الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
انفجار الأزهر وحالة العنف فى مصر
أحمد محمد صالح
2005 / 4 / 9اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
فى مسرحية "حياة جاليليو" لبرنجت يقول اندريا لجاليليو: أنها دولة بائسة تلك التى تكون بدون أبطال ويرد علية جاليليو : كلا ، أنها دولة بائسة تلك التى تكون بحاجة إلى أبطال .ويعقب الفيلسوف جوليجا على تلك المحاورة قائلا أن الإنسان مضطر إلى أن يكون على خلق فى سلوكه ،ولكنها شقية تلك الدولة التى يتطلب السلوك الأخلاقى فيها بطولة .
لقد تذكرت تلك المقولة المشهورة ، وأنا أعيش تداعيات الانفجار الارهابى الذى حدث فى خان الخليلى بالقاهرة يوم الخميس ( 7 أبريل 2005 ) . والمعطيات التى يفرزها هذا الحادث عديدة ومتشائمة ، لأنه كارثة للأداء الحكومى كله فى مواجهة الإرهاب والأزمات ، وهو يرجع بمصر إلى مناخ عام 93 مرة أخرى حيث العنف وضرب السياحة وارزاق الناس ، فهو حادث غير مسبوق فى السياحة ، وهو يضرب مصالح الدولة ويظهرها كدولة عاجزة عن توفير الحماية للأجانب ، ويضرب السياحة والاستثمار فى مقتل ، ويفضح الاستقرار الكاذب ، وهو أيضا كارثة فى الأداء الإعلامى ،الذى تعامل معه على انه حادث عادى فنسمع وزير السياحة وهو يتلعثم فى إجاباته حول الحادث لفضائية الحرة ، أن هذا الحادث هو انعكاس وترجمة لطريقة حياتنا كلها من تسيب وتراخى فى الأداء ، ورغم الأخطار المحيطة بنا بالداخل والخارج وهى واضحة وضوح الشمس ، ألا أننا نعيش بطريقة الاطمئنان الكاذب مثل النعامة التى تضع رأسها فى الرمال ، ولا نأخذ بالأسباب التى تحقق الأمان الفعلى لحياتنا ، يجب أن نعترف أن الإرهاب موجود وأسبابه أصبحت متوطنة فى ارض الوطن ، ويجب أن نعترف أن المواجهة الأمنية غير كافية وحدها ،فرغم الضربات الأمنية المتتابعة لجماعات الإرهاب بأنواعها يبرز هذا الحادث ، لأن الخطاب الدينى الداعى والمغذى والمستثمر لمدخلات الإرهاب والفتنه هو المسيطر فى أجهزة الإعلام والثقافة والتعليم والدعوة ، لأسباب أهمها أن الدولة نغض الطرف وتسكت عنه وعن الدعم الخارجى من دول مجاورة يعرفها المصريين جيدا .
وسوف تظهر كالعادة أبواق الكتاب حلفاء السلطة فى الصحف وأجهزة الاعلام وتقدم التحليلات التى تحاول أن تبرر العنف الارهابى بأنه غريب عن مصر ودخيل على سلوكيات المصريين ، وهو نتيجة حوادث فردية واستغلال لظروف البطالة والأزمة الاقتصادية ، أو هو من أعمال البلطجة ، أو انعكاس لقيم الفردية والقبلية والتعصب ، والغلو فى الدين .
ونسينا جميعا أن العنف فى مصر منتشر فى كل مكان ، فى الشوارع والمدارس بل اصبح سلوك اسرى . والعنف تاريخيا ظاهرة بشرية وهو الاستخدام غير المشروع أو غير القانونى للقوة ، وهو عدوان على ملكية وحرية الآخرين ويهدف إلى الاستيلاء على السلطة واستغلالها فى تحقيق أهداف غير مشروعة ، والعنف بشع ومع ذلك فهو يستهوى الكثيرين لأنه يمكن القوى من إقامة علاقات نافعة مع الأضعف بدون تكلفة أو جهد ، ونفهم من الفلاسفة هيجل ونيتشة وسارتر أن العنف لا يقتصر على ممتلكات الشخص أو على أمنه الجسدى وإنما يمتد إلى كيانه ووجدانه ووجوده نفسه ، لذلك تعتبر جريمة القتل ليست هى اعلى درجات العنف لأنه تم فيها استئصال الهدف نفسه ، فالعنف له درجات أشنع من القتل منها الخوف والقهر حتى نصل إلى اعلى درجات العنف وهو التعذيب ، وهو ما عرضة بول سارتر عرضا ممتازا على المسرح .
لذلك من السهولة والسطحية أن ندين العنف الإرهابى كأنما هو ظاهرة دخيلة على المصرى ، فى حين هو فى الواقع دائما مصاحب له فى حياته اليومية منذ آلاف السنين ، حيث سادت الإجراءات الفوقية على آلية العملية السياسية والاجتماعية طوال تاريخ مصر ، بل اصبح العنف الآن ملازم للمصرى فى حياته اليومية وفى كل موقع ،خاصة بعد أن تخلت الدولة عن معظم أدوارها، وزاد التنافس والصراع على لقمة العيش فى مجتمع الزحمة والفقر والعشوائيات والفساد ِ، ولعلنا نلاحظ بين كل فترة وأخرى ما تكشف عنه قوات الأمن عن ترسانات من الأسلحة أخرها ما حدث فى النخيله بصعيد مصر و التى عرضها التليفزيون ، فهى حرب على المجتمع ، ويزيد على ذلك كميات الأسلحة اليدوية المتنوعة التى يحملها البلطجية والغوغاء فى الشوارع ، لدرجة أن مظاهر التسليح منتشرة الآن فى ملابس الرجال الذين تقابلهم بين الحين والحين ،ومنتشرة فى الشارع المصرى ، حتى بين تلاميذ المدارس . و الأمن منتشر حول المؤسسات المختلفة ، وأنت داخل وخارج منها يستوقفك ،وإذا صادفك أتوبيس سياح تجد خلفه وأمامه أمن مركزى ، وفى شوارع المدن الملتهبة كأسيوط والمنيا تجد الأمن فى كل ناصية حتى فى القطار و على محطاته ، وتجد عربات الأمن المركزى حول الجامعات ، ومن يرفع عليك السلاح ، فالشوارع الآن مليئة بالمظاهر المسلحة ، والعنف وصل إلى اللافتات فى الشوراع والملصقات على الحوائط ، فهذة لافته تقول الإسلام يزيح الغمة فاختار الإسلام ، كأننا نحن كفرة ويعرضون علينا الإسلام لأول مرة ، وأخر مازال يضحك على الغافلين ويقول الإسلام هو الحل ، و من يصر على صورته وهو ملتحى ويدعو للعلاج بالقرآن ، وتحمل وسائل المواصلات شعارات الوطنى التى تبشر بالاستقرار والرخاء ، وتنظر إلى الأتوبيس وهو يكاد ينفجر بأجساد البشر، وتتساءل كيف يكون الاستقرار والرخاء ؟ والناس فى وادى آخر فى همهم اليومى لسد حاجاتهم المعيشية ، ولا يشعرون بحالة مصر المضطربة ، وهم فى توهان يومى وغسيل أعلامى .
والمصريون الآن يلعبون بالسلاح ، وكل واحد بسلاحه المختلف يهدد الآخر ، فمنا من يلعب بسلاح الدين ، ومنا من يلعب فى السوق ، وأخر فى الأعلام ، وآخرون فى الفكر والفن ، كلنا نشهر السلاح فى وجه الوطن ، وكلنا ضحايا ومجرمين ، وكم نحتاج جميعا إلى وضع السلاح جانبا ونبدأ عقد اجتماعى جديد ، ونواجه قائمة مشاكلنا الطويلة من إسكان وبطالة وتعليم وإنتاج واستثمار و انفجار سكانى و تلوث وعشوائيات وفساد .....الخ ، فليتقدم العلمانى ، والإسلامى، والتنويرى ، والإظلامى ، والمقفول ، والمفتوح ، والالتحاقى ، والاستغلالى ، والاستقلالى ، واليسارى ، واليمينى ، والوسطى ، والوطنى ، والأنعتاقى والمسعود ، والمتفرنج ، والمتأسلم ، والشيوعى ، والرأسمالى ، والمصرى ، المخلص، فليتقدم الجميع ليسوا شاهرين السلاح ، بل موظفين أفكارهم لخدمة وحل مشاكل مصر ، وسوف تقبل الأغلبية الصامتة الحلول المناسبة حتى إذا جاءت من الظلامى والاستغلالى ، ولكن على الجميع أن يخلصوا نية العمل ولا يهدروا الوقت والجهد والمال فى معارك ليس لها مردود ، أو فى الأغانى بحب وهمى لمصر، ويجب ألا يعتقد كل فريق انه يملك الحقيقة المطلقة ، المهم توظيف أفكارنا المتفرقة فى خدمة مشاكل وقضايا الوطن.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم