الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة للخريطة الحزبية في مصر

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية

(Hichem Karoui)

2005 / 4 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


فيما تتأهب مصر لخوض انتخابات يعتقد أنها ستكون تعددية بحيث تعطي للبلاد روحا جديدة وتضعها على سكة التغيير الديمقراطي , يبدو لنا من المهم التذكير ببعض المعطيات التي ستخضع لها هذه الانتخابات , ولعل اهمها انها ستطبع بما يطبع الأحزاب السياسية المتنافسة سواء ايجابا أو سلبا,ونود ان نلفت الانتباه في هذا السياق الى الفترة الطويلة نسبيا التي استغرقها مطلب التغيير الى أن يقرر الرئيس محمد حسني مبارك مؤخرا ان يعطي لعملية الاصلاح معنى وامتدادا في الواقع. يتوقع البعض أن تتقدم أحزاب المعارضة بمرشحين في الانتخابات القادمة بعد تعديل الدستور. وتوقعت بعض الصحف أن رؤساء أحزاب التجمع والناصري والوفد والأحرار والغد والجيل والمرشد العام للإخوان المسلمين سينافسون الرئيس محمد حسني مبارك زعيم الحزب الوطني الديمقراطي في الانتخابات القادمة. ولكن البعض يرون أن الاحزاب المعارضة ضعيفة, وأن الحزب الحاكم قد يخرج المستفيد الأكبر من هذه اللعبة.
وبالرجوع الى الظروف التاريخية المحددة نطرح السؤال: ما الذي يميز الاحزاب المصرية ؟ وهنا قراءة أولى للخريطة الحزبية:
بدأت التعددية الحزبية فى مصر فى مارس 1976 بموافقة رئيس الجمهورية السابق على تأسيس ثلاثة منابر داخل التنظيم السياسى (الاتحاد الاشتراكى العربى) وذلك من بين 39 طلبا لتأسيس منابر. وتم تبرير هذا القرار بأن المنابر الثلاثة ستمثل التيارات الرئيسية الثلاثة بالمجتمع وهى اليمين والوسط واليسار, وهي :
-- منبر مصر العربى الاشتراكى (الوسط) برئاسة ممدوح سالم رئيس الوزراء
-- منبر الأحرار الاشتراكيين (اليمين) برئاسة مصطفى كامل مراد عضو جماعة الضباط الأحرار سابقا.ً
-- منبر التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى (اليسار) برئاسة خالد محى الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو سابقا.
وفى نوفمبر 1976 أجريت الانتخابات البرلمانية وفاز منبر الوسط بالأغلبية الكاسحة لمجلس الشعب بينما فاز اليمين باثنى عشر مقعدا ومنبر اليسار بأربعة مقاعد.
وفى يناير 1977 تحولت المنابر إلى أحزاب سياسية مستقلة بقرار من رئيس الجمهورية أيضاً. ويبدو أن الرئيس السادات عندما قرر منفرداً تحويل المنابر إلى أحزاب لم يكن يهدف إلى أكثر من إقامة نوع من التوزيع الوظيفى الذى يخدم الحزب الحاكم- حزب الوسط- بحيث تصبح وظيفة حزب اليمين هى استكشاف المدى الممكن للتحول نحو اليمين. ووظيفة حزب اليسار هى أن تجنب الحكومة مسئولية ما قد يترتب على التحول نحو اليمين من خلل فى البنية الاجتماعية. ولأن خلق قنوات المشاركة السياسية الحقيقية لم يكن هو المقصود عند إنشاء تجربة التعددية فقد بدأت مظاهر التوتر عندما وضحت نية حزب اليسار فى أن يمارس دوره بوصفه حزب معارضة حقيقية رافضا أن يبقى فى إسار الوظيفة التى أرادتها له سلطة الدولة خاصة عندما نجح فى اجتذاب عناصر كثيرة من الناصريين والقوميين ولم يستمر حزبا للماركسيين كما أرادت له الدولة .
توالى بعد ذلك تأسيس أحزاب جديدة حتى بلغ عددها سبعة عشر حزبا. فقد تأسس حزب الوفد الجديد عام 1978، وهو إحياء لحزب قديم من بين الأحزاب التى ألغيت سنة 1953، ويمثل مصالح الطبقات والقوى الاجتماعية التى قامت الثورة بتصفية أملاكها وثرواتها وخاصة كبار ملاك الأراضى الزراعيين والرأسمالية الكبيرة. كما تأسس حزب العمل الاشتراكى سنة 1978 بمبادرة من رئيس الجمهورية الذى أمر 20 من نواب الحزب الحاكم فى البرلمان بالانضمام إليه ليكتسب شرعية طبقا لقانون الأحزاب لكى يوازن النفوذ المتزايد لحزب اليسار الذى اتجه إلى المعارضة الجذرية للحكم وسياساته الجديدة نحو الرأسمالية والصلح مع إسرائيل والارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الحزب هو أيضاً إحياء لحزب قديم الغى سنة 1953 هو حزب مصر الفتاة (أو حزب مصر الاشتراكى). وفى نفس العام أسس رئيس الجمهورية حزبا جديد هو الحزب الوطنى الديمقراطى على أنقاض الحزب الحاكم حزب الوسط.
وقد انبثقت أغلب الأحزاب السياسية التى شهدتها التجربة من بدايتها من داخل التنظيم السياسى الواحد. وقد جاءت قيادات هذه الأحزاب الثلاثة من النخبة السياسية لنظام ثورة يوليو 1952 (الضباط الأحرار). كما اتخذت كلها مواقف وسطية من جميع التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية، فضلا عن التصاقها جميعا بشرعية الانتساب إلى ثورة يوليو. ولذا فقد حملت برامجها السياسية والاقتصادية الكثير من عوامل التشابه والاختلاط. كما افتقرت إلى وجود قوى اجتماعية متجانسة تعبر عنها، أو أيديولوجية فكرية واضحة تدافع عنها. ولم يكن حزب العمل الاشتراكى الذى جاء بدوره بقرار من السلطة سنة 1978 أحسن حالا من الأحزاب السابقة عليه، فقد كان وريثا لحركة مصر الفتاة التى قامت فى الثلاثينيات بما عرف عنها من طابع شمولى وجمعت الكثير من التيارات المتناقضة اشتراكية وإسلامية وقومية مصرية.
وتعكس هذه الطريقة فى النشأة والتكوين للأحزاب السياسية حقيقتين:
الأولى ,أنها كانت تعبيرا عن الماضى وامتدادًا له، ولم تحمل أى طابع مجدد. والأخرى أن تشكيلها جاء بقرار فوقى أى بقرار من السلطة، فافتقدت منذ البداية قواعد جماهيرية تستند عليها. ورغم مرور أكثر من ربع قرن على وجود هذه الأحزاب إلا أنها لم تستطع إعادة تنظيم هياكلها الداخلية أو تطوير قواعد جماهيرية تتجاوز بها هذا القصور الذى ارتبط بطريقة نشأتها وتكوينها.
فقد كانت هذه الأحزاب بتشكيلها أقرب إلى التنظيمات الشعبوية أو الجبهوية التى تقوم على فكرة التوحد، وتتجاهل أى تناقضات أو اختلافات سياسية واجتماعية، وتقوم على تصور إمكانية تمثيل الحزب وتعبيره عن كافة التيارات والاتجاهات الفكرية والقوى السياسية والاجتماعية فى آن واحد من اليمين إلى اليسار. حتى بلغت المفارقة أن الحزب الذى أريد له أن يمثل اليمين فى بداية التجربة الحزبية سمى باسم حزب الأحرار الاشتراكيين أى أن الاسم كان ينطوى على تناقض واضح. وكذلك حزب التجمع الذى جمع كافة التيارات اليسارية من ماركسية وناصرية وقومية وشخصيات يسارية مستقلة مما جعله أقرب إلى الجبهة. أما حزب العمل الاشتراكى فقد ظلت خلفيته التاريخية لمصر الفتاة محوراً هاما لتوجهاته وممارساته الحالية والتى حملت معها طابعا شموليا. ولا يعد الحزب الوطنى الديمقراطى (الحاكم) استثناء من هذه الظاهرة، فمشكلة الحزب لا ترجع إلى صلته الوثيقة بالسلطة ممثلة فى مؤسسة الرئاسة، وهى سمة ورثها عن التنظيم السياسى الواحد، بقدر ما ترجع إلى الطابع البيروقراطى الغالب على الحزب والذى أثر كثيراً على أدائه السياسى، فضلا عن افتقاده منذ بداية إنشائه إلى الاتجاه الفكرى الواضح حيث أراد الحفاظ على التوجهات التقليدية لثورة يوليو بوصفها أحد مصادره للشرعية السياسية رغم اتخاذه مواقف عملية مغايرة منذ تأسيسه حتى الآن. فافتقد بذلك التميز السياسى اللازم وغلبت عليه نزعة شديدة المحافظة منعته من التبلور كحزب جديد يتفق مع مرحلة التغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد استهداف نصرالله.. ما مصير لبنان؟ | المسائية


.. -البطريق- يشن حربا على كل العصابات في-غوثام سيتي- وكولن فارا




.. عاجل | تحركات غير مسبوقة.. لهذا السبب الجيش الإسرائيلي يستدع


.. عاجل | دوي انفجارات كبيرة في تل أبيب.. والجيش الإسرائيلي: صا




.. تدمير مبان واشتعال حرائق جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحي