الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة المتوحشة .......من أجل ألا نصبح روبوتات غبية

عبد الاله بسكمار

2013 / 3 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


كما لو أن الأمر يتعلق مثلما يبدو لكل من يملك تعليما متوسطا أو ذكاء متواضعا بحركة بشرية هنا والآن وفق ترسيمة محددة سلفا ، ترسيمة " مبرمجة " عبر آليات مدروسة متوقعة ، ليس وراءها سوى الشركات العملاقة والمؤسسات الجهنمية أو بمعنى أدق الشركات المتعددة الجنسيات ، فالعولمة المتوحشة الآخذة في الامتداد والانتشار تتحول تدريجيا وبانسيابية رهيبة إلى " أمركة " بما تعنيه من نشر " النموذج الأمريكي " في الثقافة والقيم والمعرفة وهو شيء خطير بالطبع لم يسبق للبشرية أن عرفته طيلة تاريخها ، إذ بمعزل عن مقولة الغالب والمغلوب الخلدونية وحتى مقولة التقدم والتخلف الحداثية فالأمركة تصادر حق الاختلاف والتعدد بالنسبة للشعوب الأخرى خاصة المقهورة والمستضعفة منها والأمر ليس تهويلا أو وهما أو هوسا ذاتيا أو هياما بخصوصية معينة ، ما دامت المجتمعات الأوربية نفسها تشكو من اكتساح الثقافة الأمريكية لرأسمالها الرمزي ، وعلى حساب ثقافاتها الخاصة ....
الآليات الجهنمية تبدأ بشيفرات الحاسوب وتمر عبر السوبير مارشي وبورصة القيم ولا تنتهي عند شبكة مطاعم ماكدونالد ، طبعا العولمة المتوحشة لا تحصر عملها في الاستهلاك المحض - وهو فعل بشري معتاد يوازي الإنتاج بمفهومه النبيل – لكن صلب الإشكال يتجلى في تحويل الإنسان نفسه إلى حيوان استهلاكي يعيش عبرقوانين العرض والطلب ويذوب في السلع ليصبح هو نفسه سلعة في نهاية المطاف ، أليست العولمة المتوحشة تنميطا للإنسان و قولبة له بحيث تعيد تشكيله وفق ترسيمتها وفي أفق إنسان ذي بعد واحد بتعبير المفكر الأمريكي الراحل هربيرت ماركيوز فيلسوف الثورة الطلابية ( ماي 1968 ) ذلك هو البعد الاستهلاكي ، يمكن أن ينحدر فعليا إلى بعد تسطيحي تضبيعي بمعنى الكلمة .... نوفر لك وبمواصفات السوق ما أنت محتاج إليه وأكثر بشرط أن تقبل بقوانين السوق ووحشيته ومنها أن تصير أنت نفسك بعضا من هذه القوانين ، بين هذا وذاك تتبخر أوهام الحرية والديمقراطية والتعددية والاختيارات البشرية ومعها خصوصيات الشعوب ورأسمالها الرمزي وحقها في العيش الكريم أيضا الشيء الذي عبرت عنه حركة احتلال وول ستريت ومعها الحركات المضادة للعولمة في القارات الخمس ثم الاحتجاجات المضادة للمؤتمرات والتمثيليات الهزلية التي يؤديها رؤساء وزعماء الدول المتحكمة في زمام الأمور حول البيئة والتصحر والفقر والجوع في العالم ، لقد سبق لمنظمة الألوية الحمراء في ايطاليا صحبة اليسار الجديد المناضل أن سجلت في أدبياتها بالحرف "إننا نعيش عصر الدولة الشمولي وإذا لم نبادر بالهجوم ابتلعتنا كما ابتلعت غيرنا " وبذلك بررت قتلها واغتيالها لرموز النخبة السياسية بأن كل رمز يسقط يوازي انتفاضة في العالم الثالث (.....) ، ألم يسبق للمفكرين والمبدعين الغربيين أن أكدوا أن قوى القمع أصبحت تستعين بكل الأساليب ديمقراطية كانت أم ديكتاتورية ؟ وعلى العكس تماما ففي الوقت الذي بشر البعض بنهاية عهد الدول ذات السيادة نلمح تغول الرأسمال المتوحش حاليا في كل مكان وعلى حساب أغلب الشعوب بما فيها الشرائح المغلوبة على أمرها في الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية نفسها وهي ومعها الشعوب المستعمرة سابقا من يؤدي فواتير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للرأسمالية الجديدة / القديمة والعولمة المتوحشة ، والغريب أن تناقض هذا النظام الفظيع تعبر عنه آليات الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك لترويج العجلة الاقتصادية لكن في نفس الوقت تتسيد الدعوات إلى شد الأحزمة وبرامج التقشف المتجهة أساسا إلى الخدمات التعليمية والصحية والوظيفية التي تستفيد منها غالبية الشعب الفقيرة أو المتوسطة .
تبعا لمنطق الأشياء نفسها فالعولمة المتوحشة الحاملة لتناقضاتها الداخلية ما فتئت تفرز هي الأخرى قوى مضادة نابعة من صلب معاناة الشعوب ومتوجهة عموما ضد هذه العولمة التنميطية وآثارها المدمرة على كل البشرية ، فلا نهاية للتاريخ إذن !!!! القوى المضادة للعولمة تشمل من وجهة نظري حركات البيئة قوى المجتمع المدني المنظمات غير الحكومية الهيات الحقوقية القوى المناضلة في العالم الثالث بمختلف تلاوينها الحركة المضادة للبورصة بعض الأقليات المضطهدة التيارات الثقافية المعبرة عن الشعوب وتطلعها نحو الانعتاق والتحررفي إطار عالم منصف للجميع ،عالم متعدد الثقافات وان كانت تجمعه الحضارة التقنية الحالية أو ما يطلق عليه البعض العالم المتعدد الأقطاب فلتوجه القوى المناضلة كل جهودها ولتتكتل في أفق عالم أفضل لنا ولأبنائنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د