الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تعتبر اوروبا مهد الحداثة ؟

ماجدة تامر

2005 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ما تزال أوروبا تعتبر بنظر المحللين مهد الحداثة وأصلها ، لأنها أوجدت توازنا بين قوتين لهما جذور مختلفة ، الأولى هي الرأسمالية والثانية هي الديموقراطية .

واكتسبت أوروبا المعاصرة ذلك بالخبرة والممارسة، إذ أنها رأت بأن الرأسمالية المجردة من الديموقراطية تجنح الى الفاشية وأن الديموقراطية المجردة من رأس المال لامعنى لها وتنزلق نحو المتاهة .

ولذلك والحالة هذه فإن أوروبا اليوم بحاجة الى دستور جديد يضع بعين الاعتبار اصلاح السياسات الاقتصادية المتنافرة ويضمن الأمن والدفاع الضرورين لايجاد سياسة خارجية مشتركة .

وباختصار فإن أوروبا ليست بحاجة فقط الى قوانين أوتوماتيكية تعنى بتوزيع الصلاحيات وتنظم علاقات السلطة مع الأفراد والمؤسسات ، وإنما هي بحاجة فعلا الى دستور جديد يعمل على إحياء الروح الجماعية في وطن كبير يتعرف فيه المواطنون على بعضهم البعض في ظل أجواء من الثقة و الديموقراطية الفعلية .

واستنادا إلى هذا السياق يمكن للأفراد أن يقرروا بناء حياة مشتركة وأما العقبات التي تواجههم فهي :

1- سياسية : إذ كيف يكون بإمكان الجميع أن يخضعوا لدستور واحد يجمع بين مختلف الأنظمة الملكية منها والجمهورية والبرلمانية الفيدرالية والدول ذات الحزب الواحد ؟

2- ثقافية : فكيف يمكن استخلاص نظرة شمولية مشتركة لمجتمع مثالي تتنوع فيه العادات والتقاليد والأذواق ؟

3- عقائدية : فكيف يمكن الاقرار بدستور أوروبي موحد في حين أن الشعوب الأوروبية تختلف حول مفاهيم السيادة والاستقلال والديموقراطية وبشكل يخشى فيه الوقوع في مآزق خارجة عن إرادتها ؟
ولكن يمكننا القول أن تذليل هذه الصعوبات ليس مستحيلا إن لم يسيطر التشائم على العقول . فلقد انبثقت من القوانين الدستورية الخاصة بكل دولة أوروبية مجموعة من المبادئ المختلفة التي تشكل إرثا دستوريا أوروبيا بإمتياز .

أولى هذه المبادئ هي الانتخابات الحرة التعددية .
صحيح أن مدة الحملات الانتخابية وطبيعتها مختلفة من بلد إلى آخر ، إلا أن مبدأ الانتخابات الديموقراطية للحكومات الأوروبية هو إجمالا واحد بصورة عامة .

النظام البرلماني أو النظام نصف الجمهوري كما هو الحال في بريطانيا وكذلك في البرتغال وفرنسا ، كما في ألمانيا وهنغاريا واليونان ورومانيا ، فإن القائمين على السلطة يتم انتخابهم مباشرة من قبل الشعب ، كما يتم تعيين رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية والمستشار ورئيس الحكومة .

وثاني هذه المبادئ هو احترام القوانين الأساسية ، أي أن الدستور المعتمد في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي يكرس نفس المفاهيم والحريات مثل حرية الرأي والتعبير وحرية الذهاب والاياب والملكية الفردية وكذلك حرية الصحافة والنقابات وترسيخ مفهوم كرامة الإنسان .

وتصان هذه الحريات من قبل قضاء دستوري يساهم في تجسيدها واحترامها .
إن هذين المبدأين لا يساهمان فقط في تشكيل قانون دستوري موحد ، بل انهما يمهدان لظهور الارث الدستوري الخاص بكل دولة من دول الاتحاد .

إرثا من القيم المتعددة التي تساعد على تآلف المواطنين الأوروبيين وتساعدهم على العيش معا في مناخ جديد في ظل هوية قومية وموحدة .

علما بأن الهويات القومية اليوم تمر بأزمات ، فصحيح أن السيادة تعني استقلال الأمة وعدم خضوعها الى سلطة خارجية وهي مؤشرات تساعد على دعم الدستور الجديد ولكن ذلك لايكفي .
إذ أن هناك بعض الأنظمة الاقتصادية العالمية وكذلك التيارات الثقافية التي تفرض قوانينها على الأمم ، بشكل يخشى فيه أن لايتمكن أحد من مواجهة تلك التحديات بسهولة .

فالإقليمية التي تعني احتكار صلاحية الدولة في مجال جغرافي ما ، تعتبر سلبية أيضا ، لأنه عندما يتطور الاقتصاد وفق هذا المجال فإنه ربما يتجاوز أراضي الدولة ويتجاهلها .

ومن هنا فإن نجاح الشكل الدستوري الجديد سيكون دون شك سلاحا فعالا في مواجهة الاقليميات المتعددة والتناقضات الحاصلة وإصلاح الخلل في البنى الأساسية التي ترتكز عليها أوروبا اليوم .

ومن الضروري والحالة هذه التغلب على جمود المؤسسات والعمل على الاختيار الدقيق بين الفيدرالية والكونفدرالية .

ونذكر هنا بأن الفيدرالية تعني إئتلاف دول تتحد ضمن قوة مركزية تكون بمثابة حكومة فوق الحكومات .

أما الكونفدرالية فهو إتفاق بين دول تحتفظ فيه كل دولة بسيادتها وتحل مسائلها العامة في مؤتمر جامع له صفة سياسية لاتشريعية كما هي الحالة الآن في سويسرا .

إن الدستور الأوروبي الجديد لن يجد جذوره في الدم و العرق و اللون والدين أو حتى في العادات والتقاليد ولكن ستكون جذوره هذه مستمدة من الإرادة الأوروبية القوية والقناعات المشتركة الواضحة لمجمل المبادئ الشاملة التي تتقاسمها اليوم الشعوب الأوروبية ، والتي تعنى في النهاية في التعاون و السلم والأمن ووحدة الشعور والمصير .

وبصورة أدق فإن الهوية الدستورية الجديدة لأوروبا لن تأتي من الفراغ وإنما من الهوية الإجتماعية الخاصة بكل دولة أوروبية وبناء على ذلك فإن فإن هذه الهوية هي تحصيل حاصل للإرث الدستوري في كل دولة أوروبية والذي يجمع الخصائص المادية الملموسة مع الخصائص المجردة الشاملة .

هذا الإرث سوف يكون بعيدا عن المعطيات الجامدة التي تمزق روابط التضامن بين الشعوب ، ويعتبر شرطا أساسيا في بناء هوية معاصرة تساهم في بناء وحدة أوروبية حقيقية تعمل على خدمة المصلحة العامة المشتركة وتواكب التطورات العالمية الراهنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم