الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تسببت التغيرات المناخية والتصحر بالتحريض على الثورة السورية؟

نادية حسن عبدالله

2013 / 3 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هل تسببت التغيرات المناخية بالتحريض على الثورة السورية؟ دراسة جديدة للخبير Marc Herman من (مركز المناخ والأمن) يؤكد بالوثائق بأن التغيرات المناخية في سورية ساهمت بإشعال الثورة السورية (Was Syria’s Revolution Climate-Driven). حيث تؤكد الوقائع انه قبل بدء الحراك الشعبي والمظاهرات كانت سورية تعيش حالة من الانهيار الاقتصادي بسبب التغيرات المناخية والتصحر والجفاف الذي امتد خلال 5 سنوات وكان لذلك تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سورية وزيادة معدلات الفقر والبطالة والهجرة من الريف الى المدينة.

ويؤكد هرمان بأنه حوالي 800,000 مزارع سوري تضرر من التصحر والجفاف وندرة المياه. فخلال الفترة 2006-2011 واجهت 60 % من الاراضي الزراعية السورية أسوأ حالات الجفاف . وقد ادى ذلك الى هجرة اعداد كبيرة من السكان من الريف الى المدن المجاورة. وتعرضت 200 مدينة سورية للجفاف والتصحر وندرة المياه، وهاجر اهلها الى المدن الكبيرة المجاورة. واكد تقرير هرمان ان الهجرة والفقر والبطالة بالإضافة الى الثورات العربية في تونس ومصر واليمن ساهمت في اشعال الثورة السورية.

ان التحركات السكانية خلال فترة الجفاف وضعت ضغطا كبيرا على الاقتصاد السوري بالإضافة الى نقص المياه ..واضطر الفقراء الى المنافسة مع الفقراء المهاجرين في الحصول على فرص العمل النادرة. حيث بدأت المظاهرات في سورية في الأماكن التي كانت تعاني من أسوأ أنواع الجفاف والتصحر. وخاصة بان النظام السوري تجاهل معاناة الأهالي ولم يقوم بأي برامج او سياسات لمعالجة المشكلة ونتائجها على السكان. وقد كان لهذه المحافظات دور اساسي في اشعال الثورة، والتي أكدت الدراسة ان (المنطقة عانت لمدة 5 سنوات من التصحر والجفاف وندرة المياه) ولم تقوم الدولة بأي عمل لمساعدة الاهالي الذين تركوا يعانون الفقر والبطالة والظلم وحدهم بدون أي برامج او سياسات تنموية.

أكد تقرير هرمان انه (من بين العوامل الكثيرة وراء الثورة السورية هناك العوامل البيئية، وخصوصاً ندرة الموارد الطبيعية). ووفق ما تم التوصل له التقرير، فان (ارتباط البيئة بالنزاع لا يكون مباشراً بالضرورة. فهو غالباً ما يعمل في موازاة ضغوط اجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى). حيث أكد عن وجود ارتباط بين الفقر والبيئة، مقابل حقيقة أن الفقر أحد أسباب التدهور البيئي. وركز على تناقص عوائد الزراعة المستقرة جعل العديد من المزارعين يهجرون أراضيهم بحثا عن أعمال أخرى ما ساهم في إهمال الأراضي وانتشار ظاهرة التصحر والتي بدورها تدمر إنتاجية الأراضي. حيث تدني المردود الزراعي وتدهور المراعي ونضوب مصادر المياه وتدهور خصوبة التربة وفقدان العناصر الغذائية يؤدي إلى نقص الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني وبالتالي انخفاض في الدخل الوطني وخلق ازمات اقتصادية جديدة.

الازمة الاقتصادية في سورية نتيجة مباشرة للتدهور البيئي

أكدت الدارسات والتقارير الدولية مثل تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( UNDP) ومئات المراجع ومن بينها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (AFED) ان التغير المناخي سيؤثر على سورية من حيث: ارتفاع درجة الحرارة، وتبدلات في أنظمة الهطول المطرية، ووقوع كوارث مناخية متكررة شديدة الضرر.

كما أكد ت دراسة د. زهير المصري حول (أثار تغيير المناخ على استعمال الأراضي والتهديدات التي تتعرض لها الاراضي الصالحة للزراعة والأمن الغذائي)، بأن الأراضي الجافة وشبه الجافة تشكل على التتالي 71 و 23 % من مساحة القطر ( 185180 كم 2) حيث تغطي المراعي 44 % من المساحة والأراضي الصالحة للزراعة 33 % والغابات 3% و تتألف الـ %20 الباقية من مساحات المدن والخدمات والأراضي الصخرية والرملية والبحيرات والأنهار. ومن المتوقع أن يتأثر 94 % منها بالتغير المناخي، فقد أدت السياسة الإقتصادية وزيادة السكان وإزياد أنماط الاستهلاك وأسلوب الحياة غير المستدامة إلى تغيرات كبيرة في أنواع الأراضي وفي المناخ.

وقد شهدت المنطقة الشمالية الشرقية في السنوات الأخيرة نقص كبير في وارد المياه, وانخفاض حاد في المحاصيل الزراعية التي تشكل المورد الأساسي لمعظم سكان تلك المنطقة, ما أدى إلى هجرة أكثر من 350 ألف نسمة من محافظة الحسكة وحدها. وأكد تقرير «الفاو» عن الجفاف في المنطقة الشرقية، والذي وثق المشكلة: «إن موجات الجفاف التي واجهتها سورية خلال الموسم 2007/2008، كانت في الواقع الأسوأ خلال الأربعين عاماً الأخيرة، حيث أثّر الجفاف بشكل كبير في المحاصيل، والإنتاج الحيواني، كما أصاب بشدّة 200,000 عائلة ريفية (حوالي 1.300.000 نسمة) في المنطقتين الشرقية والشمالية من القطر، وبالتالي تزايدت ظاهرة الهجرة بشكل كبير.

كما حذرت الدراسات السابقة حول المنعكسات الاقتصادية لتدهور الأراضي والتصحر في سوريا بشكل عام من تردي الأوضاع البيئية وتأثريها على الاقتصاد حيث اكدت أن " أسباب التصحر في سوريا من وجهة النظر الاقتصادية " يعود لسببين رئيسيين هما: المناخ وتقلباته وتغيراته، والعامل الحيوي والاقتصادي والاجتماعي بواسطة الأنشطة البشرية غير المواتية للإنسان وحيواناته. حيث تتمثل النتائج الاقتصادية المباشرة بتدهور الأرض وتصحرها في قدرة البلدان على إنتاج الأغذية ، كما إنهما يسببان أيضا في إحداث العجز الغذائي في المناطق المهددة، مع ما لذلك من اّثار على الاحتياطات الغذائية في البلد. ونظرا لان التصحر ينطوي على تدمير للحياة النباتية ونقصان مجموعات نباتية وحيوانية كثيرة، فهو أحد الأسباب الرئيسية لخسارة التنوع البيولوجي.

أما النتائج الاجتماعية للتصحر فتتمثل في تزايد هجرة سكان الريف والرعاة نحو المدن طلبا للعمل ولحياة أفضل. وينتج عن هذه الهجرة ضغوط متزايدة، على إمكانيات المدن المحدودة، وتساهم في زيادة معدل نمو سكانها أسرع من معدل نمو سكان الريف. ويولد ضغط الهجرة الريفية-الحضرية الكثير من المشاكل الاجتماعية في المدن مثل: انخفاض المستوى ألمعاشي، البطالة، قلة الخدمات الصحية والتعليمية، قلة السكن، التوترات والنزاعات الاجتماعية، الإخلال بالأمن…الخ. ثم ان إفراغ الريف من سكانه وترك الأرض يساهم هو الآخر في استمرار التصحر.

فشل السياسات السورية في مكافحة التصحر

التكاليف الاقتصادية للتدهور البيئي غالباً ما تكون غير مرئية أو يتم تجاهلها الى حد بعيد، لكنها حقيقية وجوهرية ومتنامية. ويتم استخدام الموارد الطبيعية بطريقة غير مستدامة، مما يقوض التنمية الاقتصادية وجهود تخفيف حدة الفقر.

وقد فشلت الحكومة السورية في مواجهة هذه التكاليف البيئية المتصاعدة بسياسات واضحة وفعالة. حيث تتطلب مكافحة التصحر وضع خطط واضحة المعالم تتضمن أهداف مباشرة تتمثل في وقف تقدم التصحر واستصلاح الأراضي المتصحرة وأخرى تشمل إحياء خصوبة التربة وصيانتها في المناطق المعرضة للتصحر. ويتطلب الأمر تقويم ومراجعة الخطط بصورة مستمرة لتلافي ما هو غير صالح ونظرة بعيدة المدى وإدارة رشيدة لموارد البيئة الطبيعية على جميع المستويات وتعاون عربي وإقليمي ودولي فعال. مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود حلول سريعة لهذه المشكلة .ولكن الحكومة السورية تجاهلت هذه الظاهرة ولم تقوم بأي سياسيات وبرامج فعالة لدعم المناطق التي عانت من الجفاف والتصحر والفقر والهجرة والبطالة مما ادى الى ازمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

ويمكن اعتبار الازمة الاقتصادية والفقر والبطالة والظلم والقمع احد الاسباب التي ادت الى الثورة السورية. حيث عندما تغيب العدالة الاجتماعية تغيب الكرامة بسبب الفقر والبطالة والظلم. ويصبح للثورة معنى نضالي ضد التمييز والقهر والتشرد. لقد تحمل الشعب السوري الظلم والقمع والاوامر العرفية مقابل فرصة عمل وسياسات اجتماعية متدنية، ولكن في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتردي الأحوال المعيشية والتمييز وغياب العدل، انفجرت الأمور كما حصل مع (حادثة البوعزيزي) ليكون كل ذلك السبب المباشر للثورة التي تطالب بالحرية والكرامة ..

أثار استعمال ادوات الحرب المدمرة على الشعب السوري والبيئة

النظام الدكتاتوري في سوريا يتبني (سياسة الأرض المحروقة) للقضاء على الثورة السورية، فيجعل من البيئة ومواردها سلاحاً تواجه به خصومها حيث قام النظام الأسدي باستعمال كافة أنواع الاسلحة الثقيلة والمدمرة في حربه على شعبه. من والبراميل المتفجرة وراجمات الصواريخ والقنابل العنقودية الى الاسلحة الكيماوية وصورايخ سكود.

يعتبر العدوان المسلح من قبل النظام على شعبه سبباً مهماً في تدمير البيئة الطبيعية في سوريا. فالغابات احترقت بالنيران والقذائف، والزراعة أهملت لهجر الأراضي والتحاق الشباب بالجيش الحر، وشبكات المياه دمرت بإصابات مباشرة. وتدفقت المياه المبتذلة والنفايات الصناعية السائلة الى الأنهار والجداول والأودية والآبار وقنوات المياه الجوفية فلوثتها وهددت صحة الإنسان. كما أدى رمي النفايات المنزلية والصناعية عشوائياً وفي مكبات غير سليمة الى تلوث التربة والمياه الجوفية.

وتدمرت معامل معالجة المياه المبتذلة بسبب القصف وانتشرت والنفايات في كل مكان بالقرى والمدن ..فراح الناس يتخلصون من نفاياتهم كل على طريقته الخاصة، بدون ان تكون هناك أي اجراءات لحماية البيئة. كما تدهورت البنية التحتية والصحة العامة نتيجة الحرب حيث تضعف امدادات المياه الصالحة للشرب او التلوث الجرثومي للمياه وتعرض انابيب المياه للضرر بواسطة تفجير القنابل او القصف المدفعي للطائرات والاليات العسكرية.

عادة ما ينتج عن الحروب اقتلاع الاشجار وتجريف الاراضي وتدمير ابار المياه والمنشأت الزراعية وهذا يعرض التربة للتعرية. وتضرر الانتاج الزراعي بصورة أخرى نتيجة القصف المكثف والمباشر للأليات العسكرية الثقيلة مما يعرض التربة الزراعية للتدمير وعدم قدرتها على الانتاج نتيجة تسرب المواد المشعة التي تحتويها القنابل الى التربة ووصولها للإنسان عبر السلة الغذائية. وقد ظهرت بالفعل نتيجة ذلك حالات مرضية غامضة لم يفهمها الأطباء. كما ان وجود الالغام الارضية حول مساحات واسعة من الاراضي المنتجة يحولها الى غير أراضي صالحة للزراعة.

وقامت الاليات العسكرية للجيش الاسدي بجرف الاخضر واليابس وحتى الصخور الرملية التي تحتاج لعشرات السنوات حتى تتكون وتثبت ككتل او صخور رملية. ان مجرد حركة الدبابات او العسكر الراجلة تفتت الصخور وتؤهل تلك المساحة من الصحراء للزحف نحو المدن والاراضي الزراعية والقضاء على التنوع البيولوجي عبر العواصف الترابية وبالتالي تهديد الامن الغذائي.

ماذا بعد؟

ان حماية البيئة غالبا تحظى بأولوية منخفضة اثناء وبعد الحرب ومن الاثار السيئة الكثيرة للحروب التفتت الاجتماعي وتفاقم الفقر والبطالة والامراض نتيجة الهجرة واللجوء لمناطق أخرى مما يسبب تزايد الضغط على الموارد الطبيعية. ان الأضرار المادية والخسائر الإقتصادية والمالية والمعيشية مهما كان حجمها، تبقى من دون معنى أمام حجم الخسائر الانسانية والبشرية التي أصابت الشعب السوري. ولكن الخسائر البشرية لا تعني بان نتجاهل الخسائر البيئية فكل الخسائر (خسائر فادحة) يجب العمل على مواجهتها. فتدمير البيئة بالنهاية يؤثر على صحة الانسان وبقائه .

في (ما بعد سقوط الاسد) هناك حاجة للعمل على تأهيل المناطق المتضررة من خلال برنامج للإصلاح والتأهيل للبيئة، وإزالة الرواسب الملوثة، التي خلفتها الحرب وتسببت في آثار جسيمة على الاراضي والزراعية والمياه. بالحقيقة ستكون هناك حاجة ماسة الى استراتيجية لإصلاح الاضرار التي تعرضت لها البيئية في سوريا.

نحن بحاجة الى التخطيط الإستراتيجي البيئي لمعالجة التدهور البيئي الخطير نتيجة الحرب السورية. وأعلم أن ذلك يحتاج إلى جهد وإرادة وإدارة ودعم مادي ومعنوي كبير، ( حيث تكون الأولوية هي للإنسان) لكننا سنبني ونحافظ على سورية الحديثة بكل ما فيها من اراضي وغابات وانهار ومياه. وسنحاسب الاسد وكل من ارتكب جريمة بحق شعب سورية وأرض سورية وبيئة سورية. وكما ان هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان فهناك انتهاكات جسمية لحقوق الارض والبيئة السورية .. انها انتهاكات جسيمة لحقوق الوطن. حيث يؤكد القانون الدولي حماية البيئة اثناء الحرب، وهناك قواعد قانونية تحرم استخدام الأسلحة ذات التدمير الشامل والعشوائي على الكائنات الحية والبيئة.

نجد في المقدمة منها اتفاقيات لاهاي لعام 1899م و1907م واتفاقيات جنيف لعام 1949م التي أشارت إلى تحريم بعض الأسلحة ذات التدمير الشامل والكبير للبيئة والمجتمع والكائنات الحية، وأكدت احترام قوانين الحرب على أرض المعركة. كما تم إبرام عدد من الاتفاقيات الثنائية والدولية التي حددت الأسلحة المحظورة دوليًا ونخص بالذكر منها معاهدة حظر الأعمال العدائية والحربية التي من شأنها إحداث تغييرات في البيئة لعام 1977م، والاتفاقية الدولية لحظر أو تقييد أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر التي صدرت في جنيف عام 1980م.

نعم كما سٌيقدم النظام القمعي الى محكمة الجنائيات الدولية بتهمة ارتكاب الجرائم ضد الانسانية, وجرائم الحرب, والمجازر والوحشية ..سيحاسب على جريمة تدميره للأراضي والمياه والشجر والحجر..سيحاسب على سياسة الارض المحروقة التي حرق بها أراضينا وأشجارنا وغاباتنا وبيئتنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني