الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطني مسرحاً أعطيك أمة !!

نورالدين محمد عثمان نورالدين

2013 / 3 / 21
الادب والفن


كان للمسرح السوداني تاريخ جميل ومشرف بالنسبة لدولة مستقلة حديثاً حينها ، ولكن للأسف الشديد ماتم كان بفعل فاعل ومع سبق الإصرار ، فالحكومات المتعاقبة ساهمت بشكل سافر في تدمير المسرح بتدخلها المباشر في توجيهه لصالح بقاءها ، فالمسرح كما هو معروف هو أبو الفنون وهو الفن الوحيد الذي يطرح قضايا المجتمع مباشر على خشبة المسرح وبتفاعل حقيقي بين الممثليين والحضور والفكرة المطروحة ، وكثيرا ما نقرأ شعار ( أعطني مسرحاً أعطيك أمة ) على خشبة المسرح ، فالمسرح يساهم في تكوين ثقافة الأمة ويساهم بشكل فعال في توجيه الرأي العام تجاه مطالبه ويساهم في تشكيل وعي الشعوب ، ولخطورة فن المسرح وتأثيره السريع على المجتمع نرى أن الدولة تتدخل لجعله تحت عباءتها ، وكما هو معروف فإن السودان منذ إستقلاله إلي يومنا هذا لم يمر بحكم متفق عليه ولم يكتب بعد دستور للدولة السودانية وكل الحكومات التي تعاقبت على السلطة كانت حكومات ذات منفعة ضيقة سعت لتمكين أفرادها ، ولا نفشي سراً إذا قلنا أن معظم الأسر الرأسمالية في السودان كان أساسها العمل السياسي وكان مؤسسها وزيراً أو سفيراً أو مستشاراً وإكتنزوا الذهب والفضة وتركوا الشعب السوداني في متاهة تكوين شخصيته وهويته حتى أضحى صراع الهوية من أبرز الإشكالات التي تسببت في تشظي الوطن وتفتته وهنا نقصد التفتت الداخلي على الرغم من الوحدة الظاهرية ولكن فعلياً السودان منفصل داخلياً ومتفتت إجتماعياً ومقسم على أساس عنصري ، بالإضافة للإنفصال الظاهر الذي تمثل في إنفصال جنوب السودان ويتمثل الآن في مطالب بعض أهل دارفور بالإنفصال ..

في تقديرنا أن عدم وجود حرية إبداع وحرية تعبير عن الذات تسبب في كبت هذا الإبداع ليظهر لنا في شكل تمرد ورفض داخلي للواقع ، وحينها يتراجع المبدع ليعبر عن ذاته من خلال مكونات شخصيته الثقافية بشكل عدائي للآخر دون وعي فيظل يمجد ثقافته المحلية ويحاول عكسها عبر المركز المسيطر وبهذا يبدأ التمرد الثقافي الحادث اليوم والذي نجد بينه وبين ثقافة المركز مساحات شاسعة من التباعد ، وكل هذا بسبب وجود سيطرة من قبل المركز على وسائل الإعلام وسيطرة على الإبداع وعدم وجود حرية تعبير عن الذات وبالتالي عن المجتمع ككل ، والمسرح لكونه أبو الفنون فهو الوحيد القادر علي تشكيل هذا الوعي وبالتالي تشكيل أمة متناسقة ثقافياً مما يساعد على وجود نوع من الديمقراطية وحرية التعبير والتي تنعكس مباشرة في وجود نظام سياسي مستقر ومتفق عليه يكون الصراع بداخله من خلال إختيار الأصلح وهي ماتعرف بالديمقراطية التعددية أو الحزبية التي يكون فيها الخيار للشعب ، ولا يكون هناك خيار للشعب في عدم وجود وعي لهذا الشعب ولا خيار للشعب في عدم وجود نظام سياسي يعبر عن كل مكونات الشعب ولا خيار للشعب في ظل سيطرة مركزية على كل مفاصل الدولة بما فيها الإعلام والصحافة وكل ضروب الإبداع ، بشكل لا يدع هناك أي تعبير خارج إرادة النظام الحاكم أو الحزب المسيطر وهذا بالضبط ماحدث للسودان منذ إستقلاله ، فكل حزب يأتي للسلطة يحاول تدشين صحافته الخاصة وإعلامه الخاص ويقوم تلميع مبدعيه ويحاول صناعة مسرح بما يتوافق والنظام السياسي ..

حقيقة نحن في حاجة ماسة لإطلاق العنان لحرية الإبداع ليعبر الجميع عن ذاته الثقافية لتتشكل أمة قوية من خلال تعددها الثقافي والذي هو متاح بشكل كبير في دولة مثل السودان ، وليس ببعيد علينا ما تفعله الدول المتقدمة لخلق نوع من هذا التعدد الثقافي لجعل المجتمع قوياً ومبدعاً وبالتالي منتجاً ، فالتعدد قوة وليس ضعف وتفكك كما يظن بعض قصيري النظر و أحادي التفكير من أصحاب الأيدلوجيات الرافضة للآخر بكل تفاصيله الثقافية واللغوية والدينية والبنيوية والعرقية ، والساحة الوحيدة القادرة على تشكيل وعي يرفض كل هذا السلوك هو المسرح ، ولن يكون هناك مسرحاً حقيقياً في ظل وجود أنظمة لا تري أكثر من إمتداد ظل مصالحها الشخصية الضيقة ، فالمسرح هو الوحيد القادر علي فضح عورتها ، وهذا بمثابة إلقاء حجر في بحيرة راكدة لن نجرؤ علي تحريكها في وجود أشباه المبدعين وبعض الممثليين الذين لا يستطيعون إخفاء إنفعالاتهم التمثيلية المفتعلة بشكل صارخ وهم من ولجوا هذه الساحة في الوقت الذي خرج منها أصحابها الحقيقيون ، واللبيب بالإشارة يفهم ..

ولكم ودي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال