الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا

إبراهيم إستنبولي

2005 / 4 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الكل يعلم أن سوريا تعيش لحظة تاريخية بالغة الدقة و فائقة الحساسية .. إذ لم يعد خافياً على أحد أنها تلوح في الأفق مخاطر كبيرة تتهدد ليس النظام في سوريا ، بل و البلد ككل دولةً و شعباً .. فلا يتوقع أحد أن يكون المخطط الإمبريالي – الصهيوني تجاه سوريا رحوماً و لا أن تكون نوايا المتربصين بسوريا شفوقة .
لكل ذلك نقول : إن اللحظة الحالية شديدة الحرج و إن الظروف المحيطة بنا معقدة لدرجة تتطلب من الجميع الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية لمجابهة التهديدات ، التي( لا قدر الله ) لو حصلت فإنها ستطال الوطن ، كل الوطن ، و لن تبقى جهة في منأى من نتائجها .
و بالتالي ، إن بيان جماعة الإخوان المسلمين الأخير الذي صدر في لندن بتاريخ 3 نيسان الجاري ، كان يمكن له أن يندرج ضمن هذا السياق .. و هو هكذا بالفعل ..لولا أنه ...
سأحاول توضيح وجهة نظري كمواطن سوري يتحسس الخطر الداهم الذي يحيق بالوطن ليس أقل من واضعي البيان المذكور .
أولا ، إن البيان و منذ السطر الأول يبدو كما لو أن واضعيه إنما يطلبون شهوداً على صدق نواياهم و على انهم قد فعلوا ما يوجبه الشرع عليهم ( .. إلى الشهود من أبناء امتنا العربية و الإسلامية ... ) .
ثانياً ، إن البيان إذ يقف على خطورة الموقف و جسامة اللحظة و إذ يوصّف الظروف الدقيقة و المخاطر التي تهدد الجميع .. و بعد أن يتوجه إلى الجميع : .. نداء لا يستثني أحدا : رئيساً ، أو حكومة ، أو حزباً أو جيشاً ، أو أجهزة أمن ... الخ . و بعد أن يطالب البيان : .. بأن يستشعر كل واحد مسئوليته .. و ينذر بأن حزب البعث الحاكم خلال أربعين سنة سيتحمل – وحده – وِزرَ الدمار ، الذي سينزله بالوطن و الأمة .. و هلم جرا .
ثم هذه العبارة المبهمة و الملتبسة جداً : .. و توشك شمس الحرية أن تشرق على العالم ؟ .. و تصبح الشعوب هي صاحبة القرار ؟ ... ( الاستفهام هنا لكاتب هذا المقال ) .. إلى أن يصل البيان إلى مقترحه الأساسي ألا و هو : عقد مؤتمر وطني شامل لا يستثني أحداً ، و لا يلغي أحداً يمثّل كل التيارات و الأطياف و الطوائف و الأعراق .. الخ . يضع هذا المؤتمر برنامج عمل وطني للإنقاذ و التغيير يبدأ من إلغاء المادة الثامنة من الدستور ، ووضع قانون عصري للأحزاب وتحديد موعد لإجراء انتخابات حرة نزيهة لجمعية وطنية تأسيسية ، تحت إشراف هيئة محايدة لصياغة دستور يلبي متطلبات المرحلة .. وولادة جمهورية دستورية ديموقراطية .. و إلى أن ينعقد هذا المؤتمر الوطني العتيد ، خلال فترة ينبغي ألا تتجاوز ثلاثة اشهر ، لا بد من اتخاذ بعض الخطوات السريعة على طريق تأكيد الجدية .. الخ ( بالمناسبة تجدر الإشارة إلى أن الأمور الأساسية ، التي يطالب بها البيان لا تختلف عن المطالب التي تنادي بها مختلف القوى السياسية المعارضة في داخل سوريا بما فيها منظمات المجتمع المدني و منظمات حقوق الإنسان أو بيانات المثقفين السوريين– و منها بالتحديد إلغاء حالة الطوارئ و كافة الأحكام العرفية و المحاكم الاستثنائية و إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون استثناء .. ) .
لكنني سأتوقف عند بعض النقاط التي أرى أنها تضعف من قوة البيان( الذي أريد له أن يكون عقلانياً و يتفق مع التحديات التي تواجهها سوريا ) و تجعله ناقصاً لناحية توفر الإرادة السياسية الجادة و الهادفة إلى صياغة و تشكيل الجبهة الوطنية المنشودة ، حسب البيان . و من هذه النقاط الآتية :
ما جاء في البند الأول لناحية المطالبة برد المظالم لأصحابها و بالكشف عن مصير المفقودين و رد الاعتبار الوطني لهم و التعويض عليهم .. إنني أعتقد أن هذا المطلب ( على الرغم من عدالته ) هو سابق لأوانه لأنه يتطلب جهوداً ليست قليلة ، كما إن الأمر يطرح سؤالاً حول الجهة المخولة النظر في هذا الملف بكل تشعباته وبكل حساسيته . فإذا كان البيان يرى أن إنقاذ الوطن لم يعد يحتمل التأجيل .. أو الترحيل إلى مؤتمر قطري ( و هذا صحيح ) .. فإنني أعتقد أن طريق إنقاذ الوطن يجب أن يحتمل ترحيل هذا الملف– ملف المفقودين و ما يرتبط به إلى ما بعد المؤتمر الوطني ، الذي يدعو إليه البيان ( و هذا هو الصواب ) ..
ثم يؤكد واضعو البيان على ضرورة طرح مشروع وطني لمكافحة الفساد : السياسي ، الإداري و الاقتصادي .. و محاسبة كل الذين تصرفوا برغبات فردية مستغلين الموقع العام .. هؤلاء ، الذين تمكنوا – في غفلة من الشعب – من منظومة القيادة في سوريا ، من أعلى الهرم حتى قاعدته ؟؟!! ( الاستفهام و التعجب لكاتب هذه القراءة ) : مَن هي الجهة و من هم الأشخاص الذين سيقومون بمكافحة الفساد بشتى أنواعه ، و ما المقصود و من المقصود بأولئك الذين تمكنوا – في غفلة ... الخ - هل المقصود هم أعضاء قيادة حزب البعث الحاكم و مجلس الشعب بمختلف دوراته و أعضاء القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية ، أم المقصود هو الشخصيات القيادية في الجيش و القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية ؟! إذا كان البيان يقصد هؤلاء – فأين الجدية في طرح موضوع الحوار من اجل إنقاذ الوطن .. لأنه مع مَن سيكون الحوار عندئذٍ .. لماذا يبدأ البيان إذن بالتوجه إلى الجميع بمن فيهم صناع القرار و قادة الأجهزة الأمنية... الخ . لا أظن انه يمكن وصف البيان هنا بالجدية و بالنية الحسنة ، هذا إذا لم نرغب بتحميل الكلام هنا ما يمكن أن يفهم على انه هروب أو محاولة وضع شروط للحوار مع النظام ( المأزوم و المرتبك – حسب رؤية واضعي البيان .. و التي قد لا تتفق مع رؤية أركان النظام ؟! ) . هذه الفقرة هي بمثابة العصا في عجلة الحوار . إنني كمواطن يتحسس الأخطار التي تحيق بالوطن ككل أرى انه من الأفضل الاقتداء بتجربة بعض البلدان ، التي انتقلت من نظام الحزب الواحد إلى دولة التعددية ( بلدان الكتلة الشرقية – المبدأ الأساس هو : عفا الله عما مضى - خصوصاً بما يتعلق بما لحق من ضرر بالاقتصاد و بالمال العام .. و لنتذكر ما جرى في روسيا سواء على يد غورباتشوف أو يلتسين .. ) .. إن بناء الأوطان يحتاج إلى نفس طويل و بعد نظر و فكر نيِّر . و لنا في تجربة روسيا ( و غيرها ) في عهد الرئيس ف . بوتين أسوة حسنة .
ثم يتوجه البيان بالنداء : ... إلى أبناء الطائفة العلوية ، شركائنا في الوطن و المصير ، ليقفوا صفاً واحداً مع أبناء شعبهم ...؟! هذه الصيغة ليست دقيقة .. و كأن أبناء الطائفة العلوية ليسوا واقفين مع أبناء شعبهم .. و كأنهم ، أي أبناء الطائفة العلوية يسبحون في بحر من نعيم النظام و يعيشون في جناته .. أو كأنهم لم يعانوا و لم يزالوا يعانون من حيف النظام و من ظلمه .. و كأنه لم يعان ِ المئات من أبناء الطائفة العلوية من السجن و الحرمان و البطش بسبب انتمائهم إلى منظمات يسارية و شيوعية ( سواء مَن كان ينتمي إلى جماعة رياض الترك ، و رابطة العمل الشيوعي و البعث الثوري و غيرهم بما فيهم أعضاء لجان الدفاع عن حقوق الإنسان ( جماعة أكثم نعيسة و رفاقه ) .. و اغلبهم لا زال محروماً من ابسط حقوقه المدنية . باختصار ، إن هذه الفقرة تحمل شكوكاً في ولاء أبناء الطائفة العلوية للوطن لصالح ولائهم للسلطة . وهذا غير صحيح و غير عادل . و يجب الكف عن هذا النوع من الخطاب الذي يكرره البعض تارة من موقع المعارضة " اليسارية " و تارة أخرى من قبل ممثلي المعارضة " اليمينية " .. إن هذا لا يليق بمن يريد بناء وطن .
تنويه : لقد رأيت أن من واجبي الخوض في هذه التفاصيل ( و أنا اعتبر نفسي فوق تلك السفاسف ) لكي لا يتكرر الأمر و نحن على أبواب مرحلة ستشهد ( من قبل أعداء سوريا ) تركيزاً على خطاب طائفي و مذهبي .. إن هكذا خطاب هو أكثر ما يخدم مصالح المتربصين بسوريا . و في مقدمتهم إسرائيل ، التي تبحث عن مشروعيتها الكاملة في المنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج