الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمثال الغبي

خالد قنوت

2013 / 3 / 18
كتابات ساخرة


في الثانية من عمره, كان ابني يشاهد برنامج افتح يا سمسم و كان فيه مشهد تتحدث فيها بعض التماثيل تنتقل بعدها إلى الغناء. أثار هذا المشهد استغرابه حتى بدى عليه الخوف و بحكم أنه كان دائم السؤال إلى حد ما يثير حيرتي و حيرة والدته, حيث كانت كلمة ليش تبدأ قبل أن ننهي تفسيرنا للسؤال السابق, لكننا هذه المرة خفنا عليه لشدة انفعاله و لستغرابه فقد كان يصرخ: ليش التماثيل عم تحكي؟؟.
عانقته والدته محاولة أن تخفف من روعه, لكن عيناه لم تبتعد عن شاشة التلفزيون و قد أخذ جسمه الصغير بالارتعاش.
حاولت والدته أن تطفئ التلفزيون لكنه زاد من صراخه, لأنه يريد تفسيراً. أخذته إلى حضني و بدأت أتحدث معه بأن هذه عبارة عن أفلام كرتون و أن هذه التماثيل غير حقيقية و جلبت له بعض التماثيل الصغيرة لأقنعه بأنها لا يمكن أن تتحرك و تتحدث و لكن التماثيل التي يشاهدها في البرنامج هي فارغة و يضع الممثلون أيديهم لكي يحركوها. لم يقتنع كثيراً, لكن أكثر جملة كانت مقنعة بالنسبة له هي أن التماثيل غبية و لا يمكن لها أن تفكر و تتحدث أو تتحرك مثلنا, فأخذ يردد هذه الجملة: (هي التماثيل غبية و مافيها مخ لتفكر متلنا..).
كنا نسكن في مدينة جرمانا و كانت زيارة أهلي في قلب دمشق تعني رحلة من التعتير بسبب المواصلات حيث كانت الوسيلة الوحيدة هي مكرو جرمانا - باب توما ثم من باب توما إلى ساحة النجمة. بعد انتظار عقيم لقدوم ميكرو لا يتكدس فيه الركاب كما يكون عليه قطرميز المخلل, قررت أن أستخدم سيارة تكسي و هذا ما فعلته.
جلست بجانب السائق و جلست زوجتي في الخلف من ابني الصغير الذي بادر كعادته للوقوف في المنتصف ليتابع الطريق و ليتابع حركات السائق.
نظر إليه السائق و قال: (الله يسلم) شكرناه و بدأ السائق يتحدث مع ابني و كان ابني يجاوبه بعباراته الطفولية المحببة.
كان من الضروري مرورنا من ساحة الرئيس في جرمانا حيث كان يتوسط تلك الساحة تمثال نصفي للرئيس حافظ الأسد بهالة من الأضواء و بمنخاره الكبير و بعينيه الثابتتين الحادتين, كان يعلن كل الوقت أنه هنا و أنه يعرفنا جميعاً و أنه باق على صدورنا إلى الأبد. أنه يسمع همساتنا و يشاهد تحركاتنا و يعرف من أين نحن قادمون و إلى أين سنذهب. كانت ضخامة التمثال لا تتناسب مع شكل صاحبها و لكن انتصاب التمثال في منتصف الساحة بشكل لا يمت للفن المعماري أو للفن بشكل عام بأي صلة تجعل العابرين كأنهم عبيد في محراب تمثال بوذا أو أي آلهة إغريقية.
كان على سائق التاكسي أن يدور حول التمثال ليتخذ من طريق المطار مخرجاً له من الازدحام. تسمر نظر الصغير بالتمثال و تشبث بالمقعد الذي يمسك به ليظل واقفاً, لم يغب التمثال عن ناظريه و استدار رأسه مع دوران السيارة, فجأة صرخ الصغير:(هذا التمثال غبي و ما فيه عقل و ما بيفكر متلنا)
الصدمة التي اصابتني و زوجتي لم تسعفنا في الإطباق على فمه و انفاسه, شعرت بماء بارد ينزل على رأسي حتى وصل قدمي, قلت في نفسي: (راحت علينا و تشردنا).
لكن الصغير أعاد العبارة بصوت أعلى : (هذا التمثال غبي و مافي مخ), سارعت زوجتي و وضعت يدها على فمه جاهدة في اسكاته. من المضحك أني تذكرت أن أرفع ابني و أقول: (لمين هادا الولد يا شباب).
المنظر الأكثر هزلاً و الذي مازال يضحكني كلما تذكرت هذه الحادثة, أن سائق التاكسي أدار المذياع على آخر الصوت حتى لم نعد نسمع أي صوت آخر.
لقد بدى السائق مرتبكاً و خائفاً و أكثر حيرة مني و من زوجتي و لم يتحدث إلينا طوال رحلتنا إلى بيت أهلي في دمشق و لم ينظر إلي و أنا أعطيه النقود حيث طلبت منه أن يقف بعيداً عن المكان الذي كان من المفروض أن أصل إليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا