الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسن الطاهر زروق وعدم الامتثال للصواب السياسى

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2013 / 3 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


المهمل فى كتابة التاريخ السياسى المتعلق بمسألة جنوب السودان هو تجنب الكثيرين من النخب المثقفة والسياسية عدم التحدث عن اختزال الحركة السياسية الجنوبية للصراع مع الشمال كونه صراعا ثقافيا وبالتالى سكوتها عن طبيعتة الحقيقية كجزء من الصراع بين قوى تقليدية شمالية تحتكر السلطة السياسية منذ رحيل الأستعمار البريطاني وبين الاغلبية الكادحة من جماهير شعوب السودان؛ وعطفاً على هذا كان نأى تلك النخب عن فضح قيادة الحركة الجنوبية باعتبار ان عدم ملامستها جوهر الصراع وأبعاده الحقيقية يشير لحرصها على اخفاء طبيعتها كقوى تقليدية لا تتطابق رؤاها ومصالحها مع تطلعات واحتياجات شعوب جنوب السودان. فالحركة الجنوبية ساعدت بموجب اتفاقية نيفاشا فى توطين سلطة الانقاذ بستارها الدينى وتم هذا انصياعاً لتوجيهات خارجية ولم تكن المحاججة بالوحدة الجاذبة الا نوع من التذاكى من قبل مَنْ لا خبرة له بالعمل السياسى.


والشئ االغريب هو ان بعض ابطال المعارضة مازالوا يرقصون، نكاية فى حكم الانقاذ، على مزمار الحركة الشعبية–جنوب السودان التى تركت بعد انفصال الاقليم مواطنيها فى الدولة الوليدة فريسة لواقع مظلم وأصبحت ذراعاً للقوى الاستعمارية والصهيونية الساعية لاعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. فسياسات قادة حكومة جنوب السودان وجماعة الحركة الشعبية (قطاع الشمال) تابوهات لا يجوز مسها. وصار نقد سياسات حكومة جنوب السودان تجاه السودان سباحة ضد الصواب السياسى (political correctness) المتمكن من معظم النخب المعارضة للانقاذ.


والاشد غرابة هو موقف أولئك المعارضين المتجاهل للدور اللاوطنى للشماليين الذين التحقوا بالحركة الشعبية ولم ينافسوا عضويتها الجنوبية فى منح الاولوية لمسألة الهوية فى التفسير السياسى لابعاد الصراع فقط، بل أصبحوا تحت رعاية حكومة جنوب السودان ومخابرات يورى موسيفيني مطية لتنفيذ الاجندات الغربية. فهذه المعارضة غاب عنها أن النضال (المشروع) لاسقاط سلطة الانقاذ، لكى يثمر ثمارا يعتد بها الشعب ونجاحات ترتقى بالوطن، من الضرورى أن توجه مساره نظرة نقدية تحدق بشجاعة فى حقائق الواقع وتناقضاته فى كليتها.


وتاريخنا السياسى يزخر بأمثلة رائدة فى منهج مواجهة الحقائق وعدم الانجراف مع التيار وتقليد الآخرين. ومنها موقف النائب البرلمانى الاستاذ حسن الطاهر زروق ممثل الجبهة المعادية للاستعمار فى البرلمان السودانى للفترة (1954-1956) حيال مسالة جنوب السودان موضوع عنايتنا فى هذا المقال. فعند بروز مسالة الجنوب، عقب منح بريطانيا ومصر الحكم الذاتى للسودان فى 1953، تصدى الاستاذ حسن الطاهر زروق صادعاً بحق جنوب السودان، عندما كان جزءاً من السودان الموحد، فى تكييف وضعه الداخلى، بما فيها تمتعه بالحكم الذاتى، وفق ارادته ضمن السودان الواحد؛ وكانت مداخلاته البرلمانية حول هذا الموضوع تتسم بالوضوح والصراحة وانعدام التوسل فيها بنهج الصواب السياسى مجاراة للآخرين الذين أختاروا دغدغة مشاعر المواطنين باطلاق الكلام الاعتباطى المنتفخ بالوعود الكاذبة عن وحدة البلاد، وربما لاتقاء هجوم ولعنات الموتورين.


فى أحد جلسات البرلمان السودانى لعام 1954 التى خصصت لمناقشة سياسة الحكومة تجاه المناطق المتخلفة أشتد حنق النائب البرلمانى الاستاذ حسن الطاهر زروق على مداخلات بعض نواب الاحزاب الطائفية والجنوبية باعتبارها جاءت من منطلق المزايدات. فعلق على مداخلة احد نواب حزب الامة بقوله : ” وعندى أن التحدث عن حل هذه المشاكل كان يقتضى أولاً أن نترك اسلوب الدعاية فى اقتراحاتنا كما فعل احد الأعضاء أمس إذ وقف ليدافع عن الجنوبيين ويطالب بحمايتهم من الراسماليين والمستغلين بينما نعلم جميعاً أنه هو احد ممثلى الإقطاع فى الشمال، ولو كان جاداً فيما يقول لطالب بإنهاء الإقطاع فى الشمال.“ ويمضى النائب فى مداخلته موجها حديثه الى كتلة الجنوبيين، الذين ثبتوا على رأيى واحد لم يتزحزحوا عنه قيد شعرة وهو المطالبة بالفدرالية بين طرفي البلاد او تقسيمها الى بلدين، قائلاً ”.......بقيت بعد ذلك مسألة جاءت فى حديث بعض الاعضاء المحترمين وهى (جنوبة) الجنوب، اننى أعتقد انه حتى بعد إنقضاء الاعوام الثلاثة فان السودنة لن تتم ولأن الجنوبيين إنما يقصدون بالجنوبة الانفراد بإدارة بلادهم وفى هذا تاخير لحرية البلاد، وهناك مبدأ آخر مستمد من إيماننا بوحدة هذه البلاد ، ألا وهو أن يعمل الناس فى كل الوظائف فى السودان شماله وجنوبه دون تفرقة أو تمييز، ولكنه لا يمكننا أن نقوم بخدمة هذا الغرض إذا راينا من اخوننا الجنوبيين تذمراً واحتجاجاً طول الوقت، وعليه فانى أناشدهم بأن يقدموا مشروعاً يساهمون به فى تطور الجنوب وبذلك يرسمون خطوة عملية تغنينا عن هذا التذمر والاحتجاج.“


وضع حسن الطاهر زروق نظرته، التى احتوتها مداخلاته البرلمانية، لمعالجة مسألة المناطق الأكثر تخلفا فى السودان بما فيها جنوب البلاد، ضمن الاطار الاجتماعي والاقتصادي الكلى للمجتمع. فبدلاًً عن إدامة الشكوى كان رأيه، فى جلسة برلمان 1954 المار ذكرها، أن المهمة الاساسية هى التصفية الكاملة للاستعمار الانجليزى المباشر، ومهد لهذه المهمة بتقديمه لمقترح يرى فيه السير على ”.....سياسة الأجر المتساوى بين العمال فى الجنوب والشمال اذا كانوا يؤدون نفس العمل. وتطبيق نفس السياسة على الموظفين فى طرفى البلاد“ ويمضى قائلاً ” بأن السبب الحقيقى لهذا الوضع المجحف هو الاستعمار البريطانى.“ ومقترح آخر راى فيه ” أن يستبدل الاداريون البريطانيون فى الجنوب بآخرين شماليين، خصوصاً...أن الاداريين الانجليز يتصرفون فى المناطق التى يحكمونها تصرفاً استبدادياً دكتاتورياً بحتاً. وفى ذلك خطر كبير على البلاد خصوصاً فى فترة الانتقال هذه......اما فيما يختص بالادارة القبلية فإنى أطالب الحكومة أن تجعلها أكثر ديمقراطية“...............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من