الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع ويسكونسين كذبة كبيرة

اساف اديب

2005 / 4 / 8
الحركة العمالية والنقابية


وزيرا المالية والتشغيل نتانياهو واولمرت دشّنا مشروع ويسكونسين تحت شعار "الانتقال من مخصصات ضمان الدخل للعمل المضمون". ولكن النية الحقيقية هي القضاء على ما تبقى من "دولة الرفاه"، اذ ينص المشروع على نقل المسؤولية عن العاطلين عن العمل من الدولة الى شركات خاصة لا يهمها الا الربح، وهذا موطن الخطورة.
اساف اديب

عشرات آلاف العمال الذين يتدفقون على ابواب مكاتب العمل في الناصرة، الخضيرة، القدس وعسقلان، يواجهون ترتيبات جديدة تخلق فوضى وعدم وضوح. وينجم ذلك عن الاستعدادات لتنفيذ مشروع ويسكونسين ابتداء من تموز 2005، والذي سيطبق على عدد كبير من العرب من عرعرة، كفر قرع، باقة الغربية، الناصرة، عين ماهل والقدس الشرقية.

يعد مشروع ويسكونسين بمساعدة العاطلين عن العمل في الانخراط بسوق العمل، ولكنه في الواقع يبشر بكارثة اجتماعية. وزيرا المالية والتشغيل نتانياهو واولمرت دشّنا المشروع في اوائل شباط الماضي تحت شعار "الانتقال من مخصصات ضمان الدخل للعمل المضمون". ولكن النية الحقيقية هي القضاء على ما تبقى من "دولة الرفاه"، اذ ينص المشروع على نقل المسؤولية عن العاطلين عن العمل من الدولة الى شركات خاصة لا يهمها الا الربح، وهذا موطن الخطورة.



ما هي خطة ويسكونسين

ابتداء من تموز ستنتقل المسؤولية عن 14 الف عاطل عن العمل من مكاتب العمل الاربعة (3.500 شخص من كل مكتب)، الى مراكز تأهيل تابعة لاربع شركات خاصة. وستتولى هذه الشركات مسؤولية ايجاد اماكن عمل، او دفع المخصصات لمدة عامين محل التأمين الوطني.

وفي حال عدم تمكن العاطل عن العمل من الانخراط في العمل، فسيتوجب عليه التواجد في مراكز التأهيل 30-40 ساعة اسبوعيا (كما لو كان في وظيفة شبه كاملة)، للمشاركة في دورات التأهيل او العمل التطوعي لخدمة الجمهور. ويختلف هذا عن الوضع الحالي، الذي يلزمه فقط بالتسجيل في مكتب العمل مرة واحدة اسبوعيا.

للمشروع نقاط ضعف رئيسية، اولها: انه يفترض وجود اماكن العمل وان العاطلين عن العمل كسالى اعتادوا على البطالة. وعليه، فكل المطلوب هو العمل على اخراجهم من هذه الحالة، وتأهيلهم بشكل خاص لاكتساب عادات العمل من جديد. غير ان الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد لا يوفر اماكن عمل حقيقية، ما يكشف الاساس الكاذب للمشروع.

ثانيا، سيكون المطلوب من كل واحدة من الشركات الخاصة الاربع ايجاد اماكن عمل ثابتة ل35% من العاطلين عن العمل المسجلين فيها (نحو الف عامل)، والا ستُلزم بدفع غرامة للحكومة. ويعني هذا انه سيكون من مصلحة الشركة اما الاسراع في توجيه العاطل عن العمل الى اي مكان عمل، بغض النظر عن ظروف العمل، اجره ومدى ثباته؛ واما تعجيزه بهدف تسجيله "رافض عمل". (انظر يديعوت احرونوت، 11/2)

ثالثا، التأهيل: في المرحلة الاولى من الخطة ستخصص الدولة 80 مليون شيكل لبرنامج التأهيل لفترة العامين. ويخصص هذا 5700 شيكل لكل عاطل عن العمل، هي 237 شيكلا في الشهر. وهو مبلغ زهيد، بالكاد يكفي للقاء اسبوعي قصير واحد للعاطل عن العمل. وفي ظل غياب فرص العمل الحقيقية وقلة ساعات التأهيل، سيكون من الصعب تصور كيف سيقضي العامل الساعات الطوال في مراكز ويسكونسين. وفوق هذا، بامكان الشركة ان توفر هذه المبالغ ربحا صافيا لها اذا خرج العاطل عن العمل للعمل او سُجل "رافض عمل"، الامر الذي يعني انها ستفعل جهدها في الحالتين لضمان هذا الربح السهل.

ولا تزال هناك علامة استفهام حول مصير اولئك الذين تعذر عليهم ايجاد عمل بعد عامين من المشروع، واولئك الذين وجدوا عملا مؤقتا ثم عادوا للبطالة.



مكاتب عمل بلا لزوم

من زار مكاتب العمل في السنوات الاخيرة، وخاصة في التجمعات العربية، يعرف انها تحولت الى فضلة زائدة، خاصة بسبب ندرة اماكن العمل. وقد انحصر دور الموظفين، اليائسين وفاقدي الصبر، في تسجيل 230 الف عاطل عن العمل في اسرائيل، وتمرير التسجيل للتأمين الوطني ليقرر في استحقاقهم للمخصصات.

يصل عدد موظفي مكاتب العمل الى 1.100 موظف، يكلّفون الدولة 230 مليون شيكل سنويا، رغم الاجماع على ان دورهم لم يعد مجديا. مكتب العمل في القدس الشرقية مثلا يشغل خمسة موظفين يستقبلون 4300 عاطل عن العمل، ولكنهم لا يقترحون عليهم اكثر من 155 وظيفة شهريا. (احصائيات مكتب العمل بالقدس الشرقية، تقرير جمعية معًا كانون ثان 2005)

الخطة التي طُبقت اول مرة بولاية ويسكونسين الامريكية، تشير الى انها تكون مجدية فقط في حالات الازدهار الاقتصادي. ولكنها تراجعت عندما دخل الاقتصاد الاميركي الى ركود عام 2000، وارتفعت نسبة البطالة. الركود الاقتصادي في اسرائيل لا يبشر لذلك بنجاح الخطة، علما ان الحكومة لا تخلق اماكن عمل جديدة، فلا تغلق الاجواء تماما امام استيراد العمال الاجانب، ولا تحفّز المشغلين على استيعاب العمال المحليين، ولا توظف ميزانيات جادة للتأهيل المهني. وبدل كل هذا، تحمل العاطلين عن العمل مسؤولية بطالتهم، وتضعهم رهينة شركات خاصة كل همها الربح وتوفير المخصصات وحرمان العمال منها.



تحرك ضد الخطة

اصوات كثيرة خرجت ضد خطة ويسكونسين. المنظمات الاهلية المختلفة مثل "يديد" و"محويافوت" التي تعالج قضايا العاطلين عن العمل، اعلنت عن نيتها تشكيل طاقم لمتابعة تطبيق الخطة. وتجري اتصالات بينها وبين جمعية معًا النقابية، للتنسيق في مواجهة الخطر خاصة في الوسط العربي.

وسائل الاعلام الاسرائيلية منها "يديعوت احرونوت" (11/2) و"جيروسالم بوست"، انتقدت الخطة بشدة لاعتبارها رمزا لسياسة الخصخصة، كما كشفت عن اوجه الفساد والمصالح التي تدفع وزارتي المالية والتشغيل لتنفيذها. (راجع الاطار)

وتعبر الانتقادات اللاذعة والتشكيك والاتهامات بالفساد، عن التراجع في مصداقية السياسة الاقتصادية الامريكية التي يتبناها نتانياهو. كما تأتي على اساس ثماني سنوات من التجربة لدى النقابات والمنظمات الاجتماعية في العالم في التعامل مع هذه الخطة.



مصالح شخصية وتهم بالفساد

تطبيق خطة ويسكونسين الامريكية الاصل في اسرائيل، يأتي تتويجا لمداولات طويلة بدأت قبل اكثر من عشرة اعوام لمعالجة موضوع البطالة. الا ان الطبيعة الخطيرة للخطة ادت الى تأجيلها. ويبدو ان سياسة الخصخصة التي يصر عليها وزير المالية، بنيامين نتانياهو، بالاضافة الى علاقات وزير التجارة والصناعة والتشغيل، ايهود اولمرت، مع جهات امريكية ذات مصلحة مباشرة في تطبيق الخطة، ادت الى تعاون استثنائي بين الوزيرين المتنافسين على زعامة حزب الليكود.

كل الشركات التي رشحت نفسها لتفعيل المراكز، عبارة عن شراكة بين شركات قوى بشرية اسرائيلية واخرى اجنبية مجرّبة في تفعيل برنامج شبيه في بلادها. في النتيجة فازت الشركة الامريكية "ماكسيموس" بمنطقة عسقلان، وتولت الشركة البريطانية "A4E" منطقة القدس، اما الشركة الهولندية "اخنيس" فتسلمت منطقة الخضيرة والمثلث، واخيرا فازت شركة "كالدر" الهولندية ايضا بمنطقة الناصرة.

المشكلة ان ثلاث من الشركات الاربع التي فازت بالمناقصة، وهي "ماكسيموس"، "اخنيس" و"كالدر"، متورطة بالفساد في بلادها. تجاهل الوزير اولمرت لهذه الحقيقة لم يأت محض الصدفة.

تحقيق "يديعوت احرونوت" (11/2) كشف ان المستشار الرئيسي لوزارتي المالية والتشغيل اثناء تطبيق الخطة كان الامريكي جيسون ترنر. وقد وجهت لترنر عام 2000 تهما خطيرة بالفساد وتلقي الرشوى، وذلك في اطار سوء استخدامه لوظيفته كمشرف عام عن قسم الرفاه في مدينة نيويورك اثناء تطبيق خطة ويسكونسين هناك.

استمر ترنر في وظيفته عشرة اعوام، انخفض خلالها عدد القضايا التي عالجها القسم بنسبة 47%، وانخرط نحو 400 الف شخص في سوق العمل. غير ان المنظمات العمالية في نيويورك تعتبر هذا "النجاح" مثابة كارثة اجتماعية. فقد تبين ان العمال الجدد تحولوا في الواقع الى اشباه عبيد يعملون في ظروف عمل سيئة وباجور زهيدة.

التجربة الطويلة في تطبيق الخطة في امريكا وبريطانيا ودول اوروبية اخرى، تشير الى ان نقل المسؤوليات عن ايجاد اماكن عمل من الدولة الى شركات القوى البشرية الخاصة، يزيد تلقائيا معاناة العاطلين عن العمل الذين يجدون انفسهم عاجلا ام آجلا دون عمل ودون مخصصات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 8 شهداء من العاملين ضمن فرق تأمين المساعدات إثر غارة إسرائيل


.. الطلاب المؤيدون للفلسطينيين يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومب




.. عضو المجلس القومي للأجور: شكلنا لجنة لدراسة موقف القطاع الخا


.. كل يوم - رفع الحد الأدنى للأجور سيطبق إلزاميًا بدءًا من شهر




.. طلاب من جامعة هارفارد يواصلون اعتصامهم المفتوح احتجاجا على ا