الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات ... في قراءة في كتاب: إغلاق عقل المسلم

حسين حامد

2013 / 3 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر



قبل أيام تناول الاخ والصديق العزيز الكاتب الكبير والغني عن التعريف الدكتور عبد الخالق حسين ، قراءة في كتاب صدر في عام 2011 للباحث والأكاديمي الأمريكي، الدكتور روبرت رالي بعنوان:(إغلاق عقل المسلم .Robert R. Reilly

يشرح فيه المؤلف وجهة نظره، من ان خللا أصاب عقل المسلم نتيجة لسلسلة من التطورات تأريخيا طرأت على الفكر الإسلامي نفسه وقادته للوصول إلى ما هو عليه اليوم كنتيجة حتمية لهذه العقلية. ويربط المؤلف الجريمة الارهابية التي وقعت في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 ، من قبل عدد من المسلمين الارهابيين كونها لم تكن بدوافع وأسباب اجتماعية مثل الفقرأو غير ذلك، وإنما لاعتقاده انها كانت كنتيجة لذلك الخلل الذي اصاب عقل المسلم.

ابتداءا، اننا نقف بشدة ضد الارهاب والارهابيين بكل اشكاله وصوره وتنظيماته ، فالارهاب لا يزال السبب وراء تعاسة الحياة التي يعيشها شعبنا، والتي عانت من مصائبها أيضا الكثير من شعوب العالم. وقد كتبنا الكثير من المقالات ضد الارهاب وجرائمه ، واعتبرنا أن مواجهته بحزم وضراوة، هي الوسيلة الوحيدة التي نستطيع بها دحره ووقف جرائمه التي يمارسها الارهابيون بإسم الدين.

أن استنتاجات الدكتور رايلي مؤلف الكتاب، في أن عقل المسلم أصابه خلل نتيجة لسلسلة من التطورات التأريخية التي طرأت على الفكر الإسلامي وقادته للوصول إلى ما هو عليه اليوم ، باعتقادنا استنتاجا يفتقر لدعم واسناد علمي . فضلا عن ما ينبغي على المؤلف من وضع تعريفا محددا وواضحا عن (الخلل) الذي وصف به اصابة عقل المسلم ؟
فلا ندري هل أن مؤلف الكتاب يرى ان الانسان المسلم يعاني من اختلال عقلي (كالجنون) مثلا بسبب حفنة من المجرمين الارهابيين الذين فعلوا ما فعلوه من جريمة منكرة وشجبها وادانها المسلمون قبل غيرهم في العالم ؟ أم ان الدكتور رايلي يعتقد أن عقل المسلم يعاني من (تلف) لخلايا عقل المسلم التي كانت سببا في اضعاف وظائف الدماغ الطبيعية وسلبته القدرة على العطاء والبناء والارتقاء الى مصاف الدول المتقدمة، فكان ذلك سببا في تأخره الاجتماعي والحضاري مثلا؟ وهل يعتقد المؤلف أن الخضوع للضغوط الفكرية - الاجتماعية نتيجة لتضارب الاراء الفلسفية في تلك الحقب المزدهرة وتفاعلاتها الفكرية يمكن أن تكون أسبابا (لمصيبة) كبرى تحل على العقل بحيث تحدث خللا فيه؟ وهل ان التجارب العلمية قد برهنت على ان مسألة اصابة العقل البشري بخلل ، يمكن أن يحدث لمجرد اعتناق الانسان لفكرا فلسفيا او تفاعل ذلك الانسان فكريا مع المبادئ اوالعقائد الفكرية والفلسفية ، لكي نطمأن من حقيقة ذلك علميا نعزوها فعلا الى (الخلل) الذي استنتجه الدكتور رالي عن عقل المسلم؟
باعتقادنا ، أن الاخ الدكتور عبد الخالق حسين كطبيب وقد ساهم بتقييم الكتاب ، كان بامكانه أن يتفضل بوضع تفسيرا (تعريفا) لهذا الخلل الذي اصاب عقل المسلم وتوضيح هذه الاشكالية ليتمكن القارئ من ادراك ما تعنيه تلك الفرضية الغريبة عن عقله؟!!.

فما الت اليه حياة المسلمين من تأخر وضياع، وذلك من بين أعظم معاناة كل مسلم، لو أن الدكتور رايلي، قد تكرم علينا بمصادرالبحوث والدراسات العلمية التي تثبت نتائج افتراضه، من اجل أن يصبح ممكنا على المسلم ان يدرك خطورة اؤلئك الفلاسفة والمفكرين الاسلاميين على حياتنا ، بعد ان اصبحوا سببا في (خراب ) عقولنا. ونعلم كيف أن ما وهبهم الخالق تعالى من (عبقرية) وبصيرة ثاقبة وقدرة استثنائية على خلق النظريات الفكرية والفلسفية ، كانت السبب في (اختلال) عقولنا هكذا، وانهم وحدهم من ساهم في اعاقتنا عن تحقيق النهضة المطلوبة التي نطمح لها كمسلمين، والإرتقاء بنا الى مستويات دول العالم المتمدن، لكان في ذلك برهانا يستحق العناء حقا، لا ان يفترض استنتاجا ضعيفا كذاك. كما واننا نتطلع الى رأي الاخ الدكتور عبد الخالق حسين بما يتعلق بطروحات المؤلف تلك وما لم نستطع نحن التوصل اليه.

فخلال المراحل والعهود التي تميزت باحتدام المماحكات الفكرية والفلسفية، وازدهرت فيها العلوم والمعارف والفلسفات واللغات والترجمة وكانت مصادرها (عقل المسلم نفسه) ، فنتوقع أن عقل الانسان المسلم كان خاضعا الى تأثيرات تلك التفاعلات الفكرية السائدة وتأثره بطروحات الفلاسفة الكبار في تنافس نظرياتهم الفلسفية حول العقيدة الاسلامية ، فحريا بالنتائج باعتقادنا ، أن تأتي على العكس. فالتأثير الكبير بين الاختلافات الفقهية والفلسفية المتوقدة بين علماء تلك الحقب ، من شأنها ان تزيد عقل المسلم حراكا وتفاعلا وتساهم في تغذيته وتزيده عمقا ووعيا ونضجا وابداعا في بيئته تلك، وتعمل على تحفيز المسلم على تطور عطاءاته لبناء مجتمعه الاسلامي و خدمة دينه بشكل أفضل ، لا أن تصيبه بالخلل!!

أن الاستنتاجات التي خرج بها المؤلف، والتي افتقرت الى الاثباتات العلمية ، وان كانت تتسم بالبراعة ، تمنحنا الحق لاعتبارها مجرد فهما نظريا يفتقر الى معرفة خصائص وطبيعة وحضارة المسلم كانسان شرقي ، ويمكن اعتبارها اتهاما مغرضا ضد شخصية المسلم وربما تثقيفا سلبيا ضد فكر المسلم والاسلام . فالمؤلف كانسان غربي ، يخضع في رؤيته الشخصية وتجربته الحياتية وفهمه من خلال ثقافته الغربية التي نشأ عليها واصبحت كمحصلة لثقافات البيئة الغربية والتي لا تمت بصلة لبيئة المسلم الشرقي والتي يمتلك من خلالها خصائص ومميزات وعوامل تعود لحضارته وبيئته وهي وحدها القادرة على ان تبني في ذاته روابطه العقلية والوجدانية من اهمها، مثلا ، عمق ايمانه ، وهي مسألة لا يستطيع ألانسان الغربي ادراك كنهها أبدا. فهل يستطع الانسان الغربي مثلا فهم أسباب الالتزام الصارم للمجتمعات الاسلامية المحافظة؟ والجواب حتما سيكون ، لا.. والسبب في عدم فهمه ذاك، هو نتيجة التنافر والتناقض بين حضارة المجتمعين والبيئتين . كذلك التباين بين مستوى الثقافات التي تقف كمانع من اجل تبادل التجارب والخبرات والخوض في خصوصيات قد لا يفهما الجانب المقابل فيتم استخدامها بالضد من المطلوب.

أن التجربة التي عشناها شخصيا في الغرب كمسلمين ولسنوات طويلة جدا، أوصلتنا لنتيجة قاطعة، هي ان العالم والمفكر والمثقف الغربي مهما بلغ من عبقرية ورؤية ثاقبة وثقافات هائلة عن الاسلام ، فأنه سيبقى غير قادر على استيعاب وفهم وادراك ابعاد حياة الانسان المسلم ، اللهم ، الا من أمضى من هؤلاء حياته في كنف حياة الاسلام والمسلمين وربما قد استطاع تعلم اللغة العربية وقرأ القران وتعلم الكثير عن التراث الاسلامي والمذاهب كافة. وبعكس ذلك، فان مسألة افتقار الانسان الغربي للمعرفة الكاملة والفهم الاعمق لحياة هذا الانسان المسلم من خلال قراءات للاحداث التأريخية ، يبقى قائما .

اذ ربما يستطيع الباحث الغربي من فهم السياسة واحداثها وتقلباتها في المحيط الاسلامي بسبب ان الغرب هو من تدخل في خصوصيات حياتنا، والغرب هو من صاغ وفرض علينا اسس حياتنا السياسية ، ولكن حينما يتحدث الغرب عن مسألة الدين الاسلامي، فانه ، يبقي بعيد عن الفهم الكامل لعمق الايمان وموقف وتعامل المسلم الحقيقي تجاهه، وتكون النتيجة ان الانسان الغربي يوجه الاتهام لعقل المسلم بالاختلال !!!

فالانطباعات المأخوذة من خلال القراءات النظرية وحدها ليست كافية لتمكين الانسان الغربي من فهم شمولي ودقيق لكي ينجح في وضع الاسس الذاتية والاجتماعية والنفسية لمجتمع معقد ومحافظ كالمجتمع الاسلامي ليضطلع في مهمة ذلك التقييم، ويبقى ما يكتبه في احيان كثيرة، مجرد (رأي) وهذا الرأي قابل للصحة والدحض. والدليل على ذلك ان الدكتور رالي، فشل في اقناعنا عن فهمه لماهية ذلك الخلل العقلي الذي طرأ على عقل المسلم وكان سببا في عدم نهضت، مع انه كان قادرا على تقديم عرضا جيدا عن تأريخ حقبة من حقب الاسلام المعروفة .

فان كان الدكتور رالي ، يعزوا ذلك الخلل العقلي، كنتيجة لتأثره وانطباعاته بحدث السلوك الارهابي حين قام الارهابيين بتنفيذ جريمة تفجيرات المركز التجاري في نيويورك في 9 سبتمبر 2001، فان ذلك الحدث ومن قام به من مجرمين، لا يمكن اعتباره مقياسا عاما لسلوك المليارات من المسلمين ممن يعيشون حياة سلام ووفاق سواءا في الغرب او في اوطانهم.

أسباب (الخلل) في عقولنا :

الدكتور رالي ، يتناسى ان من أهم أسباب تأخر المجتمعات العربية - الاسلامية هو خضعوعها الى سطوة الاجنبي لقرون طويلة والى الدرجة ان الاوطان العربية تم تقسيمها كغنائم من قبل الغزاة الاجانب ، ثم تهميشها واذلالها وسلب حرياتها وخيراتها. ثم وبعد ان قام الاجنبي بتأمين مصالحه في البلدان الاسلامية والعربية ، قام بوضع كلاب حراسته من الحكام المحليين للتسلط على رقاب تلك الشعوب ، فمضى هؤلاء الحكام الطغاة بنشر الظلم والاستبداد بما جعل تلك الشعوب تلجأ الى اعتناق الدين كوسيلة لخلاصها من الجور. كما واستغل حكام الانظمة الجائرة وبدعم من الدول الكبرى، عقائد فاسدة وبعيدة عن الاسلام وباسم الاسلام نفسه من اجل جعل الدين وسيلة لتغطية جرائمهم ، من اجل ان يحتمي هؤلاء المجرمون بالدين ويستخدمونه كسلاح ماض وكحامي لهم.

وهكذا وجد الانسان المسلم مفارقة كبيرة ومؤلمة في حياته تتلخص في توجهين :

ان الدولة الاسلامية التي يحكمها الطغاة المحليين ليس من صالحهم بناء المواطنة لشعبهم ولا يرغبون في اصلاح المجتمع وخلق روح المواطنة الصالحة . بينما في الجانب الاخر، انه على الرغم من ان المجتمع الغربي كان قادرا على تحقيق الديمقراطيات ودعم حقوق الانسان واطلاق الحريات السياسية والفكرية لشعوبه، فانه نفسه كان أيضا الداعم الاكبر للحكومات العربية الاسلامية أو غير الاسلامية ما دامت قمعية لشعوبها. فكيف يمكن للمجتمعات الاسلامية ان تنهض ؟
والاكثر غرابة ، ان الغرب الذي قام بتسليط الحكام العرب المسلمين على شعوبهم ، كان مدعوما دائما من قبل كتاب ومثقفين لا ذمم لهم ولا قيمة للاسلام في قلوبهم. ولكنهم يدعون اليسار والديمقراطية والحداثة وحقوق الانسان ، لكن في نفس الوقت ، نجدهم أيضا في مواقفهم يقفون ضد الاسلام ، ويحرضون على تفتيت الوحدة الاسلامية والادعاء ان اسباب تخلف تلك الشعوب الاسلامية هو عقم عقيدة الاسلام وتحجره وتناقض مبادئه مع روح العصر.

وختاما، أن الاسلام له اعداء كثيرون ، ولكن باعتقادنا ، أن مساهمة بعض المثقفين اليساريين العراقيين في وقوفهم ضد الاسلام ، وفي نفس الوقت ضد احزابهم السياسية بعد ان خرجوا من تلك الاحزاب، هم الاكثر اساءة للاسلام ولعقائدهم. والسؤال المحير هو لمن ينتمي هؤلاء المثقفون بالضبط؟.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي