الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لطفية الدليمي.. و مدنها

عادل سعيد

2013 / 3 / 27
الادب والفن


قراءة في كتاب ( يوميات المدن ) للروائية لطفية الدليمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المرأةهي المستقبل اشبنغلر

* المرأة مستقبل العالم ، وانتِ مستقبلي اراغون


حين يمر العالم امامنا بمدنه و ناسه وعمرانه وشوارعه و اسواقه ، نتذكر رحالتنا السعيد
ابن بطوطة ، وهو يطوف و يتعايش و يسجل و يدون يومياته بقلم الزائر الهادئ الذي حـلّ
ضيفا مكرما في العديد من المدن ، فلم تستشعر خطاه التيه ، و لم تفترس روحه الغربة
و لكن ان يردّكَ رصيف الى رصيف و تتعثر روحك بين الأجساد و الملامح و النظرات ، فهذا
يعني انك لا تنتمي الى المكان و لا الزمان و لا الون و لا الرائحة . لست سوى غريب
والتغرب او اللجوء او المهجر ، مجاورة لسمات العدم ، لأنه يعني ( المسافة بين كينونة
ناجزة مهددة و صيرورة مستحيلة ، وهو حالة من ضياع القصد و الدوران في حلقة مفرغة
من ضلال الخطى ) ، والغريب ، كما عبر عن حالته شاعر قديم مجهول :
اِن الغريبَ لهُ استكانةُ مُذنبٍ
و خضوعُ مديونٍ و ذلُّ غريبِ
فإذا تكلّمَ في المجالسِ مُبرمٌ
واذا اصابَ ، يُقالُ غير مصيبِ
وقد يحتمي الغريب وهو يتفشى في غُربته ، بلغته ( كقميص مضاد للضلال ) اما اللغــة
الأخرى ، فستكون شبه فندقٍ يقيمُ فيه الغريبُ مؤقتا ، بعدَ ان غادرَ وطنا ، بدا هو الآخر
.ضيقا بمساحة و مضمون فندقٍ انتهت صلاحيةُ اقامتنا قيه .
و وسط مدينة كباريس بجمالها و انوارها ومعمارها و حدائقها تتحصنُ الغريبة ( الكاتبة ) بما
بما اختزنته في ذاكرتها و روحها عن هذه المدينة ، خصوصا فنونها و آدابها و تاريخــــــها
لتكون بمثابة الظل الحاني والصديق ، الذي اشار اليه محمود درويش ( ظل الغريب علـى
الغريب عباءةٌ )و في باريس لابد ان يحظر اجمل فتيانها الشاعر و ( النخاس و مهـــــــرب
الأرواح ) لاحقا ، آرثر رامبو بسحر شعره و عبقه و تاريخ حياته اثر زيارة الكاتبة لمنطقــــة
شارلفيل حيث بيته والحي الذي نشأ فيه ، وسيكون لرامبو هنا ( دفء الظل ) ) و حنو
الرفيق ، رفيق التغرب والتشرد ، حين قادته حياته الغريبة الى مجاهل اثيوبيا و عـــــدن
وفي كل هذا فالعراق حاضر في كل زاوية او شارع او التفاتة في باريس ، انها باريــــــس
عراقيا!! .. والمدن في ( يومياتها ) لا تجري وفق يومياتها هي ، بل وفق يوميات الغريبــــه
وطقسها الداخلي ، و حتى ازمنتها لا تحضر بتوقيتاتها هي ، بل بتوقيت عراقي :
( وحدي احمل وطنا زائلا ، وحولي المدن ، ارشف الشاي وأراك تنبثق من العبير الساخن ،
وحين احيطك بذراعيّ، لا امسك الا الهواء ، اعدو في مياهك ( العراق ) لا شيئ سوى اصداء
من طوفان التكايا ، وفقهاء يتداولون جدل التطهر من قطرة دم او لمسة انثى فبيل الركوع
و سادة الموت بعمائم بيض و سود وقبعات ، يرددون اهازيج القتل برمّانات وسيوف و فتاوى ) .
و الملاحظ في اسلوب الكاتبة لطفية الدليمي ، كما هو في روايتها ( سيدات زحل ) ان
الزمن لديها سائل تتحرك على مسطحه عبورا الى الماضي ، او تغوص في نقطة مـــــا
فيه مستعيرة مقطعا تاريخيا ، او حكائيا، او اسطوريا ، لتسليط الضوء على قضية او فكرة
.تود لفت الإنتباه اليها او تبنيها حتى ، دون التصريح بذلك بجمل جاهزة او جازمة
و كذلك فيما يخص المكان ، فهي تؤخذ مقطعا او ( خلية ) من المدينة تشكل مركــــــز
النبض او التوتر فيها، بما يؤمن ايصال المكان الى القارئ بأجوائه و طقوسه و روائــــــحه
كما ان الثيمات التي تعالجها الكاتبة، لا تكرس لها فصلا في الكتاب خاصا بها ، بــــــل ان
الكشف عنها او الحديث عنها ، نستخلصه من مجمل الكتاب . فالحديث عن بغداد المـوت
و القتل و الهتك والحرائق و الدمار ، نراه مبثوثا في فصول متفرقة من الكتاب ، وهي حين
تقابل بين المدينة كمقطع حي في الزمن، وبين المتحف كمحتوى تجمد فيه الزمن ، فهي
تفعل ذلك من اجل فضح التاريخ وهو ساكن مجمد في متحف او فضح تاريخ المدينة الحي
و دخان الحرائق ينبعث من ابنيته او الدماء تسيل في شوارعه . والمتحف التاريخي غير
محايد ، فهو يعرض الملوك والأميرات و ابّهاتهم و حليهم و ذهبهم ، و لكنه لا يعرض رعب
الرجال والنساء من وصائف الملكة الذين دفنوا احياء ، و لا يعرض صيحات الحلاج و انيـــن
السهروردي و هلع ابن المقفع ، واذا انصف المتحف يوما وفعل ذلك ، فأين سيضع مــــن
دفنهم صدام في مقابره الجماعية !؟
وفي حديثها عن التاريخ ، تشير الى نوع من النوستالجيا ( المريضة ) حين تقول :
( اَن يكون لشعب ما تاريخ طويل تهاوى اثر هزائم او انتكاسات ، فذلك يعني وجود جرح عميق
يدفع به الى الإنغماس في توهمات طفولية و هوس مرضي في عشق الماضي الذي يوفر
له ملاذا من عدم توائمه في الحاضر و عجزه عن تمثيله ) . ثم تورد مقولة لمونتســـــكيو
كضد نوعي ، تقول: ان الشعوب السعيدة لا تاريخ لها . فهي شعوب تحيي الزمن فـــي
.مدى الراهن ، و ترنو الى وعد الغد ، و لا تلتفت قط الى الوراء .
( و يبقى التاريخ جثة مبهرجة ببريق الذهب و الأكاذيب ، فيما يختض جسد الفن بالرؤى
و الرغبات و تجليات الجمال ) .. تقول الكاتبة هذا ، وهي تتحدث عن نوع من المتاحــف
لا يحفل بالزيف وتلافيق التاريخ و المؤرخين ، الا وهي متاحف الفنون التشكيلية ، التي
تعرض ابداع الرسامين ، وما اسبغوه على العالم من جمال ، ومنهم الرسام هودلر
في متحف زيورخ ، الذي ابدع في تصوير جمال المرأة وبذخ جسدها ، باعتبار الإحتفاء
بالمرأة احتفاء بالحياة ، والفن كما قال نيتشة ، يتشهى الحياة ، والحياة امرأة ، و المستقبل امرأة ،
او كما قال الفيلسوف اشبنغلر: ( المراة هي المستقبل ) ، وهذا يذكر بمقولة اراغون :
المرأة مستقبل العالم ... و انت مستقبلي!
و قضية المرأة هي قضية محورية في جميع اعمال المبدعة لطفيــــــــــة الدليـــــــــــــــمي
فهي حتى حين تتحدث عن اساطير وادي الرافدين مثلا ، فهي تناقـــــــــش
الأسطورة وكيف تناولت موضوعة المرأة . ففي اسطورة ( انوما آليش ........ ....حينما
في الأعالي ) تبرز كيف ان المؤلف و الآلهة قد تآمروا على الملكة الأم تيامات ، و قاموا
بقتلها ، في اشارة الى انهاء العصر الأمومي او عصر المرأة ، رغم الإشارة الى ان دمها
عجن مع الطينة التي صنع منها البشر .وحين تتحدث عن ملحمة زيوسيدرا ؛ المــــلاح
التائه ، فهي تربطه ربطا ابداعيا لافتا ، بما جرى و يجري في العراق الآن ، حين تقول؛
دعوا السفينة تغرق، فالوا ذلك شرط التراجيديا ، دعوا الطوفان يطغى ، ذلك شــــرط
ظهور المنقذ وقيامته من غيبته . لماذا لم يتلق زيوسيدرا التائه فوق غمر الماء علامة
السماء !؟ هل كانت الرؤيا خديعة و الحلم فخا !؟ ماذا صحب الملاح في الفلك المنكود!؟
ذكورا مخصيين ام نساء عواقر !؟ ام مسوخا ستسود الأرض بحد السيف !؟ام حمل ضــــــراوة
الناس ، فتوالد منها رجال الكهوف براياتهم و سيوفهم و طواطم قبائلهم !؟ بماذا بنـــــى
الملاح سفينة الهلاك ؟ بالدموع ام بعجينة النفط و طحين الأجساد !؟ ام من زنبق
.سوسن ولبلاب!؟ وحده صبي عابق باللقاح ادرك ساخرا ، ان الفلك اكذوبة من صنع يأسنا
مَن لقّن الفتى حكمة ان لا يؤمن بحكمة ابدا!؟
وفي الكتاب اشارة الى مصطلح الأنتروبيا ، والذي جرى تعريفه من قبل عظيموف على انه
الحصيلة الكونية من الطاقة المتبددة عشوائيا وغير القابلة للإستغلال و الإسترجاع . وعلى هذا
الأساس ، بإمكاننا ان نخمن مقدار الطاقة المهدورة ، عراقيا ، باعتبارنا جزءا من هذا الكون
في عراق الهتك و الإبادة والفتك والحروب . على ان الكاتبة تفترض ( الحب ) كمضـــــــــاد
اساسي للإنتروبيا.
وفي الكتاب اشارة الى ( الوهم ) كعلاج ضد الخواء و العدم الناتج عن الحروب او الفشل
الشخصي ايضا . ثم تتحدث عن ان الفنان يحتمي بنوع خاص من الوهم ، ( الوهم الجميل )
مقابل قبح الواقع و سلطته الفاتكة.
و اذا عدنا الى اليوميات الأقسى ، يوميات بغداد ، تطرح السيدة لطفية سؤلا مشوبــــــا
بالمرارة والألم ، وهي تستذكر الموت والخراب في بغداد ما بعد منتصف العقد السابـــــق
فتستحضر ذهنية البرابرة الجدد من السلفيين ، الذين قدموا من عصور الخرافة ، ومجلدات
العفن ، وفتاوى الدم ، فهي تتساءل :
ــ لماذا لا تقبل بوجودي في الحياة ، كما انا ، بينما اقبل بوجودك كما انت !؟
وفي اختتام حديثنا الموجز عن المدن ويومياتها ، لابد من الإشارة الى اللغة الثرية والضـــخ
الشعري العالي ، هذه اللغة الفذه التي ابدعت السيدة لطفية في شحنها بأقصى حمولة
ممكنة من الإتقاد الشعري والفكري .
ولا بأس ان نورد اخيرا صرخة مقاتلة من امرأة قررت خوض حرب وجودها حتى النهاية ، حرب
دفاعها عن كينونتها كأنثى و امرأة وانسان ، يؤدي الحجر عليها في بيتها الى ظهور جيـــل
دموي قامع و مقموع ، في بلد اصبحت الحياة تُتداول فيه افتراضيا ، بعد كل هذا المــــوت
والموات :
( انا امرأة تجازف في كل برهة و تراوغ موتها . اتجول في ظلال الوحوش البشريةالتي ترفــــع *
سيوفها الصدئة ، تجز بها رقاب الخارجين على الخرافة ، و الذاهبين الى سلطة العقل . امضــــي
.قدما في مجازفاتي الخطرة ) ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف