الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطأ إستراتيجي في الثقافة العربية

محمد قرقوري

2013 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت الأمة العربية تعاقبا مريبا لأجيال من الجدب و التصحر الفكري الملقي بظلاله على الثقافة و الموروث الحضاري الذي إتسم بإنتاج الأكاذيب و السفاهات بحلة عربية متجددة تكاد تلفيها تنتقل كالعدوى السرطانية مستفحلة في كيان العروبة المثخن بجراح النكبة و الهزيمة . أبىت البشرية إلا أن تقف مشدوهة أمام حالة عزّ نظيرها و لم تجد لها مثيلا في قصة الحضارة عن حضارة كانت تكتب التاريخ فإذا بها قد إستحالت مزبلة للتاريخ و ألهبت قرائح المفكرين عن أسباب هذا الإنحطاط المعرفي الذي طبّع المسيرة الحضارية للأمة العربية زمن الثابت و المتحول فهل هو خطأ إستراتيجي في الثقافة و العقل المفكر ؟ أم أنها نظرية تطور حتمي للمسار الحضاري ؟ إن المتأمل للثقافة والمسلكيات الحضارية العربية و المحلل لأنماط تطورها و تفاعلها في سياق الحضارة الكونية الإنسانية يمكنه أن يسمها بسمتين متلازمتين قد تعجّلان بتقويض أسسها و بالتالي فإن ما يتجلى اليوم من مظاهر الإنهيار الذي هيمن على كافة المفاصل العربية ليس إلا نتيجة حتمية لسيطرة هذه المفاهيم في النسيج المعرفي العربي أما السمة الأولى فإن الثقافة العربية تقوم على مبدأ الإستئصال الذي يتجلى في كافة أركان الحياة حيث أن العربي بطبعه لا يستسيغ الآخر سواء كان رأيا مخالفا أو منهجا مغايرا لما أنف عليه و تكبله سلطة الموروث نحو رفض كل فكر مناهض و ثقافة مغايرة و لهذا السبب فإن الركود الفكري قد هيمن على دواليب الثقافة العربية التي لا تقبل الجدال و ساهم في حالة الإضمحلال التي تعيشها
و مبدأ الإستئصال نجده حاضرا و بقوة في مختلف شرائح المجتمع العربي بداية من الفرد الذي يعجز عن الإندماج في حضارة أخرى و تقبل أنماط فكرية مختلفة دون أن ينسلخ عن موروثه و ثقافته و وصولا للحاكم العربي الذي طبق مبدأ الإستئصال طيلة فترة حكمه فكان يخمد أي صوت لا يشاطر أهواءه و أفكاره و إذ أن الثقافة العربية لها من الغرور و التكبر ما يجعلها تأنف لغة الحوار و إحترام مبدأ الإختلاف فرأيها دوما يجانب الصواب و بذلك شهدت أجيالا من الإنعزال و التقوقع لا سيما إبان عصر النهضة الغربية
أما السمة الثانية التي طبّعت الثقافة العربية فهي حالة العجز و القصور الفكري عن عملية إنتاج الوعي حيث صارت الأمة في مرتبة المتقبّل للوعي المستورد المعلّب المزركش و صارت العولمة مطيّة تنفذ من خلالها الإرادات الدولية لفرض أجندة إمبريالية إستغلت حالة العجز العربي و تواطئ حكامهم لتنفيذ مآربها و هذا ما قد ينجرّنا للحديث عن دور مفترض لأصحاب القرار في صياغة فصول هذه الأزمة المعرفية و الحقيقة أن دورهم لا جدال فيه حيث ساهم هذا الزعيم أو ذاك في سياسة تجفيف منابع الوعي حتى بات الفرد بلا هوية بلا ضمير و بلا روح و بالتالي فإن الحركات الثورية التي هدفت إلى تحريره من قيود الظلام قد عادت عليه بالوبال لأن الشعوب لا تزال قاصرة عن الوعي بالأزمة . هي إذن أزمة وعي و أخلاق تتحمل وزرها كل الأطراف المتدخلة في النسيج الثقافي العربي بدءا من الفرد إلى الحاكم العربي إلى المثقف العربي الذي تنصّل من دوره و تنكر لمسؤوليته التاريخية في نشر الوعي
و قد إستغل الحكام العرب طيلة عقود من الجدب و التصحر ثغرة في العقل العربي لصالحهم فالثقافة باعتبارها تعيش حالة من العجز الفكري فهي تتّسم بالأحادية التي تعترف بوجود القائد الملهم الذي يلتف الجميع حوله و على هذا المنوال نصب هؤولاء أنفسهم أوصياء على الحضارة العربية فجروها نحو الهلاك و بئس المصير
إن السبيل لتصحي المسار الحضاري العربي و إنقاذ ما يمكن إنقاذه ليس بالمستحيل شرط توفر عوامل معدة لعل من أهمها الوعي بحتمية التغيير الذي لا يتجلى فقط في إسقاط أنظمة مهترئة عادة على العرب بالوبال بل يتجاوز ذلك إلى ثورة عارمة في العقول و طرائق التفكير ثورة فكرية تشارك فيها كل مكونات النسيج الفكري العربي المدعوة لتحمل مسؤولياتها التاريخية إزاء الثقافة للنهوض بالواقع العربي البائس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحل
كارلوس عماد ( 2013 / 3 / 20 - 04:45 )
الحل يكون بالعودة للإسلام و جذوره و التمسك بمآثر المسلمين الأولين و السلف الصالح حيث لا بديل عن دولة الإسلام الصحيح

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس