الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية ضحية جديدة للسلفية العقلية

باسل ديوب

2005 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن الوعي السلفي المفوت الذي واجهناه بدعوتنا إلى إحلال مفهوم التاريخانية في معرض البحث في الإسلاميات وقضايا التراث، واعتماد هذا الاتجاه في البحث لاستخلاص ترسيمات نظرية جديدة تحكم اتجاهات الاصلاح الديني، وتقديم هذا التراث من جديد بعد إخضاعه للمساءلة النقدية ومبضعها الحاد ، يستمد مجدداً ( الوعي السلفي ) رغم فواته المطلق قدرة على البقاء والاستمرار ، وذلك من تحدي وعي مفوت هو الآخر غير تاريخاني بالمرة أيضاً ، يعبر عنه جملة من الكتاب يطلقون على أنفسهم اسم الليبراليين الجدد
ويتقاطع معهم في هذا النهج و الطروحات الكثير من دعاة الديمقراطية والحداثة على عواهنها ، وهم بغض النظر عن مرورهم ذات يوم بمخاض فكري شمولي مناقض يتسربلون حتى الآن بأحادية مطلقة يقينية شعاراتية وجدت ضالتها في حزمة حقوق الانسان والديمقراطية المعلقة في الهواء و لا يقل فواتها المعرفي عن فوات السلفية بشقيها ( الديني والقوماوي ) بما هي اتجاه يعظم شان الماضي والتقليد ويتجنب إحداث أي قطيعة مع الماضي باعتباره مثال الحقيقة في انتقاص كلي لدور العقل في معرفة الحقيقة أمام الوحي والغيب ( النص الديني + القائد الملهم
إن سيرورة تطور المجتمعات العربية وسقوط التقليدوية الجديدة ( الناصرية والبعث ) المعبر عنها ببنية بطركية مستحدثة و هجينة من سلفية فكرية و لبوس حداثي زائف ، لم تقطع مطلقاً مع إرث العالم ما قبل البرجوازي بل كان دأبها انتقائياً أخذت فيه من ثقافة الغرب مالا تعتبره متناقضاً مع تقليدويتها ، وهو ما سنعبر عنه بمأساة الوعي القومي العربي ،الذي عجز عن تحديث المجتمع، وذلك لفقره المدقع للعقلنة بما تعنيه من علمانية تشد أرومات المجتمع الطائفية والدينية وتدمجها ، وديمقراطية برجوازية تشكل الشرط اللازم وغير الكافي لولوج الحداثة وتعشق القيم الكونية الإنسانية على صعيد التفكير و المأسسة .
لكن أين الليبراليون العرب الجدد من كل هذا ، وهل يختلفون عن أشقائهم التقليدويين من دينيين وقوماويين ؟؟
الليبرالية بما هي منظومة أفكار وقيم و مبادىء نشأت في الغرب في القرنين الـ 17 و 18 ، لا بد أن تخضع اليوم لمفهوم التاريخانية نفسه ، لفهمها و تبييئها وتمثلها جيداً لا اعتناقها والإيمان بها كما فعلنا مع الماركسية ذات الوعي الكوني الحداثي هي الأخرى .
هذه المنظومة الجديدة حاربت بها الطبقة البرجوازية الصاعدة والفتية ، أنظمة وقيم ومؤسسات الفكر القروسطي الاقطاعي والملكي المطلق ، إن الإيديولوجية الليبرالية هذه غيرت أوروبا سواء بتطور هادىء تدريجي ( بريطانيا ) او ثوري دموي ( فرنسا وشكلت أوروبا الحديثة فتبعاً لهذه الإيديولوجية انتظمت تلك المجتمعات في بنية جديدة حررت الفرد من الماورائيات و انعكاساتها الاستبدادية، وأطلقت العنان للعقل البشري المفرد في البحث والتفكير ، فلا سلطان إلا له وانعكس ذلك في كل البنى عبر صيرورة ناجزة مع الوقت من الأسرة و حتى الحكومة مروراً بالمدرسة والجامعة .
أصبحت العقلانية المنفصلة عن السماء وملحقاتها تشكل أرضية المجتمع والفكر الحديثين ، ولعل أفضل تعريف لليبرالية هو وضعها بالتضاد مع الفكر القروسطي الغيبي والاستبدادي المطلق .
الليبرالية أكدت على موضوعية الطبيعة والمادة ،ورفضت الوحي وما وراء الطبيعة قالت بحرية الفرد بمواجهة الاستبداد وكانت فردانيتها في نسختها الفرنسية إبان الثورة فاقعة جداً وجذابة ، بدأت بتحرير الجسد سخرت من فكرة الخطيئة، حاربت اللاهوت والكهنوت بلا هوادة ، ولا تزال العلمانية الفرنسية حتى اليوم متأثرة و مدموغة بالمزاج اليعقوبي .
هذا الشق الفكري والسياسي لليبرالية كان له وجه آخر اقتصادي حمل مع وصوله إلى نهاياته القصوى بذوراً جديدة .
إن تحطيم البنى الاقتصادية التقليدية والاستبداد الملكي المطلق، انتهى إلى صعود المشروع الفردي الاقتصادي وتحقيق متطلبات صعود الطبقة البرجوازية ، ثم ما لبثت مع الانتهاء من تحطيم الاقتصاد التقليدي والتوسع بالثورة الصناعية أن برزت تناقضات المجتمع البرجوازي بعد الإشباع الإنساني بمنجزات الليبرالية ،وفتوحاتها على صعيد الفرد والعقلانية والعلمانية وحرية المرأة وتوحيد العالم ووصلت عنق الزجاجة .

إن المشروع الاقتصادي الفردي الذي أطلق قوى الانتاج الكامنة أصبح بعد مدة أداة استغلال رهيبة ومولداً لمزيد من التفاوت الاجتماعي ،لا بل حاول المشروع الفردي أن يكبح جماح الحرية الليبرالية ،وحاول أن يركزها في حريته فحسب، عبر سيطرته على السلطة وقوته المالية المطلقة بمواجهة من لا يملك سوى قوة عمله ، فكان الصراع الحاد بين العمال وأرباب العمل ، مع مد وجزر في قوة القوى التقليدية الرجعية التي كثيراً ما تحالفت البرجوازية معها في وجه النقابات والقوى الماركسية الصاعدة ،
انتشرت النقابية بما فيها من حد لحريات الأفراد لمصلحة الجماعة، والدعوات الاجتماعية للحد من الاستخدام غير المتكافىء لمبادىء الليبرالية،
في خضم هذا الصراع تثبتت و تجذرت الحريات الفردية والسياسية ، وإذا كان المجتمع آنذاك قد استوعب وهضم المنجز الليبرالي فقد تولدت آفاق جديدة تابعت البناء على القاعدة الليبرالية المنجزة فانطلقت الدعوات الماركسية والاشتراكية عموماً لبناء تشكيل اجتماعي جديد ، إذن كانت ولا زالت الليبرالية ببعدها المعرفي –الحداثي قاسماً مشتركاً للمجتمعات الحديثة .
ولا يخفى اليوم أن الاشتراكية تحولت إلى قيمة كونية يعبر عنها بأشكال كثيرة ، ستالينية كما في كوريا الشمالية واشتراكية –ديمقراطية كما في السويد ومعظم أوروبا وبحدها الأدنى دولة الرعاية الاجتماعية ، ينقلب اليوم عليها الليبراليون الجدد والمحافظون ، وبشكل كاسح بعد هزيمة المعسكر الشرقي عبر العولمة المتوحشة وأدواتها الطاحنة للمفاهيم الاجتماعية التي انتصرت على الليبرالية المنفلتة من عقالها بعد صراع طويل ،ويشمل ذلك الانقلاب أيضاً الرصيد المرتفع من الحريات الفردية والجماعية المتحقق في الغرب .
عربياً :
وفدت الإيديولوجية الليبرالية مع ازدياد النفوذ الغربي الاقتصادي والسياسي والثقافي، فنشأت طبقة من الانتلجنتسيا العربية ، رأت في الفكر الليبرالي وسيلة لتحديث الفكر العربي ، لكن المحصلة النهائية كانت ضعيفة جداً ولم تتمكن البواكير الأولى لهؤلاء ومن تلاهم أن تصوغ ملمحاً حقيقياً لمدرسة فكرية ليبرالية عربية متجذرة،
فأسماء كفرانسيس مراش والطهطاوي والكواكبي والتونسي كان لها فضل الريادة و وحسب ومن تلاهم من رواد آخرين انتهوا إلى الفشل الذريع ، لأسباب عميقة أهمها ضعف البرجوازية العربية الشديد ، والسيطرة الاستعمارية وتخريبها لممكنات الصعود البرجوازي ، فكان تعايشهم مع السيطرة الاستعمارية متلازماً مع عجزهم عن قيادة النضال الوطني التحرري في معظم البلاد العربية لا كلها ، وحيث ساهموا في قيادة النضال التحرري كما في سورية انتهوا إلى عجز وفشل شديد ين : قومي ( نكبة فلسطين ) وداخلي شيوع الانقلابات والمسألة الفلاحية المزمنة،
مترافقاً ذلك مع صعود يساري هائل في العالم بعد الحرب الثانية كان مقتلاً لليبرالية العربية المتهتكة ، دون أن ننسى أن الماركسيات العربية وبالأخص المسفيتة منها استهدفت كل التعبيرات الليبرالية نقداً وتهديماً في الفراغ ،ودون أن تعي أن الماركسية كأيديولوجيا كونية متجاوزة لليبرالية تتمثل في نفس الوقت المنهج الليبرالي المعرفي، الذي يشكل اللبنة الأساسية في المعرفة الحديثة ، مما انتهى بها لأن تكون سلفية دوغمائية وغير منتجة معرفياً، وهذا ما يدفعنا للتساؤل بل الربط بين هزيمة وهامشية الليبرالية العربية والفقر المدقع (الدرويشي ) للماركسية العربية تاريخياً.
اليوم يقع الليبراليون الجدد في الخطأ القاتل كما الماركسيون ويقفزون فوق المنجز الليبرالي الغربي لتصفية حسابات ثأرية مرضية مع الماضي الشمولي لهم ولأنظمة القمع التي عاشوا في ظلها باعتبارهم نتاج أزمة ومظهراً من مظاهرها كنظرائهم السلفيين الدينيين ، والأسوأ هو تساوق دعواتهم مع وتسويقها لـ غزو خارجي يستهدف الوجود والمصالح العربية ، مع معارك دونكيشوتية يخوضونها مع السلفية الدينية الإسلامية تحديداً ،ومع الوجدان العفوي المصلحي للشعب بنزوعه للسيادة ورفض المشروع الأمريكي ، متناسين أن النكوص للسلفية هو نتاج ومظهر من مظاهر الأزمة لا سبب لها.
هذا التيار يدين لعمرو بن العاص بفضيلة القدرة الخارقة على التزييف والتضليل ونسف المنهج ، وبالتأكيد لن تكون أكاذيبه الحداثية الموعودة إلا كنظيرتها الاستعمارية الكولونيالية التي خبرتها الشعوب ولم تعد تنطلي عليها ،


لكن لماذا يتموضع التعبير الشعبي الرافض بقوة لهذه السيطرة النهابة في خنادق السلفية الجهادية ؟؟؟
على الليبراليين والماركسيين الإجابة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارات جوية عنيفة من الاحتلال على رفح في قطاع غزة


.. 6 شهداء وجرحى وصلوا مستشفى الكويت التخصصي برفح جراء قصف إسرا




.. الخارجية الأمريكية: لا ينبغي أن تكون هناك مساواة بين إسرائيل


.. وجوه جديدة تظهر في سدة الحكم أبرزها محمد مخبر النائبِ الأولِ




.. العلماء يكتشفون فيروسات نادرة عملاقة عمرها 1.5 مليار عام