الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الاتحاد الديمقراطي وسيطرته على المناطق الكوردية

حسين عمر

2013 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


عن الاتحاد الديمقراطي وسيطرته على المناطق الكوردية
تأسّس حزب الاتحاد الديمقراطي (عام 2003) من كوادر وأعضاء ومناصري الجناح السياسي لحزب العمال الكوردستاني من الكورد السوريين وبقرارٍ من العمال الكوردستاني نفسه وذلك أخذاً لخصوصية كلّ جزء من أجزاء كوردستان بعين الاعتبار حسبما ذهب إليه الحزب الأمّ مع التمسّك بفكر وفلسفة زعيمه والقبول به، بوصفه قائد اتحاد المنظومات الكوردستانية، قائداً له، كما يعتبر الحزب نفسه منضماً إلى منظومة المجتمع الكوردي في غربي كوردستان KCK-Rojava واتّخذ لنفسه هدفاً مشوباً بالغموض والتداخل صاغه كالتالي: « حلّ القضية الكردية على أساس التحوّل الديمقراطي في سوريا وتنظيم المجتمع في غرب كردستان على أساس كونفدرالي ديمقراطي، والنضال من أجل تمتين الأخوة بين الشعوب والأثنيات في إطار الاتحاد الحرّ. دعم ومساندة النضال التحرري الديمقراطي في جميع أجزاء كردستان، وحل مسألة الوحدة الوطنية الكردستانية على مبدأ الكونفدرالية الديمقراطية، دون المساس بالحدود السياسية. العمل من أجل تحقيق اتحاد شرق أوسطي كونفدرالي ديمقراطي، والتوجه قدماً نحو بناء المجتمع الأيكولوجي الديمقراطي التحرري الجنسوي، كجزء من البشرية التقدمية والاشتراكية الديمقراطية.». ولكن اللافت أنّ تلك الخطوة لم تأتِ إلا بعد إخراج نظام الأسد الأب زعيم العمال أوجلان من سوريا ومن ثمّ اختطافه من قبل الاستخبارات التركية في كينيا والحكم عليه بالسجن المؤبّد، وبعد التحسّن الكبير في العلاقات بين تركيا الخصم اللدود للعمال وسوريا الحليف الرئيسي والوثيق له. كما كان لافتاً أنّ الحزب لم يَسِم نفسه، في تسميته، لا بالكوردي ولا بالكوردستاني كما لم يُقرن اسمه بسوريا وكأنّه أراد بذلك اجتناب الجدل حول كوردية مناطق التواجد الكوردي من كوردستانيتها وكذلك حول سورية الحزب من تواجده فيها. وكان قد تمّ، على غراره، تشكيل حزبين متفرّعين عن العمال الكوردستاني في كلّ من شرق كوردستان (إيران) وجنوبها (العراق). في حين بقيت الكوادر والعناصر العسكرية من الكورد السوريين في جسم الهيكلية العسكرية للكوردستاني وتبوّأ بعضهم مواقع قيادية رفيعة، وظلّ التداخل والتشابك في الجسم التنظيمي حاضرين لجهة وجود عناصر من غير الكورد السوريين على صلة بشؤون الحزب وإدارته في بعض الجوانب.
تعرّض الحزب الوليد إلى ضغوطٍ أمنية على خلفية التحسّن المضطّرد للعلاقات التركية – السورية وبلغت تلك الضغوط ذروتها في أعقاب انتفاضة 12 مارس 2004 الكوردية إذ اتّهمته السلطات بلعب دورٍ تحريضيٍّ فيها على الرغم من أنّه كان طرفاً في الصيغة الهلامية التي تشكّلت آنذاك تحت مسمّى مجموع الأحزاب الكوردية والتي لعبت دوراً كبيراً في التأثير على الشارع الكوردي ودفعه نحو إخماد الانتفاضة.
ظلّت علاقة الحزب بالنظام متوتّرة بتناسبٍ طردي مع تحسّن علاقات الأخير مع تركيا وتعرّض العديد من كوادره للاعتقال والتعذيب وتمّ تسليم بعض أعضاء العمال الكوردستاني المتواجدين في سوريا ممن يحملون جنسية تركيا إلى سلطاتها. كما حدثت، في مناسبات عديدة، مواجهات بين قوات النظام وأنصاره العُزّل أدّت إلى استشهاد عددٍ منهم.
مع بداية انطلاق الثورة السورية، ودخول تركيا المباشر على خطّ الأحداث فيها، واجه الحزب اختبار استقلاليته عن حزب العمال الكوردستاني، الاختبار الذي أظهر بأنّه، على المستوى الاستراتيجي، ينطلق من منطلق الحزب الأمّ الذي يعتبر تركيا العدوّ الرئيس وينسج مواقفه السياسية ويتّخذ خطواته العملية على هذه القاعدة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أمرٍ هامٍّ قد يفسِّر المنحى السياسي العامّ الذي اتّخذه الحزب ألا وهو أن سوء العلاقة مع سوريا لم يكن العمال الكوردستاني طرفاً راغباً فيه وإنّما كان قراراً سورياً أحادي الجانب اتّخذته القيادة السورية رضوخاً للضغوط التركية بينما ظلّ الحزب راغباً في استعادة تلك العلاقة المتميزة مع سوريا لقناعته بحاجته الماسّة إليها في صراعه مع الدولة التركية. لقد امتنع الحزب عن المشاركة في الحراك السلمي الشبابي الكوردي في المناطق الكوردية وفي مناطق التواجد الكوردي المكثّف ومارس ضغوطاً بأساليب مختلفة لثني الناشطين الكورد عن الحراك ومنع رفع العلم الذي عاد إليه الثوار ترميزاً لثورتهم على النظام وكان أبرز ضغوطهم على الحراك في منطقة كورداغ حينما هاجم أنصاره مظاهرة دعا إليه المجلس الوطني الكوردي ومجموعات شبابية ناشطة في مدينة عفرين وأسفر الهجوم عن إصابة ما لا يقلّ عن خمسة وعشرين متظاهراً وتفريق المظاهرة بالقوّة. كما عملت دعايته الحزبية على اتّهام التنسيقيات الشبابية الكوردية بالارتباط بالحكومة التركية وتنفيذ أجنداتها ورفع في كلّ مسيراته واستعراضاته صور زعيم العمال عبد الله أوجلان، لا صور زعمائه المنتخبين في مؤتمراته.
مع بداية التحوّل في مسار الثورة السلمية نحو العسكرة، تسلّح حزب الاتحاد الديمقراطي وأقام الحواجز وسيّر الدوريات وقام بممارسة بعض المهام الشرطية في بعض المناطق، كاعتقال متشاجرين والتحقيق معهم وإيداعهم في السجون، وكلّ ذلك تحت بصر سلطات النظام وبالتوازي معها الأمر الذي أشاع الانطباع لدى الحراك الثوري السوري بأنّ الحزب متحالفٌ مع النظام بل وموالٍ له، بينما انقسم الرأي العام الكوردي بين من اعتبر أنّ الحزب يهادن النظام ليتمسّك بخصوصية الوضع الكوردي ويدافع عن الأمن والسلم الاجتماعي في المناطق الكوردية ويدير الشؤون الخدمية فيها، وبين من اتّهمه بالاتفاق والتواطؤ مع النظام ليكون وكيلاً له في المناطق الكوردية وفي الأحياء ذات الأغلبية الكوردية في المدن السورية.
مع تزايد الضغوط العسكرية على العاصمة والمدن الكبيرة في البلاد، تراخت قبضة النظام في المناطق الحدودية عموماً والكوردية منها خصوصاً وبدأ وجوده بالانكفاء والانحسار على المستوى الخدمي والإداري خاصّة وبدأ الاتحاد الديمقراطي يُملئ ما يفرغ من تواجد النظام بما في ذلك المقرات الأمنية في بعض المدن (كوباني مثالاً)، بحيث أصبحت المسألة تبدو وكأنّها عملية تسليمٍ واستلام إذ لم تجرِ أيّ عمليات عسكرية أو مواجهات قتالية حقيقية.
أيّاً كان الأمر، لم يكن ليفرض الحزب وجوده المسلّح عبر جناحه المسلّح (وحدات الحماية الشعبية YPG ) ومن ثمّ سيطرته على المناطق الكوردية التي أخفى النظام تواجده فيها، لولا غضّ النظر والرضا من قبل النظام. ولكن ليس هذا هو العامل الوحيد، حيث هناك أيضاً الشعبية التي استعادها الحزب، بعد مرحلة خفوت وانحسار في مرحلة التعارض مع النظام، والانضباط والالتزام الشديدين اللذين يتّسم بهما التنظيم الحزبي وروح العمل والجدّية التي تطغى على عناصره والدعم الذي حظي ويحظى به الحزب على مستوى الكفاءات والقدرات التدريبية والتأهيلية من الحزب الأمّ وأخيراً وليس آخراً ترهّل وعجز وتردّد وتشتّت الأطراف الكوردية الأخرى التي لم تستطع أن تعادل الكفّة مع الأطر والتنظيمات والتشكيلات المجتمعية والسياسية والإدارية والعسكرية والأمنية والاقتصادية التي بناها الاتحاد الديمقراطي.
كانت معركة سري كانيه (رأس العين) محطّة خاصّة بالنسبة للاتحاد الديمقراطي وقواته العسكرية YPG، ففي حين اعتبر البعض أنّ الحزب قد خاض معركة بالنيابة عن قوات النظام في مواجهة الجيش الحرّ، ساد الانطباع عند غالبية الكورد أنّ الحزب قد واجه مجموعات متطرفة قومياً ودينياً موالية لتركيا ومنفّذة لأجندتها تكنّ الحقد والعداء للكورد بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية وهذا ما أكسب الحزب وقواته تعاطفاً إضافياً على المستوى الشعبي وأظهره بمظهر المدافع عن المناطق الكوردية في وجه الساعين إلى احتلالها وفرض سلطتهم وأيديولوجيتهم المتشددة عليها.
استطاع الحزب من خلال سيطرته على المعبر الحدودي مع إقليم كوردستان، قبل فتح معبر سيمالكا، وكذلك احتكاره للإشراف على بعض القطاعات الأخرى مثل توزيع الوقود والغاز وسواهما، أن يجني موارد مالية ضخمة استثمرها في تعزيز قدراته وبسط هيمنته على الأرض ليكون الطرف الأقوى في معادلة تحالفه السياسي ضمن الهيئة الكوردية العليا، التي تشكّلت بضغوطِ وتوافقاتٍ كوردستانية، والتي تحوّلت تدريجياً إلى مجرّد غطاءٍ شرعي ( رغم أنّها شرعية مثلومة) لممارسة الاتحاد لسلطته على الأرض.
أتاحت هذه (الشرعية) للاتحاد الفرصة وأفسحت له المجال ليتمادى في تصرّفه على الأرض كسلطة حقيقية تفرض على الناس القرارات والتوجيهات دون مرجعية قانونية تخوّله، هو أو سواه، ممارستها مما أدى إلى ظهور التوتّرات والمشاحنات في أكثر من منطقة كوردية كان أكثرها دموية ما حصل في قريتي برج عفدالو وباسوطة وكذلك حوادث إطلاق النار خلال مراسيم استذكار ضحايا مجزرة حلبجة في جندريس ومحاولة فضّ الاحتفال الجماهيري في ديرك عشية ليلة نوروز، العيد القومي للكورد. ومحاولات منع التظاهر دون ترخيصٍ من جهازهم الأمني المغطّى بشرعية التبعية للهيئة الكوردية العليا وإصدار قرار بمنع حمل السلاح دون ترخيصٍ منهم بل والحديث عن فرض التجنيد إلزامياً على الشبان الكورد.
إنّ استمرار هذه الصورة على حالها تنذر بنتائج سلبية للغاية في تأثيراتها على قضية الشعب الكوردي في سوريا وحقوقه المشروعة وكذلك على مستقبل حياته السياسية في مناطقه، وأنّ المدخل الحقيقي الوحيد لاجتناب تلك النتائج والمفاعيل السلبية والخطيرة لا يتمثّل لا في استمرار الاتحاد في احتكاره للحياة السياسية الكوردية ولا في دعوة من يطرح نفسه خصماً له إلى إقصائه وإنّما يكمن في تحويل المرجعية الشكلية المتمثلة في الهيئة الكوردية العليا إلى مرجعية فعلية وحقيقية على أسسٍ ديمقراطية تمثّل الجميع حسب حجمهم وتتفاهم وتتوافق مع القوى السياسية والفعاليات التي تمثّل المكونات غير الكوردية في المناطق الكوردية وتتفاعل وتتحالف مع قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية وتتبنى ميثاقاً يحفظ للمواطن في المناطق الكوردية، أيّاً كان انتماؤه، حقوقه ويصون له كرامته ويحميه من الممارسات القمعية والاستبدادية.

حسين عمر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم