الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا نتعلم من الاطفال ؟

مجدى زكريا

2013 / 3 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


" انت تتصرف كالاولاد ". ربما نتضايق اذا وجهت هذه الكلمات الينا نحن الراشدين. ذلك لأن الاولاد رغم كونهم ظرفاء , ينقصهم النضج والخبرة والحكمة التى تكتسب عموما مع تقدم العمر.
ومع ذلك , قال يسوع لتلاميذه ذات مرة : " الحق اقول لكم : ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاطفال الصغار , فلن تدخلوا ملكوت السموات ابدا. " فماذا عنى بهذه الكلمات ؟ وأية صفات يتحلى بها الصغار يحسن ان ينميها الكبار ؟
لنتأمل فى الوضع الذى حدا بيسوع الى التفوه بالكلمات الواردة انفا. بعد وصوله الى كفر ناحوم بعد عناء رحلة طويلة , سأل تلاميذه : " فيم كنتم تتحاجون فى الطريق ؟ ". فظل التلاميذ ساكتين , لانهم كانوا يتحاجون بعضهم مع بعض فى من هو الاعظم. ولكن فى النهاية استجمعوا الجرأة وسألوا يسوع : " من هو الاعظم فى ملكوت السموات ؟ "
من المستغرب ان يتحاج التلاميذ فى هذه المسألة بعد ان رافقوا يسوع ثلاث سنوات تقريبا. لكن تجدر الاشارة انهم نشأوا على الدين اليهودى الذى علق اهمية كبيرة على مسائل كهذه. فكما يتضح , اثرت خلفية التلاميذ الدينية اضافة الى نقصهم البشرى فى طريقة تفكيرهم.
وليجيب عن سؤال تلاميذه , جلس يسوع ودعاهم اليه قائلا : " ان اراد احد ان يكون الاول , فليكن اخر الجميع وخادما للجميع ". لابد ان جوابه هذا فاجأ التلاميذ. فما قاله تعارض بشكل واضح مع المفاهيم اليهودية عن العظمة. بعد ذلك دعا يسوع اليه ولدا صغيرا. وفيما كان يحتضنه , اوضح نقطته قائلا : " الحق اقول لكم : ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد الصغار , فلن تدخلوا ملكوت السموات ابدا. فمن يضع نفسه مثل هذا الولد الصغير , فذاك هو الاعظم فى ملكوت السموات ".
ياله من درس مهم فى التواضع. تخيل المشهد : يحيط عدة رجال راشدين وجديين بولد صغير ويحدقون اليه , فيرون ولدا خجولا وميالا الى الثقة فى الاخرين - ولذا لا يفكر فى المنافسة , غير خبيث , مذعنا , وغير متكبر. نعم , لقد عكس هذا الصبى الصغير صفة التواضع الالهية بشكل رائع.
ان النقطة التى اراد يسوع ايصالها واضحة جدا. علينا جميعا ان ننمى التواضع الذى يتحلى به الاطفال اذا اردنا ان نرث ملكوت الله. فبين شعب الله لا مكان للمنافسة والكبرياء. وفى الواقع , هاتان الصفتان هما اللتان دفعتا الشيطان ابليس الى التمرد على الله فى الاساس. فلا عجب ان يكرههما الله.
والمسيحيون الحقيقيون يسعون الى خدمة الاخرين لا التسلط عليهم. ومهما كانت المهمة حقيرة او الشخص الذى نخدمه وضيعا , فان التواضع الحقيقى يدفعنا الى خدمة الاخرين. ان تنمية روح التواضع والسخاء التى يتحلى بها الاطفال توحدنا مع اعظم شخصية فى الكون وابنه. كما تمنحنا السعادة الناجمة عن العطاء.
يتابع يسوع كلامه مبرزا درسا اخر يمكن ان يتعلمه الراشدون من الاولاد : " من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد صغير , فلن يدخله ابدا ". ان الاولاد ليسوا فقط متواضعين بل هم ايضا مستعدين للتعلم. " انهم يتشربون المعلومات كالاسفنجة ". حسبما تعبر احد الامهات.
على نحو مماثل , لكى نرث ملكوت الله , يجب ان نقبل رسالة الملكوت ونعمل بموجبها. وكالاطفال المولودين حديثا , يجب ان ننمى شوقا الى حليب الكلمة غير المغشوش , لكى ننمو به للخلاص. ولكن ماذا لو بدا ان احد تعاليم الكتاب المقدس صعب الفهم ؟ تقول عاملة فى مجال رعاية الاطفال : " يستمر الاولاد فى طرح السؤال لماذا ؟ الى ان ينالوا اجوبة مقنعة ". ويحسن بنا نحن ايضا الاقتداء بمثالهم. فلنستمر اذا فى الدرس , التحدث الى شخص ذوى خبرة ومعرفة, وطلب الحكمة من الله. ولا شك ان الصلاة الصادقة ستكافأ مع مرور الوقت.
ولكن قد يسأل البعض : " أليس من السهل خداع الناس الذين لديهم استعداد للتعلم ؟. ليس اذا كان لديهم ارشاد موثوق به. على سبيل المثال , يلجأ الاولاد بالفطرة الى والديهم طلبا للارشاد. يقول احد الاباء : " يبرهن الوالدون انهم اهل للثقة عندما يحمون اولادهم ويعيلونهم يوما بعد يوم ". ولا شك ان لدينا نحن ايضا اسبابا مماثلة تدعونا الى الثقة بأبينا السماوى. فهو يمنحنا ارشادا موثوقا به من خلال كلمته المكتوبة. كما انه يعزينا ويدعمنا من خلال روحه القدوس.
ان تنمية ثقة مطلقة بالله كما يثق الاولاد بوالديهم تمنحنا سلام العقل. يقول احد علماء الكتاب المقدس : " ان الاطفال ينطلقون فى رحلة وهم لا يملكون المال لدفع نفقة الطريق , وليست لديهم ادنى فكرة عن كيفية الوصول الى وجهتهم. رغم ذلك , لا يشكون البتة فى ان والديهم سيوصلونهم بأمان الى المكان المقصود ". فهل نملك الثقة نفسها بالله فيما نحن منطلقون فى رحلة الحياة ؟
يولد الاطفال ناقصين , مع ذلك فهم انقياء القلب والعقل. لهذا السبب , يحث الكتاب المقدس المسيحيين : " كونوا اطفالا من جهة السوء ". - 1 كورنثوس 14 : 20.
ذات مرة , قالت مونيك البالغة من العمر 5 سنوات لأمها بكل حماسة : " صديقتى الجديدة سارة لديها شعر متجعد تماما مثل شعرى ". ومع ان سارة تنتمى الى عرق مختلف , لم تأت مونيك على ذكر هذا الامر. تقول احدى الامهات : " لا يهتم الاولاد بلون البشرة. وليست لديهم ادنى فكرة عن التمييز العرقى او التحامل ". وفى هذا المجال , يعكس الاولاد بشكل رائع نظرة الهنا العديم المحاباة , الذى يحب الناس من جميع الامم.
لدى الاولاد ايضا مقدرة هائلة على المسامحة. يقول احد الوالدين : " عندما يتشاجر جاك مع ليفاى , نطلب منهما الاعتذار واحدهما الى الاخر. وسرعان مايعاودان اللعب معا بفرح. فهما لا يمتعضان , لا يتذكران الاساءات الماضية , ولا يضعان الشروط قبل المسامحة , بل يستأنفان اللعب كالمعتاد ". فياله من مثال جيد يحسن بالراشدين الاقتداء به.
علاوة على ذلك , يتقبل الاطفال الصغار فكرة وجود الله بكل سهولة. وغالبا ماتدفعهم صراحتهم الفطرية الى تقديم الشهادة للاخرين عن الله بجرأة. (2 ملوك 5 : 2 و 3) كما يمكن لصلواتهم البسيطة والصادقة ان تلين اقسى القلوب. وعند التعرض لتجربة ما , يمكن ان يعرب الاولاد عن قوة ادبية مدهشة لفعل الصواب. فيالهم من ميراث ثمين.
قد تتساءل : هل يمكن ان يستعيد الراشدون الصفات الجميلة التى ترافق الطفولة ؟ ان الجواب المطمئن هو بكل بساطة نعم. ولاشك ان وصية يسوع ان نصير مثل الاولاد الصغار تؤكد ان ذلك ممكن.
للايضاح : تخيل فريقا لامن الخبراء يعمل على ترميم لوحة فنية ثمينة جدا. فيزيلون اثناء عملية الترميم الطبقات المتراكمة من الاوساخ التى علت اللوحة ويصححون محاولات الترميم السابقة غير المتقنة. وبعد بذل جهود حثيثة , يكشف المرممون للناظرين الالوان الزاهية الاصلية لهذه اللوحة فضلا عن جمالها الطبيعى. بشكل مشابه , يمكن ان نستعيد الصفات الجميلة التى كنا نتحلى بها ونحن صغار , وذلك من خلال بذل جهود دؤوبة , مساعدة روح الله القدوس , والدعم الحبى الذى يقدمه اشخاص مهتمون بخيرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ