الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد ارقام إنسانية ليبية ( وطن محترق ) .

علي لّطيف

2013 / 3 / 27
الادب والفن


المنبه بدا يرن , لقد حان وقت الفجر , ينهض مراد , يقول للحياة نعم اليوم سيكون يوماً جيداً لي , مراد يدخل الحمام , يفكر مراد و هو جالس يتخلص من قاذوراته, هل اغتسل بالماء البارد او الساخن كالعادة ؟ , يقرر ان الماء البارد هو بدايته الجديدة , فقد شاهد ذاك اليوم علي إحد القنوات ان " الدوش البارد " مفيد للصحة و يعمل علي تنشيط الدورة الدموية و يعطي حيويةً و نشاط للجسم و العقل .

اليوم إختار مراد ان يرتدي بذلة عربية لاول مرة , إشتراها الجمعة الفائتة بعدما اقنعه صديقه سالم انه لا يوجد "اريح" من البذلة العربية , ينظر مراد إلي نفسه في المرآة , يضحك علي مظهره, يقول " تقول مصري طارح بيمشي للجمعة . لكن عادي زي الي ماشية الطرحة ."

ينزل مراد إلي المطبخ ليري امه التي إستيقظت اثناء وجوده في الحمام , صباح الخير يا احلي ام , يقبل جبهة امه و يحضنها , فكرة فقدان امه دائماً ترواده , لكن مراد يستعوذ من الشيطان كل مرة و يستغفر الله عدة مرات , أم مراد تغيظه بشان البذلة العربية و تمزح معه , يبتسم مراد و يسال امه " امي اليوم يوم حظك , توا بنمشي نولع السيارة و بنطلع و الي تبيه نجيبوهلك ؟ " , ام مراد " غير قولي شني تبي , اكيد تبي فلوس ؟ " , مراد " والله لا يا امي , خلاص من اليوم نبي نكون افضل . قدروني الزح . "

يغلق مراد غاراج المنزل , ثم يصعد في سيارته من جديد , يفكر من اي مكان يمكن ان يشتري الخضار , مراد لا يريد ان يذهب إلي مكان مزدحم بالناس , فهو يعلم ان اليوم جمعة و ان المكان الارخص للخضار هو تحت كوبري سوق الجمعة , مراد يتفادي هذه الفكرة , مراد لا يحب الزحام غالباً , لكن طمعه في ان يتبقي له بعض المال يغريه ان يذهب هناك .

يصل مراد إلي محل الدخان المعتاد الذي يشتري منه , يشتري بجنيه سباسي مالبورو , يقول لنفسه " سبسي الصبح , اهم شي في الدنيا . " , و بلا اي تفكير يدخل الي الغذائية في الجهة الثانية من الطريق و يشتري "سانتوب - عصير " عنب , يقف مراد بجانب سيارته و يشعل سيجارته و يشرب عصيره , يتمني مراد الرحيل من هذا البلد , لقد كره كل شي , كره حكومته و شعبه و مجتمعه و حتي نفسه , مراد يخاف ان يفقد نفسه مع الوقت و يصبح مجرد رقم لا معني له في حياة لا معني لها في نظره .

ينهي سيجارته , يلقيها علي الارض , "هل ابقيها مشتعلة ام اطفئها بقدمي؟ " , يختار ان يبقيها مشتعلة , يضحك علي نفسه لإبقائها كذلك , ظّن مراد انه ينتقم لنفسه بطريقة ما , ينتقم من الطبيعة , من الحياة من السماء, فّكر انه لو ابقي السيجارة مشتعلة ستكون هي اخر طعنة في ثقب الاوزون , و لربما تتدحرج السيجارة بفعل فاعل إلي قمامة ما و بذلك تشتعل النار و لربما يحترق منزل او إثنين و تموت عائلة او عائلتين , لعل و عسي عند ذلك يستيقظ الناس و يقوموا بالاهتمام بنظافة مدنهم و وضع اماكن مخصصة للتدخين . يضحك مراد علي ما انتجه عقله من اوهام مُنتجة و من ثم يقول في نفسه " مراد ايها الغبي . " و من ثم تُصعد خلايا عقله الفكرة و يسآل نفسه " ما معني قتل عائلة في سبيل مئة عائلة او الف او مليون ؟ . "

يقرر آخيراً انه سيذهب إلي سوق الخضرة تحت كوبري سوق الجمعة , قرر مراد انه " الله غالب قداش بنقعد نتفادي قدري , اني منهم و إليهم و بهم ." , مراد قرّر في طريقه الي السوق ان اليوم هو النهاية لكل تردداته , و انه من هذا اليوم سيتغير , سيصبح افضل , سيكون إبن باراً , طالباً مجتهداً , مواطناً افضل , إنساناً آجمل , مراد قرّر ان لن يعيقه اي شي من تحقيق آحلامه . يبتسم مراد , يحب نفسه عندما يفكر بتفاؤل , يُحس بنفسه قوياً جباراً عظيماً . يفكر مراد بتلك الفتاة التي رأها منذ 3 سنوات , يبتسم كل مرة عندما يتذكر انها إبتسمت له , علي اغلب الظن الابتسامة لم تكن موجه له , و لكن " عادي , فيه إحتمال إنها ليا " , مراد يتفائل , لربما إذا نظر مراد إلي تفائله قبل 3 سنوات لضحك علي نفسه لحد الموت .

سيارة تنقلب عدة مرات , عبد الرحمن يشاهد الموقف , من وهلة ما حدث عبد الرحمن لم يستطع التحرك لعدة دقائق , يجري عبد الرحمن إلي تجمع الناس حول السيارة , يريد ان يساعد , يتمني ان سوءاً لم يحدث لسائق السيارة , عبد الرحمن دائماً يساعد , مصلحة الخير فوق مصلحته , عبد الرحمن وُلد ب"أنا" شبه معدومة , لا يوجد احد لا يحب عبد الرحمن و لا يحترمه , شبهه تلك المرة احد "تجار الحشيش "في شارعه , ان عبد الرحمن " تقول نبي " , ذلك التشبيه عني الكثير لعبد الرحمن. إستطاع تجمع الناس و منهم عبد الرحمن إنقاذ الرجل , عبد الرحمن صرخ و قال " بعدوا من علي السيارة , مرات تتفجر , بتش فيها النار " .

مراد راي الحادث من بعيد , ركن سيارته و نزل منها لكي يحاول ان يساعد , فقد وعد نفسه انه من اليوم سيكون إنساناً افضل , إنساناً اشجع , اليوم قرر ان يكون إنساناً . اثناء عبوره الشارع إلي الجهة الثانية من الطريق حيثما يوجد الحادث , سمع صراخاً من احد الاشخاص " ردبالك من السيارة الجاية , ردبالك من السيارة , شوف إيمينك " . حاول عبد الرحمن ان يُنبه مراد , لكن مراد لم يفهم منه شي , سقط مراد علي الارض مهمشاً متحطماً ميتةً لا روح و لا نفس فيها , لقد ضربته السيارة المسرعة الذي كان سائقها ينظر إلي السيارة المحترقة منبهراً مصدوماً و خائفاً .

اسرع عبد الرحمن إلي مراد , يحاول إنقاذه لكن للاسف وجد انه لا امل لإنقاذ إنسانٍ يده في جهة و راسه في جهة آخري. اثناء الليل لم يستطع عبد الرحمن النوم , جُل ما يفكر فيه هو مراد " ذلك الرجل الذي لم يستطع تحذيره في الوقت المناسب " , ذلك الرجل الذي مات امامه , تذكر عبد الرحمن ان امه لديها بعض حبوب النوم في "دولاب" الادوية في الكوجينة , عبد الرحمن يريد ان ينام , يريد ان يقتل الذنب , اخذ عبد الرحمن حبة واحدة لكن قرر بعدها ان واحدة لا تكفيه , ربما يحتاج إلي 3 او 4 او حتي 5 ,قرر انه سيبلع شريط الدواء باكمله , ذهب إلي غرفته و إستلقي علي سريره و قال في نفسه " الان استطيع النوم . "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??