الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب تفقدنا انسانيتنا

عبد الغني سهاد

2013 / 3 / 24
الادب والفن


كان حصارنا في غابة شرق فرنسا إبان حكومة فيشي الخائنة.وأصابنا الجوع لمدة طويلة تتعدى الشهر لم تصل فيها الحنطة الى امعائنا . كل ما في الامر انا كنا نقتات من العشب و الاشجار وصيد الطير والحلزون والضفادع وعيرها فطالت مدة حصارنا فحسبنا ان الحرب لن تنتهي ابدا . فقرر يوما قائد الكتيبة الخروج بنا الى اقرب قرية او تجمع بشري لأجل التموين والاتصال مع بقية الجيش اذا ما زال هناك جيش .كان القائد يتصف بالجنون وحب المغامرة لكن نتائج قراراته غالبا ما تكون صائبة بل مثمرة وحاسمة...
بعد مشاورات معمقة فيما بيننا اجتمعت كلمتنا على الهجوم على اول قرية توجد في طريقنا ونحقق بذلك انتصارا لجوعنا وإنهاء لويلاته على اجسادنا السقيمة والنحيلة .غادرنا بحذر الغابة واتجهنا صوب ضفة وادي ذي مجرى عميق .رابطنا بعض الوقت على تخوم اول قرية وصلناها زحفنا اليها على بطوننا كالزواحف وأخدنا ننظر باشتهاء الى الدخان المتصاعد منها فتخيلنا حينها كل اصناف الاكل التي يمكن ان تمر بمخيلة انسان شديد الجوع . بعضنا فضل الاسراع بالهجوم لغنم الطعام وهو لا يزال حارا على النار .
لكن القائد المجنون تمسك بضرورة التريث والصبر الى حين نوم جميع من في القرية من الجنود وبعد العشاء تاتي لحظة الهجوم وفي لحظات قليلة تعالت صيحات جنود العدو بطعنات السكاكين الحادة وكانت لعلعة الرصاص ناذرة تنغم سكون ذلك الليل الاسود من حين لأخر ...لم نكن نريد استعمال الرصاص حتى لا نلفت انتباه العدو ويحبط مخططنا في الهجوم ...وبسرعة استطعنا نشر الرعب والموت في العدو في ساعات قليلة وسيطرنا على القرية لكننا لم نجد طعاما أمامنا غير الجثث الهامدة والدماء المترامية على الارض...فتوجه الجنود الى القائد المجنون بالسؤال عن الطعام المطلوب ....
لم يتوان في الرد :
الطعام تجدونه في بطونهم ؟
فهمت الفرقة ان عليها شق بطون القتلى ..ففعلت وتناولنا وجبات عشاء ذلك اليوم من بطون أعدائنا ؟ وجبة من الارز والسمك المعلب ...
كانت وجبة مقززة ؟
لكنها افضل بكثير من اكل لحوم بعضنا ؟.
غادرنا القرية في الصباح الباكر وتركناها فارغة إلا من تلك الجثث المنشورة على الارض لم يعطينا القائد الاحمق الامر بدفنها في التراب .اتجهنا كأشباح او ظلال باهتة نحو مكان اخر سعيا وراء طعاما او بعض القوت الحقيقي يعيننا على البقاء على قيد الحياة او الى حين توقف هذه الحرب المقيتة ...انتقلنا من ركن لأخر في تلك الجهة من الوادي من دغل لأخر ومن ربوة الى اخرى ...لكن رائحة الجيفة كانت تلاحقنا اينما حللنا او ارتحلنا ولا ندري من اي جهة تصلنا تلك الرائحة .رائحة نتنة زادت من حدة توثرنا وعصبيتنا الناتجة عن الجوع الذي كان ينهش امعائنا الفارغة .فأمر القائد المجنون بفحص كل الاكياس المحملة على ظهورنا ..وفي احداها عثر على راس جندي مقطوع ..كانت المفاجأة كبيرة عندما عرف صاحب الكيس الجندي المغربي الابكم ...لم يكن يريد البوح بأسباب عملته البشعة المنافية لأخلاق الحروب وكل التوافقات الدولية. كان يطأطئ رأسه كلما تعرض للضغط أو السؤال ..لكن في النهاية اشار بيده الى فم الراس المقطوعة ..فتحها القائد فوجد طاقم اسنان من ذهب...اخرجنا الطاقم الذهبي ودفنا الراس المقطوعة وقدمنا لها التحية العسكرية الواجبة في مثل هذه الظروف...
وفي معمعة البحث عن الطعام نسيت الفرقة العسكرية بسرعة حادثة الرأس المقطوعة وتابعنا السير في دروب الغابة الواسعة الاطراف وحروب افقدتنا ما تبقى من إنسانيتنا .........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف


.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ




.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي


.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ




.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل