الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يومنا الوطني، يوم الأرض الخالد

سمر أبوركبة

2013 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



يوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في الثلاثين من آذار من العام 1976، على شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية في معظم القرى والمدن والتجمعات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، احتجاجاً على سياسة التمييز العنصري، ومصادرة الأراضي التي تمارسها السلطات الاسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، الصامدين على أرضهم. كما شارك في انتفاضة يوم الأرض الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967، ليشكل بذلك حدثا فلسطينيا وطنيا جامعا، ورمزا لوحدة هذا الشعب ولحمته وتمسكه بأرض آبائه.

كان السبب المباشر ليوم الأرض إقدام السلطات الاسرائيلية يوم التاسع والعشرين من شباط من هذا العام، على مصادرة نحو21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل ومنها عرابة، سخنين، دير حنا وعرب السواعد وغيرها لتخصيصها لإقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في نطاق خطة تهويد الجليل وتفريغه من سكانه العرب. وهو ما أدى الى إعلان الفلسطينيين الداخل وخصوصا المتضررين المباشرين عن إعلان الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار. وفي هذا اليوم أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث إضراباً عاماً، وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين والقوات الإسرائيلية، وكانت أعنف الصدامات في قرى سخنين وعرابة وديرحنا.

بلغت حصيلة أحداث يوم الأرض ستة من الشهداء الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة ثرى أرض الآباء والأجداد وسقطوا دفاعاً عن حقهم وأرضهم، لأنهم يحبون وطنهم وأرضهم. إن الإنسان الفلسطيني يحب وطنه ويحن إليه دائماً إذا ما ابتعد عنه، فالوطن ليس مكان للعيش فقط، بل هو العنوان والملاذ والمستقر، هو جزء من حياة المواطن الفلسطيني، امتزج حبه بعقله وقلبه حتى أصبح الفلسطيني يضحي بالغالي والنفيس في سبيل تحريره وإحقاق حقوقه. إن حب الوطن غريزة في النفس.
إن حب الوطن والأرض عند الفلسطيني واجب، وذلك لما لفلسطين من مزايا كثيرة، فهي مهد الحضارات ومنطلق الرسالات، واليها أسرى برسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم) ومنها عرج به إلى السماوات العلى، وفيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد المساجد التي تشد إليها الرحال. عن
ابي هريرة رلاضي الله عنه قال : قال رسول الله : لا تشد الرحال الا الي ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام والمسجد الاقصي ومسجدي هذا.
وكذلك أرض فلسطين أرض مقدسة عند المسيحيين ففيها كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم والبشارة في الناصرة. وقد بارك الله عز وجل أرض فلسطين في القران الكريم فقال : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله". إن حب الوطن من الدين، وجعل الإسلام الدفاع عن الوطن فرضاً على كل مسلم إذا ما أغتصب شبرَ من أرضه، وهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يعز عليه ترك مكة حينما هاجر منها بدينه فنظر إليها نظرة المحب المشتاق وقال مودعاً : "والله إنك لخير أرض الله، وأحبُ أرض الله إلي ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجت" (رواه الترمذي). وعن ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" (رواه الترمذي).
ومثلما ظلت الأرض تشكل العنوان الرئيسي للصراع الفلسطيني ـ الصهيوني والصراع العربي ـ الصهيوني بشكل عام بالنسبة للكيان الصهيوني منذ ولادته القيصرية في قلب الوطن العربي عام 1948 وفق ما أشرت إليه جميع الأدبيات الصهيونية والخرافات التوراتية التي اعتبرت "زوراً وبهتاناً" أرض فلسطين ركيزة إنجاح المشروع الصهيوني الذي بشر به تيودور هرتزل اليهود أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 وتبنته في ما بعد جميع المؤتمرات الصهيونية الأخرى، فإنها ظلت هي الأخرى تشكل لب قضية وجود ومستقبل وبقاء الفلسطينيين وربما العرب جميعاً، الأمر الذي يجعل من التشبث بها والنضال الدؤوب من أجل الحفاظ عليها حرة ومستقلة مسألة حتمية ومصيرية لا حياد عنها ولا نقاش حولها أو مساومة بشأنها
وعلى أرضية هذه الحقيقة وإيمان الفلسطينيين بقدسية أرضهم حدثت انتفاضة 30 آذار 1976 المجيدة في الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة عام 1948 وانتفاضتا 1987 و2000 المباركتان في الأراضي الفلسطينية التي احتلوها عام .1967
ففي 30 آذار 1976 وبعد حوالي ثمانية وعشرين عاماً من المعاناة الشاقة والمريرة التي لا يحتملها بشر ولا حجر، قام فلسطينيو 48 بانتفاضتهم العفوية والسلمية ضد سلطة الاحتلال الصهيوني.
ومما لا شك فيه أن ما يزيد من أسى ومرارة الفلسطينيين هو أن الذكرى تحل عليهم هذه العام في ظل تواصل الانقسام والتباعد بين سلطتي الحكم الوهميتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل أوضاع مأساوية غريبة ومريبة طغت على المشهد العربي، بفعل انحراف الجامعة العربية عن المسار الذي إنشئت من أجله في أربعينيات القرن الماضي وتحولها من إطار للم الشمل والسعي للتوحيد وتحقيق الوحدة إلى إطار للتقسيم والتفتيت والتجزئة، تهيمن عليه بعض الأقطار العربية المرتهنة لخدمة المشروع الأميركي - الصهيوني الجهنمي في الوطن العربي.
أجمع المحللون على أن "يوم الأرض"، بكل ما رافقه من دموية ووحشية وما نجم عنه من نتائج واستحقاقات مؤلمة وكارثية، لم يزل يُمثل حدثاً تاريخياً مهماً وملمحاً سياسياً مضيئاً في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني وتاريخ الأمة العربية ونضالها القومي، باعتباره اليوم الذي عبر فيه فلسطينيو 48 عن رفضهم القاطع لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها عليهم سلطة الاحتلال الصهيوني الفاشية، من خلال انتفاضة عارمة أعلنوا فيها بدمائهم الطاهرة إصرارهم على التشبث بأرض الآباء والأجداد وتمسكهم بهويتهم الوطنية وبحقهم المشروع في الدفاع عن وجودهم وانتمائهم الوطني الفلسطيني والقومي العربي، رغم مؤامرة التهويد المتواصلة والمترافقة مع عمليات الإرهاب والقتل والتنكيل التي ما برحت تلك السلطة العاتية تمارسها بحق الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة الكبرى، بهدف اقتلاعه من أرضه وتهجيره وإبعاده عن وطنه وتشتيته في أصقاع المعمورة ومحاولة تذويبه في مجتمعات أخرى لا يربطه بها شيء من التقاليد والعادات والأعراف والتاريخ والجغرافيا، والتي كان آخر مظاهرها البشعة ما حدث ويلم يزل يتواصل في المسجد الأقصى وأكنافه وفي القدس وكل فلسطين.
صحيح أن الفلسطينيين واجهوا من المؤامرات ما لا يُحصى ولا يُعد ومروا بمحنٍ كثيرة وكبيرة وتحملوا من الضغوط والآلام ما لم يتحمله شعب فوق هذه الأرض. لكن الصحيح أيضاً أنه لا يوجد بينهم من يرضى أن يُفرط بشبر واحد من أرض الآباء والأجداد، بغض النظر عما إذا كان مرابطاً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وعام 1967 أو مشرداً قسراً وبقوة الترحيل والتهجير في ديار الشتات الواسعة، ولا يوجد بينهم من يقبل المساومة على أي من الحقوق الوطنية والقومية الثابتة. ومهما تعاظمت وتظافرت الضغوط والمؤامرات والمحن والآلام التي تنتظرهم وتنتظر أرضهم في قابل الأيام، ومهما شطحت وانحرفت القلة الضالة من الأدوات الرخيصة والمرهونة لإرادة سلطة الاحتلال الغاشمة والإمبريالية الجديدة المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية، يظل الأمل موجوداً، لأن غالبيتهم قد حسمت أمرها وقررت بشكل نهائي أن تكون في جبهة المقاومة والممانعة حتى تحرير آخر ذرة من أرض فلسطين المقدسة.
رحم الله شهداء انتفاضة "يوم الأرض" ورحم كل شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية، وكل انتفاضة مباركة وكل ذكرى وطنية مشرفة وأنتم بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة