الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال البوطي وخلط الأوراق

أكرم شلغين

2013 / 3 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بعد قراءتي، أمس واليوم، لتحليلات البعض حول مقتل الشيخ البوطي بت أعتقد أننا وصلنا لدرجة أصبحنا معها نجزم أن نظام الأسد مسؤول ليس فقط عما يحصل في سوريا بل إن مسؤوليته تتعدى ذلك كثيراً وقد أصبح يلام عن وافدة الكوليرا في هذا الجزء من العالم أو ذاك وعن الزلازل وعن كل ما فيه قتل وخراب ودمار في أماكن نائية من العالم وذلك لما نعرفه عنه من سوء ولأنه قل نظيره في العالم إن لم يكن قد انعدم (وكما يقولون جسمه لبّيس في السوء ويلبق به كل شي فيه الرذالة والنذالة والعهر والفحش وانعدام القيم والمعايير الأخلاقية والسلوكية التي تعرفها البشرية....). ولهذا يسهل أن نقول إن نظام الأسد اغتال الشيخ البوطي...ومثلما لا أستطيع الجزم بالمطلق بأنه لم يفعلها لا أسمح لنفسي في القول بأنه فعلها هذه المرة أيضاً وذلك لأن المعطيات والواقع يقولان غير ذلك...لقد قتل هذا النظام في الماضي الكثير من خدمه وحشمه (أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أبو القعقاع الذي كان يُعد ويشحن ويرسل المتطوعين من أماكن مختلفة للذهاب إلى العراق بعد الغزو الأمريكي...وفي نفس الوقت قال بشار الأسد لصحفيين أمريكيين ما فيه نقيض هذا الفعل تماماً حين صرح بأنه يحمي أرواح الجنود الأمريكيين في العراق....لقد قتل ـ بضم القاف ـ أبو القعقاع كي تموت معه أسراره...وبقي الأمر رسمياً طي الكتمان وبقيت هوية القاتل مجهولة...). وأيضاً نتذكر أن حوادث قتل عديدة حصلت في المنطقة وبقيت حتى اللحظة أحجية وتحتمل التأويلات والتفسيرات المتعددة أكتفي منها، وعلى سبيل المثال أيضاً، بذكر قتل إيلي حبيقة الذي تنقل في خدماته بين إسرائيل ومن ثم النظام السوري وتم تعيينه وزيراً بأوامر من نظام الأسد في لبنان...وعندما استدعي حبيقة للادلاء بشهادته في محكمة دولية الطابع حول جرائم الحرب في لبنان تم اغتياله عام 2002 ومات وماتت معه أسرار كثيرة وخطيرة عما عرفه في انتقال موالاته من إسرائيل إلى ولائه المطلق وخدمته للنظام السوري... وبالرغم من أن أصابع الاتهام تم توجيهها وقتها لإسرائيل إلا أن من قتله بقي "معلماً بارعاً" مجهول الهوية إذ أن حبيقه كان ينام على جبل من أسرار الحرب التي تدين أطراف عديدة تتمثل بمن والاهم وعمل لديهم في هذه الفترة أو تلك....
نعود للشيخ البوطي لنقول إن الفرق بينه وبين من قتلوا (بضم القاف) في السابق وبقي قتلهم أحجية ويحتمل التأويل كبير....فالبوطي كان مجرد رجل دين لا أكثر ولا أقل ولم يحمل السلاح ويذهب ولم يعبئ الناس أيديولوجيا في السر ليقوموا بتفجيرات ولم ولم...بالمختصر كان هذا الشيخ يقول ما يقوله في العلن وكان موقفه من النظام السوري وجرائمه واضحاً فهو لم يكن معادياً في يوم من الأيام لنظام الأسد بل كان دائم الدفاع عن النظام ودائم الانتقاد للطريقة التي تتم بها مقاومة نظام الأسد، كان البوطي يجتهد في إيجاد الشرعنة والتبرير الديني لما يقوم به نظام الأسد وبنفس الوقت رأى الأخير بما يقوم به البوطي الكثير مما يخدمه فهو المثال لرجل الدين ذو الشأن والصيت ويقف مبرراً للنظام ونهجه...وقد وصلت علاقة البوطي بالنظام أن الرأس السابق للنظام ميزه حتى بقضايا عائلية لدى آل الأسد حين طلب الشيخ البوطي بالتحديد ليقوم بمهام دينية خاصة في قضايا موت الأسد وابنه....إذن، وبتلخيص وتكثيف لم يكن لدى البوطي في علاقته بنظام الأسد ما يخفيه إذ انحصرت علاقته بالجانب الديني البحت حتى عندما كان يؤدلج لنظام الأسد...إلا أن الحراك في سوريا وموقف البوطي منه وضعاه بالمقابل (سواء أراد ذلك أم لم يرده!) في طرف العداء للحراك وهذا كان واضحاً وبدون لبس فقد عجت مواقع المعارضة بتشعباتها المعتدلة والمتطرفة بالعداء للبوطي ـ وللمفتي حسون ـ لأن مواقفهما بقيت ثابتة من النظام...(لقد رأينا الكثير من الرسوم التي تمثل جسد حمار برأس البوطي أو الحسون وعلى الحمار يمتطي بشار الأسد أو حسن نصر الله...على سبيل المثال؛ ولقد قرأنا كذلك في مرات لاتحصى الوعيد والتهديد للبوطي وللحسون...). لقد كانا هدفاً ومنذ البداية وقد قُتل ـ كما نتذكر جميعنا ـ ابن المفتي حسون إلا أن والده لم يوارب في كلامه حين قال ما قاله عند توجيهه إصبع الاتهام... الآن، بمقتل البوطي والطريقة التي تمت بها في داخل الجامع والعدد الكبير للذين قتلوا وجرحوا معه، نالت تلك الجريمة الإدانات الكثيرة ومن أطراف عديدة تعدت السوريين (إلى المنطقة العربية والعالم الإسلامي ـ على الصعيد الشعبي...) يريد البعض أن يخلط الأوراق حقاً فيجزم بالقول هذا النظام قد فعلها وله في السوابق...ولذلك لا بد من نظرة موضوعية للمسألة، ليس لنظام الأسد مصلحة بقتل البوطي على الإطلاق وكيفما قسناها، فقد كان وجود البوطي يخدم النظام كثيراً وحتى من الناحية الطائفية فنظام الأسد من مصلحته استمرار حياة البوطي والدفاع عنه والإفتاء والشرعنة له...!) وبالمقابل ـ وكما ذكرت أعلاه ـ هناك تحريض مستمر منذ بداية الحراك على التخلص من البوطي لأنه لا يغير موقفه من النظام (وهناك فيديو كليب يعود إلى بداية الحراك حين أحاط الكثيرون بالبوطي ورافقوه عند الخروج من الجامع بشكل أقرب إلى الهريبة من الجموع المتواجدة هناك وقتها...)، لقد أفتى أكثر من شيخ عربي معادين لنظام الأسد بقتل البوطي وهكذا فتاوي تعمل الكثير لدى من عانى من نظام الأسد ويعتقد بجواز التخلص من كل ما ومن شأنه خدمة نظام الإجرام في دمشق...في كل الأحوال، ليست المسألة بأن النظام ـ وكما يقول البعض الآن ـ يقتل القتيل ويمشي في جنازته (وهو في الواقع يفعل ذلك بكل مكر وخداع وتضليل..) بل إنها مسألة مصالح في هذه الحرب الدائرة فليس لنظام الأسد مصلحة بقتل البوطي ولم يكن البوطي يواقع تغيير رأيه فقد بدا ثابتاً في قناعاته (ربما كانت تلك بضرورات براغماتية وربما كانت راسخة!) حول آليات عمل المؤسسة الدينية في سوريا ولهذا ـ وكرأي شخصي ـ أستبعد أن يكون نظام الأسد قد قتل البوطي لأنه بحاجة إليه (بعكس أبو القعقاع وغيره بل إن مقتل أو تنحير غازي كنعان ـ الذي يستحضره البعض الآن كمثال على انعدام المحرمات والمعايير واللاحدود في القتل لدى الأسد ـ لايشبه بأي حال من الأحوال قتل البوطي...). بقي هناك نقطة جديرة بالتذكير، ليست معايير ثورية أن يتنصل أحد مما فعله ويلصقه بالغير...الثورات في العالم كانت تفعل ما تفعله وتعلن عنه...ولكننا في سوريا نواجه الأصعب والأقسة مما مرت به الشعوب الأخرى على مدى التاريخ...بل ويذهب بعضنا إلى القول بدون تحفظ إننا كشعب سوري الآن أمام وجهين لعملة واحدة نظام الأسد وتنويعات مقاومته، وهناك من يناقش ويسأل ـ وبحق ـ إذا كان الاختلاف في الرأي يعني القتل فإلى أين نسير وإلى أين تسير بنا سوريا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء الشرطة الهولندية على متظاهرين متضامنين مع فلسطين


.. الألعاب الأولمبية: تحقيق حول مدى التزام الحكومة الفرنسية بوع




.. شرطة مكافحة الشغب الهولندية تعتدي بالهراوات على متظاهرين مؤي


.. أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل




.. أون سيت - لقاء مع صبري فواز | الجمعة 26 أبريل 2024 | اللقاء