الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمنيات في عيد الشيوعيين

نصير عواد

2013 / 3 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يوم اختبل ديكتاتور العراق وشن حربه على جيرانه وأباد شعبه بالسلاح الكيمياوي، وسط صمت دولي مشبوه، أيقن المنفيون والمطاردون والسجناء أن نهايتهم ستكون طويلة ومؤلمة وأن لا أمل قريب بانتهاء الكابوس. كان الأشد تفاؤلا بين ضحايا الديكتاتور يفتقد الأمل بالعودة إلى المكان الأول وزيارة قبور من رحلوا في غيابه. أما الأشد يأسا، مثل كاتب السطور، فتخلى عن ساعته وألقى بالنهر دفاتره القديمة وتمنى لو أن تكون لديه أمنية فقط، تخفف عنه برودة المنفى. بموسكو الحمراء كان الأكثر ابتساما وتفاؤلا بيننا هو أبو سمير ( كمال شاكر السكرتير الحالي للحزب الشيوعي الكردستاني ) وأظن السبب في ذلك كان نجاته يومها من حكم الاعدام الصادر بحقه في فترة السبعينيات. وحين كنا نحسده على ضحكته نحن الشباب ونحاصره بأسئلتنا ومعاناتنا، وبحقيقة أننا نتعفن بالمنفى ونريد أن نفعل شيئا لوطننا وأهلنا المحاصرين، كان "أبو سمير" يهرب للماضي ويستحضر، كعادته، حكايات ونكات ومواقف تخفف من كثافة الأسئلة والمعاناة. كانت عينه اليسرى ترف حين لا يكون مقنعا، فهو يعرف عمق المأساة ولكن ماذا عساه أن يقول؟. اليوم سقط الديكتاتور، وأمسك ضحاياه بأطراف الكرسي لكن الأمور لم تتغير للأفضل وجرى تقسيم الغنيمة على أسس طائفية وعرقية مقيتة، صارت بسببها طموحاتنا وأمنياتنا لها طعم باهت، خصوصا بعد أن دخل الحزب الذي وضعنا أملنا فيه طرفا في اللعبة السياسية التي اشرف عليها المحتل الأمريكي. لكن الامنيات لم تتوقف واستمرت تتناسل في رحم الصراعات، مؤكدة أن أمنيات الوطنيين المحبين لوطنهم ليست فقط من صنع المخيلة والمعاناة بل لها ما يبررها على أرض الواقع، ولا نظن الوطنيين العراقيين بالغوا في تمنيهم عودة الروح الوطنية لبلد نهشته الصراعات الطائفية، ولم يشطحوا بعيدا لو تمنوا على أحزابنا السياسية العريقة أن تعيد ترتيب أولوياتها وبناء بيتها بما يخدم حاجة الشارع العراقي اليوم؟. إن الذكرى التاسعة والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عزيزة على قلوب الكثير من الوطنيين العراقيين، داخل الحزب وخارجه، وبهذه المناسبة نهنئ أنفسنا والعراقيين ونرجو أن يعم الخير والأمان بلدنا الحبيب، مرفقين معها بطاقة تهنئة وأمنيات شخصية مطرزة بالحب والأمل والمرارة ...
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن لا يأخذه الظن بأنه أمسى خارج المتن بسبب خروجه خال الوفاض من الانتخابات النيابية أو أنه أمسى رقما صغيرا في العملية السياسية الجارية بالعراق. فالوطن مازال يعاني من ثقوب شتى وأن الحزب عنده الخيوط والخبرة والمجالدة لرتق ما يحدث بثوب الوطنية العراقية. فلطالما كانت سياسات الحزب الوطنية ومواقفه المبدئية، لا عدد اعضائه فقط، هي التي تقود الجماهير وتُعبّر عن طموحاتها، وتاريخ العراق القريب فيه الكثير مما نقول .
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن يكون أقل تباهيا بالأسماء والشهداء والتاريخ النضالي، وأكثر من ذلك عملا وبحثا وقربا من حياة الناس. فجملة "حزب الشهداء" الخبرية صارت تجريدا صرفا ينطبق مضمونها على الكثير من الأحزاب الأخرى، بل تبنتها أغلب الأحزاب التي سببت الأذى للعراقيين، حتى صارت الجملة أشبه بسلعة سياسية رخيصة ومملة، ناهيك عن أن مسلسل الحروب الداخلية والخارجية لم يترك شارعا بالعراق من دون حكاية عن شهيد أو قتيل أو مفقود.
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن لا يعاند تقلبات الجو وضيق الأبناء المشاكسين بمناخ القداسة الخانق، في حفاضه على قادته من الصدأ ومرض الانفلونزا، أبد الدهر. فلقد سبق للحزب أن لقن رفاقه وأنصاره جملة (أن التجديد ظاهرة عافية لا العكس). وفي فهمنا المتواضع أن قوانين الصراع والتطور التي يتبناها حزب الشيوعيين تسري عليه كذلك وقد تأخذه، في غياب التغيير، إلى نفس المكان الذي طالما هدد خصومه به.
_ لا نميل إلى هدم سد الأسرار وشيوع الليبرالية داخل التنظيم ولكننا نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن يكون أكثر قربا من رفاقه وأن لا يبخل عليهم بالمعلومات والمتغيرات وبعض القرارات التي يتخذها(في السر) فذلك أفضل من أن تصلهم بواسطة الآخرين، بعد أن تدور دورة كاملة، أو أن يطلعوا عليها عبر الصحافة والإعلام. فخيبة الظن الرفاقية غالبا ما تترك غصة في بلعوم المناضلين الحقيقيين، تدفعهم إلى إعادة شريط الأحداث والمواقف والتحسّر على خبر بائت.
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي، بعد انهيار النظام الاشتراكي وعبور مرحلة احتكار الصواب والحقيقة المطلقة، أن يهمس لأعضائه وكوادره بالتخفيف من تلك النبرة الاسطورية في حديثهم عن أنفسهم وتاريخهم وتجاربهم وأن يتخلصوا من تلك الابتسامة الخفية، المحتمية بالصمت والزهو، والتي تمنح صاحبها حضورا وموقعا يسمح له بتوزيع صكوك اليقين والوطنية والخيانة والشجاعة على الآخرين. فإن انفضاض الناس وصعود الصراعات الثانوية إلى الواجهة من صميم هذه، الابتسامة الخفية والنبرة الاسطورية، التي تستخف بالآخر إن كان فردا أو مجموعة.
_ نتمنى على الحزب أن يطرح عن ظهره عباءة "حلال المشاكل، الأخ الأكبر، السياسي الموضوعي" ففي بلد يُسرق في وضح النهار ويُقتل أبنائه على الهوية بفضل المليشيات المسلحة، وتزداد فيه نسب الجهل والفقر والمرض لا ينبغي على حزب الطبقة العاملة أن يكون محايدا، وعليه أن يكون له موقف واضح وموقع مؤثر في الصراع الدائر، حتى لا يضيع بين الأقدام والاجندات.
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن لا يشغل موقعا أو منصبا أو يقيم علاقة سياسية تسيء إلى تاريخه وشهدائه. كما فعل، على سبيل المثال لا الحصر، في تسنمه رئاسة مجلس الحكم في عهد الرديء بول بريمر، محسوب على الطائفة الشيعية. وأن يقتنع الحزب بقدراته الذاتية وأن يؤمن بأن قدره الحالي هو الاستمرار بالسير وسط الناس، يستمع إليهم ويسمعهم كلامه، والأهم من كل ذلك الكف عن فتح الدكاكين الديموقراطية كلما أحس بالخسارة أو وجد مؤسسته السياسية خالية من الزبائن.
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن يكون تاريخ التحالفات المؤلمة "أردت القول الفاشلة" قد عَلّمه أن التحالف ليس تبعية، وعَلّمه أن فهم ومداراة السياسي الآخر لا تأتي على حساب الحزب وشهدائه، وعَلّمه أن خيمة التحالف كثيرا ما تخفي تحت سجاجيدها سكاكين محلية قاتلة، مرة شهرها بوجوههم المقبور صدام حسين ومرة أخرى أنبتها في ظهورهم الثعلب المريض جلال الطالباني. وقد آن الأوان لكي ينفض الحزب عن ثوبه الأفكار السلبية التي كرست وصورت قدره في أن يكون على الدوام ضحية.
_ نتمنى على الحزب أن يقول لرفاقه، الذين هم اليوم خارج صفوفه، أن اختيارهم كان صحيحا وأن الفكرة التي نشئوا عليها باقية (مصباح جيب) لا يُطفئ ضوئها خلاف ولا تنتهي حاجتها بانتهاء ليلة واحدة حالكة، وأن التضحيات والأعوام التي أفنوها في النضال والقتال لم تذهب سدى وأن الحزب لن يبيع تاريخه ورفاقه. في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الوطنيين العراقيين نود تذكير الحزب بحقيقة إن الشيوعيين الذين هم من دون حزب شيوعي ما زالوا أمينين على المبادئ والتاريخ، وأكثر وطنية من المتسلقين والانتهازيين، وما زالوا ينشدون أغانيهم القديمة (ما جيت عله بالي تبيع بيه وتشتري بالسوكَـ .. لا ما جيت).
_ نتمنى على الحزب الشيوعي العراقي أن لا يكون طرفا مساهما في مسح ذاكرة الشعوب. الحزب يعرف جيدا أن عوائل الشهداء لم تنسَ أبنائها بعد، وأنها صاحبة حقوق لا ذكريات تتسلى بها في الأمسيات واللقاءات. وأنها ،عوائل الشهداء، حتى لو رضيت بالجلوس في المواقع الخلفية للحفل فإنها على قناعة بأن الحفل أقيم من أجلها وأن الكلمات قيلت عن أبنائها، ولذلك لا يرضي هذه العوائل المداهنة ومداراة القاتل حرصا على علاقات ومصالح حزبية ضيقة، مثلما لا يرضيها مقايضة أبنائها بحفنة دنانير. نحن لا نتحدث فقط عن أسماء وأشخاص، فلسنا بدوا أو طلاب ثار، ولكننا نتحدث عن مبادئ إنسانية عامة ضد القتل والاعتداء في مستقبل بلدنا العراق. نقولها بمرارة أن المداهنة تثلم المصداقية، وأن الوقوف طويلا عند الشهداء الأوائل أو شهداء شباط الأسود(1963) أو شهداء الجبهة الوطنية (1978) ومن ثم العبور سريعا على شهداء بشتآشان (1983) على الرغم من وجود الأسماء والأسباب والقرائن، هو ثلمة فاقعة. فكلهم شهداء الحزب. وإذا لم يستطع الحزب الشيوعي العراقي اصدار بيان في ذكرى مجزرة بشتاشان فسنبحث له عن تسع وسبعين عذر وأنه لا يود زعل قادة "أوك" ولكن لا يضر كثيرا أن تمر صحافة الحزب الرسمية هذا العام على ذكر شهداء المجزرة بسطرين، أكرام لهم واحترام لذويهم وإنصاف للتاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير