الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشيّة الرحيل

ياس خضير الشمخاوي

2013 / 3 / 25
مقابلات و حوارات


ولما دقت أجراس الساعة عند الحادية عشر توقفت عقارب الزمن لتختم رحلة طويلة عاشها علم من أعلام العراق في صحبة حميمة مع أسفار التاريخ ومشاعل الحضارة والمجد ...
ففي صباح الأحد وبلا موعد ، همس زائر الموت بأذن عالمنا الجليل شيخ المؤرخين حسين الأمين ، أن أحزم حقائبك يا راهب التاريخ وأستعد للرحيل .
ودّعْ بغدادك الحزينة وبساتين النخيل بشفتيك الناحلتين ... لوّح بيديك المتعبتين لأضواء الرصافة ونوارس دجلة ،
دعْ أنفاسك تطوف برهة في أزقة الكرخ فترنو القشلة تارة وتارة تروح شوارع المتنبي والرشيد .
ثم عرج بترحالك نحو سوق السراي والمستنصرية ومجالس الأدباء ودور الثقافة فلك فيها صحبة وحبا لم يفطمَ بعد .
لا شك أن تلك المعالم تمثل الكثير بالنسبة لهذا الرجل إذ ولد شغوفا بحب العراق وأرثه وتاريخه الحضاري الذي يضرب أطنابه في عمق التاريخ منذ عصر أورنمو والزقورة إلى مسلة حمورابي والشريعة .
ولطالما حمل هذا المفكر أوجاع العراق بين جنبيه منذ زمن السلاجقة والتتار إلى عهد الظلم البريطاني والأحتلال .
ومن نفس ذيّاك الكأس المرير الذي شربت منه الشعوب العربية في ثوراتها ضد القهر والطغيان شرب مؤرخ العرب كأسه ليسطـّر بدواته ملاحم الشرف والبطولة بحروف من نور عن تاريخ القدس وبغداد وعمّان وحلب .
بعين زرقاء اليمامة كان يبصر التاريخ ، وبفكر الغزالي كان يتقصى الحقائق ،
وله همّ قيسيّ أصيل كان يسافر به مع أمواج شط العرب حيث تلتقي همومه ودموع السيّاب في شواطئ جيكور.
مهما قلنا فلن نفي حق هذا الرجل الذي يُعدُّ رقما صعبا في حسابات المؤرخين والعلماء والمفكرين ،
وما تلك التوطئة ألا جزء بسيط من ذلك الحزن العميق الذي ينتاب كل المهتمين والمحبين من العراقيين والعرب والذي سكبه المعزّون عشية رحيل العلامة ( حسين الأمين القيسي ) بحضور نخبة كبيرة من الأساتذة وطلبة الجامعات والمثقفين العرب والعراقيين في منتدانا الثقافي ( سمير أميس ) عبر البالتوك في أمسية ثقافية تحت عنوان ( دور العلماء والمفكرين في صناعة التاريخ ) وقد تناول الأساتذة المحاضرين والمتداخلين جوانب عديدة من السيرة العلمية والتاريخية والرحلة البحثية لهذا العالم العراقي الذي يشغل منصب ، أمين عام إتحاد المؤرخين العرب كذلك رئيسا لقسم الدراسات التاريخية في مركز البحوث والدراسات العربية في جامعة الدول العربية لسنة 1978م إضافة لشغله الكثير من المناصب والمراكز الثقافية والعلمية الأخرى .
وقد حظي العلامة حسين الأمين بأحترام كبار العلماء والأساتذة من العرب والأجانب وقد نال أيضا شهادة تقديرية من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بعد حصوله على شهادتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة الإسكندرية ، وترأس العديد من المؤتمرات الثقافية والعلمية في العالم ، ثم أسند إليه من قبل جامعة مارتن لوثر في ألمانيا أن يكون أستاذا زائرا فيها عام 1970م ومحاضرا في العديد من جامعات العالم المهمة مثل فرانكفورت وبراغ وأكسفورد وبرلين وأدنبرة وميونخ وغيرها .
ترك خلفه أرثا ثقافيا وسجلا حضاريا تمثل بالعديد من المخطوطات والبحوث والمؤلفات التي أثرت المكتبة العراقية والعربية وكان من بينها ( المدرسة المستنصرية ، زرقاء اليمامة ، القدس وعلاقتها بالعواصم الإسلامية ، شط العرب ووضعه التاريخي ، تاريخ العراق في العصر السلجوقي ، الأمام الغزالي ) وغيرها من الكتب القيمة .
وكان الشرف لمنتدى سمير أميس أن يتناول أساتذته أمثال ( الدكتور حمورابي والأستاذ الجامعي أثيرالمدرس ) طيفا واسعا وجانبا مهما من حياة هذا الرجل وآثاره ودوره في أغناء الساحات العلمية والمراكز الثقافية والجامعات بالكتب والبحوث التاريخية ، ثم عرج بقية الأساتذة ( رياض الرحال والأستاذين نهر البصري وليث والسيدة دموع ) على سيرة حياة العلماء العراقيين والعرب ودورهم في حمل شعلة الثقافة والتنوير وما آلت إليه الآن الشعوب العربية والمجتمع العراقي من ركود ثقافي وعلمي في المرحلة الراهنة في ظل الأنقسامات والنزاعات السياسية والأحتراب الطائفي ، وأثر الأجندات والقوى الأستعمارية وسياستها المتعمدة في تجهيل الشعوب وأبعادها عن الواقع العلمي والحضاري .

ياس خضير الشمخاوي
رئيس منظمة حوار الديانات
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش