الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البابا فرانسوا ومعضلتا الفقر والكساد الاقتصادي

يوسف نكادي

2013 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



لم يسبق أن حظيت عملية انتخاب بابا الكنيسة الكاثوليكية باهتمام جماهيري كبير وبتغطية إعلامية واسعة بمثل الأهمية التي حظيت بها عملية انتخاب البابا جورج ماريو برﯕوﯕليو (Jorge Mario Bergoglio) التي جرت مساء يوم الأربعاء 13 مارس الجاري.
ويعود هذا الاهتمام، في اعتقادنا، لسببين :
يتمثل السبب الأول في المفاجأة التي أحدثها البابا بنديكت السادس عشر (Benoît XVI) حين عبر يوم 11 فبراير عن نيته في الاستقالة من منصبه. ومضى قدما ليفي بهذا الوعيد يوم 28 من نفس الشهر. ومنذئذ ظلت جماهير العالم المسيحي ووسائل إعلامه تتابع تداعيات وتطورات هذه المبادرة التي قليلا ما حدثت في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
ويتمثل السبب الثاني في ظاهرة العودة القوية للدين على واجهة الأحداث في العالم المسيحي كما في العالم الإسلامي. وكأن مقولة "سيكون القرن الواحد والعشرين دينيا أو لن يكون"، التي تنسب خطأ للأديب والمفكر الفرنسي أندري مالرو (André Malraux)، أخذت تتحقق فعلا على أرض الواقع.
ففي العالم الإسلامي تقوت شوكة الحركات والتنظيمات الإسلامية، وتمكنت أحزاب ذات توجهات دينية من الوصول إلى دفة الحكم في بعض الأقطار حاملة شعار إحقاق رغبات مجتمعات هذه الأقطار في الحرية والعدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي العالم المسيحي سجلت المعتقدات نوعا من الصحوة. فقد تزايدت أعداد معتنقي الكاثوليكية في أقطار أمريكا اللاتينية. أما في أقطار أوربا، فعادت المعتقدات لتحتل موقعا خاصا في حياة الناس.
ويبدو أن تبني مبدأ اللائكية في بعض هذه الأقطار، مثل فرنسا، لم يفض إلى التجريد الكلي لسكانها من رواسب الدين التي تتجسد اليوم في ممارسة مباشرة للشعائر من قبل البعض، أو في تعاط قوي للروحانيات ولجوء للعرافات، ومساءلة الأبراج من قبل البعض الآخر. ولذلك أخذت بعض تجليات الفكر الديني تطفو على الواجهة في دول أوربا وأمريكا في ضوء الجدال الدائر حول قضيتي الإجهاض والزواج المثلي، رغم أن بعدهما الأخلاقي هو البعد المطروح للنقاش في المقام الأول.
ويبدو أن الظرفية الاقتصادية الصعبة والأوضاع الاجتماعية الآخذة في التأزم تساهم بدور فعال في إذكاء هذه الصحوة الدينية هنا والروحية هناك.
ويكفي أن نشير في هذا المقام بأن الأزمة الاقتصادية – المالية في اليونان وفي اسبانيا وفي ايطاليا جعلت العديد من الأفراد يفقدون مناصب شغلهم ليلتحقوا بصفوف من لا شغل لهم أصلا، فغدت كثير من الأسر تعيش على عتبة الفقر. ومثل هذا الوضع يدفع الناس إلى البحث عن مخارج. فيجد البعض المخرج في طلب الموت كما حدث في اسبانيا حين أضرم بعض الأشخاص النار في أجسادهم. وقد يجد البعض الآخر المخرج في ولوج عالم الروحانيات.
ومن هنا نفهم لماذا يطالب بعض رجال الدين في أوربا بأن يكون الرد "أخلاقيا" على الأزمة الراهنة التي تتخبط فيها أقطار الاتحاد الأوربي.

ومن المحتمل جدا أن يكون انتخاب البابا الأرجنتيني "القادم من أقصى العالم" قد تم في هذا السياق
فهو رجل دين ينتمي لمجال جغرافي تحظى فيه المؤسسات الدينية بمكانة متميزة. وهذا المجال يتزايد فيه عدد معتنقي الكاثوليكية يوما بعد يوم. وهو أيضا رجل دين عرف بالتواضع و بالاندماج التلقائي في الأوساط الشعبية. ولذلك لم يجد حرجا في مخاطبة الجماهير المحتشدة في ساحة كنيسة القديس بطرس، في انتظار نتيجة الاقتراع، بعبارة :"إخواني أخواتي مساء الخير..."، والاشتراك معها في ترديد جماعي لصلوات بسيطة يحفظها الجميع عن ظهر قلب. وقد عرف أيضا بمساعيه في محاربة الفقر ورعاية الفقراء في بلاده.
ومن هذا المنطلق اختار أن يحمل لقب "فرانسوا" تيمنا واقتداء برجل الدين فرانسوا الأسيزي (François d’Assise) المكنى بقديس الفقراء. الذي قضى معظم حياته بين سنتي 1181 م. و1226 م. في الدعوة لحب الله ومحبة الناس والخلائق والبساطة في العيش.
وينقل بعض متتبعي مسيرة البابا فرانسوا بأنه يحب البساطة ويمقت الأبهة. وقد حدث فعلا أنه امتنع عن ارتداء الزي الرسمي الذي يرتديه الباباوات، وظل مرتديا لزي الكرادلة. كما امتنع بعد انتخابه بابا عن ركوب السيارة الفارهة التي يمتطيها الباباوات وفضل امتطاء الحافلة رفقة باقي الكرادلة. كما أنه عاد صبيحة يوم الخميس بعد انتخابه إلى الفندق الذي أقام به عندما حل بروما لأخذ حقيبته وتأدية ما في ذمته عن الليلة التي قضاها بذلك الفندق. ورغم أن الموظف المكلف بالاستقبال أبى أن يتسلم منه المبلغ، فقد أصر على دفعه أمام استغراب الجميع.
ومهما يكن، فان الأمر يتعلق برسائل يريد البابا تبليغها لجماهير العالم المسيحي. تفيد برغبته في العودة بالبابوية إلى الأصول، أي إلى روح الدين المسيحي. كما تفيد برغبته في أن تقوم فترة ولايته على سياسة القرب والبساطة وترشيد النفقات.
ولن نكون مبالغين إذا قلنا بأن هذه الرسائل تختزل برنامجا خاصا سيسعى البابا فرانسوا لتحقيقه، وإلا سيكون اللقب الذي اختاره مجردا من أي دلالة.
ومن المؤكد أن البابوية تجد نفسها اليوم، بالنظر إلى اللحظة التاريخية التي جرت فيها عملية الانتخاب، ملزمة بالانخراط في الأحداث التي يشهدها العالم المسيحي، وتقديم اقتراحات بهدف حل المعضلات المطروحة، والتي قد يفضي تفاقمها إلى فوضى اجتماعية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
ورغم أن البابوية لا تملك في الواقع مفتاح حل هذه المعضلات، فإن الخطوات التي قد تقدم عليها سيكون لها، من دون شك، وقع على الجماهير التي لا زالت تتبنى قناعات دينية، وعلى بعض صناع القرار الذين يراعون تأثير البابوية والكنائس المحلية في دولهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح