الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نموذج ام عراقية (والدتي)

جواد الديوان

2013 / 3 / 22
سيرة ذاتية



تتغير مناطق سكنها في محافظة البصرة، من المعقل الى البصرة والجمهورية والمربد (الزبير) والتنومة (شط العرب) والموفقية والتحسينية الجديدة وغيرها. تنقلت ومعها اثاث بسيط ليسهل نقله رغم الزيادة في حجم العائلة مع السنوات، ولدها البكر ثم جمال رحمه الله (استشهد في قاطع كردمند ابان الحرب مع ايران) وشكري ورفاق وعلاء. وبنهاية عقابيل ازمة شباط الاسود 1963 يرزقها الله وليد ورعد.
وهبت العراق شهيدا، وان تنكرت لذلك حكومة وافدة شاركنا في انتخابها!. ووهبت العراق استاذا في الطب وخبير اعلانات ومدرسة وشيخ عشيرة وضابطا وطبيبا بيطريا. وعانت من نكران استشهاد جمال رحمه الله، وتنتظر عودته، قالوا لها ربما اسرته القوات الايرانية، ولم ينشروه باوامر اقسام وحدته او ترك القتال وهكذا. النكران يعني رفض نفسي لتصديق الحدث (الموت)، مؤلم للعائلة ككل. وعانت منه الكثير من الامهات في العراق ورفضن تصديق وفاة وغياب اولادهن! في مراحل تاريخ العراق الحديث اي الاعدامات في زمن المقبور الضرورة والحرب العراقية الايرانية وحرب تحرير الكويت ثم حرب اسقاط ديكتاتور العراق، واخيرا الحرب الاهلية في العراق بين المذاهب (القتل على الهوية وقطع الرؤوس ودفت جثث مجهولة الهوية وضحايا التفجيرات وغيرها). والتفجيرات تشوه الجثث وتغير معالمها ويصعب التعرف عليها وما تدفنه الدولة مجهولا للهوية.
تتحدث بعد عودتها من زيارة قبر جمال رحمه الله كيف اشعلت له شمعة واعواد البخور! وكيف اخبرته عن ابنته سجى! وكذلك ظلم الدهر وقسوة الاقرباء. وتفشل عندها كل محاولاتي لاخفاء الدموع، تشعر بذلك وينطلق صوتها الحنون تنعيه (بالعامية تنعي بتشديد العين). وبعد فترة، تخبرنا عن رجل يحدث قبرا بكل التفاصيل المستجدة بصوت عال، واخرى تخبر قبرا عن زواج ارملته، وتواسيه بالقول ان مكافاة ضرورة العراق وقتها تنفع اطفاله.
يرافقها والدي في زياراتها لقبر جمال رحمه الله، او ترافق عدة نساء للمقبرة. وبعد الشمع والبخور نقلت النسوة للقبور كيف تركت العوائل البصرة! وكم اصبح سعر البيك اب، وكيف عرقل القوات المسلحة مغادرتهن للبصرة. وربما همست النسوة للقبور بان الانتصار واستشهادهم لم يحفظ الكرامة للعوائل.
نزل والدي نقرة السلمان بعد شباط الاسود 1963 ، وفصلوا والدها من المؤانيء بقرارات قرقوش العصر رشيد مصلح (اعدموه في نهاية الستينات جاسوسا لاسرائيل). وعندها لعبت الوالدة العزيزة دور الاب والام معا. استخدمت ماكنة خياطة يدوية، وعملت عليها تسهر الليالي في خياطة ما طلبه الزبائن من الجيران وغيرهم. تسهر الليل رغم تعبها من مراجعات اللجان التحقيقية، وزيارة الوالد في سجن البصرة قبل نقله الى نقرة السلمان. تضع الماكنة على الارض ترتفع بعلو صندوقها، وتنثني عليها لساعات طوال، تدير عجلتها بيد وباليد الاخرى تمسك القماش.
تعالى المجد لا مال فيخزي
ولاملك يحلل بالحرام ِ
ولا نشب تهان الروح فيه
فتخضع للطغاة وللطغام ِ
من قرارات قرقوش في حكومة عبد السلام عارف، اخلاء الدور الحكومية، وغادرت العائلة المربد (الزبير) لتستقبلنا التنومة بتفاصيل حياة جديدة. عناية بالحيوانات، والزراعة وطقوس اخرى عند جني التمر وسقي الزرع. ولم تفارق ماكنة الخياطة الوالدة من اجل دشداشة او بيجاما يرتديها اولادها.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=245047
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128330
ومن مكافاة نهاية الخدمة للوالدة العزيز، وما لديها من مدخرات، شيدنا دارا في الموفقية، شرقيا اي الغرف تفتح على فسحة غير مسقفة (حوش)، يعبث بها المطر والتراب والبرد والحر. وكانت معظم الدور على هذه الشاكلة. والبناء في دار جدي لابي، فاثار اشكاليات عائلية وتخوف الاعمام من مسالة الميراث. وبعد عقد من السنين، وبقرض من العقاري كان لنا دار في التحسينية الجديدة (1975).
تعرضت البصرة للقصف المدفعي ابان الحرب العراقية الايرانية وتزداد شدته مع الايام، وغادرت الوالدة والعائلة للسماوة ثم بغداد. وعادت العوائل بنهاية الحرب العراقية الايرانية، فكانت حرب تحرير الكويت والانتفاظة والحصار. وبعد اسقاط المقبور الضرورة تشد الرحال الى بغداد لاشكاليات عشائرية وامنية.
معاناتها من اشكاليات ساسة ورجال دين تصوروا ان الله اهداهم لوحدهم!. وتقدم بها العمر لتعاني من جلطات متكررة بالدماغ. طريحة الفراش منذ فترة طويلة تحصل على عناية تمريضية رائعة من الوالد ورفاق وابناءها. تعرضت للخوف وللحوادث والنوائب مرارا، سجن الوالد وفصله مع والدها والتنقل بين المناطق واستشهاد ولدها واصابة الاخر بالحرب. اضافة الى تاثير هذا الكم من الحروب، يرافقه ترك ابنها البكر والاصغر للعراق ابان الحصار وانتصارات قائده المقبور. حوادث هزتها من الاعماق، وفضلها علي في تحسسته بقول الجواهري:
وليس رضيع ثديك بالمجاري
وليس ربيب حجرك بالمضام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سامحني
Almousawi A. S ( 2013 / 3 / 24 - 13:36 )

سيدى الفاضل ارجو ان تسامحني على هذة المداخلة
فقد عانت المرأة العراقية معانتين معاناتها ضمن المجتمع ومعاناة الرجل التي يظهرها غالبا في البيت اضافة الى معاناتها لفقدها احد اعمدة بيتها ولأقل اساس اعمدة بيتها وهو الابن او الاخ او الزوج المناضل من اجل حياة كريمة لشعبة دون فهم جيد للمرأة بهكذا دور مما يضاعف من قسوة الحياة على المرأة العراقية المكافحة في واقع نادر الاشارة الى جهدها المميز
احني قامتي لكل امرأة قاست من اجل حياة انسانية لائقة
http://www.qalatsuker.net/WOMEN/T%20A%208-3-12.html


2 - المرأة العراقية
جواد الديوان ( 2013 / 3 / 24 - 16:29 )
سيدي الموسوي ما تفضلتم به صحيح، ورواية احداث عن والدتي نموذجا لكل العراقيات. انحني للامهات العراقيات

اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا