجالات هي ليست مجالاته الأصلية... من منكم يصدق أن مصطلحات مثل الصراع، المجتمع، النضال، و غيرها تم افراغها من محتواها و تم الاستعانة بها للتدليل على أشياء أخرى هي ليست الاشياء المحددة في مجالها الأصلي. المسيطرون على هذه المصطلحات سيطروا عليها للاستدلال على مصطلحاتهم الأصلية التي هي التدافع، الأمة، الإيمان. في قرارة أنفسهم التدافع هو رديف للصراع الاجتماعي و السياسي، و الإيمان هو رديف للنضال، أما الأمة التي تعني دلاليا كل ما هو مسلم فإنهم حينما يستعملون هذا المصطلح الذي يعني دلاليا الرقعة الجغرافية الممتدة من جاكارتا باندونيسيا إلى الرباط بالمملكة المغربية و من أنقرة بتركيا إلى تامبوكتو بدولة مالي فإنهم يستعملون هذا اللفظ فقط من اجل دغدغة العواطف. هؤلاء الذين يدغدغون العواطف جاءت بهم رياح العولمة والنظام العالمي الجديد؛ لأن هذا النظام لم ينجح فقط في إزاحة إمبراطورية آلاتحاد السوفيتي بل نجح كذلك حتى في تحويل اليسار إلى يمين.
في كتابه ميتولوجيا تحدث رولان بارط عن تقنية تحويل اليسار الى يمين عن طريق فضح ما يسميه أسطورة اليسار، لأن هذا اليسار بفعل ممانعته الدائمة في ممارسة مهام الحكم السياسي كباقي المكونات السياسية الاخرى،يساهم من تلقاء ذاته في تحويل نفسه إلى أسطورة يعتقد في بطولاتها الاتباع و الرواد؛ أما الاخرون من السواد الاعظم فإنهم يفضلون الاعتقاد في الاسطورة اليمينية، لان الأسطورة اليسارية، مقارنة مع الأسطورة البرجوازية اليمينية، يقول رولان بارط، هي غير مهمة لأنها لا تستطيع اختراق الحياة اليومية عن طريق اختراق العلاقات العاطفية، و اختراق مجال الطبخ و حوارات التداولات اليومية التي من الممكن ان تدور حول المسرح، الموسيقى او التفكير في العدالة و الأخلاق. وحتى إذا ما حصل و اهتم اليسار بهاته الاشياء فان اهتمامه يكون اهتماما عارضا و بدون اي حس استراتيجي كما هو الامر عليه في أساطير اليمين البرجوازي. الأسطورة اليسارية يقول رولان بارط، هي أسطورة جافة وتحتاج كثيرا إلى سلطة التخريفaffabulation. سر هذا الجفاف يقول رولان بارط هو أن اليساري لا يمكن ان يحدد ذاته إلا اذا حددها في علاقته مع المضطهد و مع البروليتاري، أو المستعمر- بفتح الميم- و لا يمكنه ان يحددها أبدا كما هي في علاقتها مع باقي كل المواطنين من ابناء الشعب، وكل هؤلاء الثلاثة الذين يختارهم لتحديد ذاته كلامهم دائما فقير، مباشر ويتميز بالرتابة.
إحصائيا الأساطير القوية و المؤثرة هي دائما يمينية لأنها تحتاج إلى الكذب والثروات والى أشكال متعددة للمقايضة وترتكز على بلاغة. هذه البلاغة التي ترتكز عليها تعتمد على بعض التقنيات قام رولان بارط بتلخيص بعضها على الشكل التالي:
التلقيح: بواسطة التلقيح يتم تمنيع المخيال الجماعي عن طريق حقن جرعات قليلة من الشر المقبول. هذه الجرعات من الشر المقبول تجعل المواطنين يعتقدون أن عليهم تقبلها اذا ما ارادوا تفادي امكانية الانهيار المرعب.
تحريم التاريخ: الأسطورة اليمينية تفرغ دائما موضوعها من التاريخ لأن هذا الأخير هو دائما غير موجود بداخلها. هذا النوع من الافراغ من التاريخ يساعد الاسطورة اليمينية على التخلص من شيئ مزعج هو الحتمية التاريخية التي يقود اليها منطق تسلسل الأحداث.
الطوطولوجيا: الطوطولوجيا كما يعرفها المعجم هي تعريف الشيء بالشيء. بواسطة الطوطولوجيا يتم اغتيال مزدوج للعقل و لإمكانية بناء معرفة أو أي حوار ممكن. بفضل الطوطولوجيا يصبح الواقع الذي يعيشه المواطنون "هو هكذا لأنه هكذا و لا يمكن بتاتا حتى التفكير في تغييره". الطوطولوجيا تساهم في بناء مجتمع ميت و بدون أي حركة تذكر.
اللائية: اللائية هي حينما لا يقوى المواطن القيام باختيار سياسي واضح و يردد دائما في حواراته بأنه "ليس لا مع هذا و لا مع ذاك".
تكميم ما هو كيفي. بواسطة هذه التقنية تقوم الأسطورة اليمينية بإقصاء الذكاء حيث تجعل المواطن لا يهتم تماما بالكيفية و طرق الانجاز و يقتصر فقط على الكم: "شحال؟"
توضيح آليات بناء الخطاب هي من بين الطرق المهمة لمعرفة أشكال الإقناع و كيفية تدويخ عقول البشر و تزوير الحقائق. مجموعة من الدارسين اللغويين قاموا بتحديد التقنيات المستعملة لتدويخ البشر و التستر على الحقائق و قاموا بتحديدها في ثلاثة:
التمويه والتمثيل La simulation : المتكلم الذي يتقن التعبيرات المميزة لجماعة سياسية هي ليست نفس الجماعة التي ينتمي إليها يتعمد المتكلم استعمالها لكي يكشفها للآخرين، لكن بدون أن تكون القدرة لهؤلاء الاخرين معرفة هذه التعبيرات السياسية و تمييز بأنه لا تعنيه بتاتا.
القناع والتستر Le masquage:هي الآلية التي يلجأ إليها المتكلم حينما يختار مجموعة من البنيات اللغوية ومجموعة من المفردات المميزة لجماعة سياسية لكي يتستر وراء خطابها ويقنع المستمعين بأنه هو الأخر ينتمي إلى هذه الجماعة.
الانصهار والتواطؤ La connivence : حينما يقوم متكلم باستعمال مفردات بواسطتها يميزها خصمه بدون أن يعي بأنها تعنيه.
مجتمعات الخطابات و الحوارات اليومية الدائمة و مجتمعات الاشكال العقلية و المادية الملموسة لبناء الخطابات و الحوارات استطاعت بداخل هذه الحوارات بناء المجتمعات الحقيقية التي تعيش بداخلها؛ اما المجتمعات التي لم تستطع تحقيق بناء مثل هذه الحوارات و الخطابات، فإنها مجتمعات تقوم فقط بتكرار حوارات و خطابات ممثلي السلطة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس