الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا الرجل نحبه

إكرام يوسف

2013 / 3 / 31
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"أن تكون في حضرة الدكتور العلامة المناضل الثائر الإنسان محمد غنيم، يعني أنك في حضرة أرقى صورالعلم الحقيقي، والنضال، والثورة، والنبل الإنساني!" هكذا كنت أردد لنفسي أثناء احتفالية مركز إعداد القادة بتكريم واحد من أجمل وأنبل من أنجبت مصر. ارفع راسك فوق انت مصري! لن تضيع بلد أنجبت محمد غنيم ولن تهون، وسوف تصل بأبنائها إلى ما تستحق ويستحقون! فلا معنى لليأس والإحباط، طالما يعيش بيننا رجل كهذا!
كان طبيعيا أن يكون الحاضرين من مختلف أطياف التيارات "الوطنية"، فربما لا يوجد في مصر الآن رمز يمثلنا جميعا، أكثر منه!
تحدث الرجل، ببساطة وبأرقى صور التواضع وأنبلها عن قصة نجاح الصرح العلمي الذي أسسه في المنصورة، مركز علاج أمراض الكلى، بأقل الإمكانيات المتاحة ومع العراقيل البيروقراطية المتوقعة من أنظمة حكم لا يهمها مصلحة الوطن بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالح الحاكم وحلفائه، في الخارج قبل الداخل. كنت أستمع إلى حديثه وهو يقول عن نفسه ومساعديه "بدأ الأمر بعملية نقل كلى من أم لابنتها قام بها أطباء مغمورون"! ثم صار لدينا صرح عالمي يحج إليه أطباء من مختلف دول أوروبا يتدربون، وينهلون منه العلم! تماما مثلما كان يحج في عصور قديمة إلى جامعتي "أون" و"طيبة" لتلقي العلم على أيدي المصريين، علماء وفلاسفة العالم ؛ منهم أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس، وأرشميدس، و الصيدلي "جالينوس" الذى نقل العلم إلى روما ومنها انتشر فى كثير من أنحاء العالم، والموسيقى اليوناني "بثاجوراس" واضع أصول النوتة الموسيقية والسلم الموسيقى - بعدما تعلمها في مصر، وغيرهم...
ولا شك أن محمد غنيم الذي ناضل في صفوف اليسار المصري منذ خمسينيات القرن الماضي، نموذج للمثقف العضوي الحقيقي الذي ينشغل بهموم مجتمعه؛ فلم ينعزل في معمله وبين أبحاثه. بل أن كل من تعامل معه أو زار صرحه العلمي، يتحدث باحترام عن تواضعه مع مرتادي المركز من الفقراء، وحرصه على المساواة في معاملة جميع المرضى بصرف النظر عن المستوى الاجتماعي. ويجمع كل من يعرف سيرة هذه القامة العلمية، على أنه يطبق العدالة الاجتماعية حقيقة، وفقا لانتمائه الفكري والسياسي والإنساني، من دون دعاية. ويقول الأستاذ جورج اسحق، القيادي في الجمعية الوطنية للتغيير، إنه أبلغ الدكتور غنيم عن حاجة شقيقه لجراحة في الكلى، فقال له: "ييجي المركز، ويقف في الطابور يقطع تذكرة زيه زي كل الناس"! ويؤكد أن شقيقه بمجرد أن فعل ذلك ودخل المستشفى، صار يعامل كما لو أنه "ملك الزمان"! وهي نفس المعاملة التي يلقاها جميع المرضى على السواء.
ويؤكد كل من اقترب من الرجل على أنه لا يحب أن يتحدث عن نفسه، ولا أن يمدحه أحد في وجوده، وعلى حد قول الروائي علاء الأسيوطي، ما أن تبدأ في مدحه، حتى يسارع إلى تغيير الحديث، كأن يقاطعك قائلا "وانت أخبارك ايه؟".
كان من الممكن أن كتفي بأبحاثه العلمية، فيحقق إنجازات تكتب باسمه في ساحات الطب والعلم في العالم، وهو يتنقل بين معمله ومكتبه، وبين عيادة أو مستشفى خاص باسمه في حي راق من أحياء القاهرة، يدر عليه ثروة هائلة تليق به، ويتحدث بتأفف واقتضاب إلى الآخرين؛ ويومها لن يلومه أحد، بل ربما يكون نجما من نجوم المجتمع، تتهافت على استضافته كافة وسائل الإعلام، ويصبح صديقا وسميرا للحكام في الداخل والخارج، يتنقل بين العواصم الكبرى، فيتسابق على استضافته المشاهير؛ لكنه آثر أن يكون متسقا مع مبادئه التي اعتنقها وعاش من أجلها. ترك العاصمة وأضواءها، واستقر في المنصورة؛ يكتفي براتبه الحكومي، وشقته البسيطة، وسيارته القديمة، ويتفرغ لعلاج فقراء الفلاحين بالمجان، والمشاركة في صفوف المناضلين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية، وتخليص الوطن من الاستبداد والفساد! وفي نفس الوقت، يحقق في صمت، إنجازات علمية تضعه في مصاف كبار علماء العالم؛ وتجعل أطباء أوروبيين يفخرون أنهم تلقوا العلم على يديه، حتى أنني سمعت خلال الحفل ـ للمرة الأولى ـ عن أبحاث يجريها على الخلايا الجذعية للتوصل إلى علاج لمرض السكر، من دون إعلان ولا دعاية.. تمتع الرجل بفضيلة الاستغناء، فصار من أغنى أغنياء العالم بالمعنى الإنساني النبيل لغنى النفس!
ولا شك أن قصة نجاح مركز غنيم لعلاج أمراض الكلى، تعبر عن قدرات إدارية فريدة يتمتع بها مؤسسه، فهو أسطورة نادرة في مجتمعنا للانضباط، وتطبيق قواعد الثواب والعقاب على الجميع من دون استثناءات؛ كما تكشف انحيازات الدكتور غنيم الاجتماعية، وانتماءه الوطني الذي دفعه لأن يخص فقراء بلده بثمار علمه وأبحاثه، بدلاً من أن يعبر الحدود إلى العالم المتقدم حيث كافة الإمكانيات للترقي العلمي وتحقيق المجد الشخصي، ويصبح الطريق مفتوحا أمامه لنيل الألقاب والجوائز العالمية. وكنا وقتها سنفخر به ـ أيضا ـ لأنه رفع اسم مصر عاليا أمام العالم!
ولم يبتعد بطلنا عن هموم الوطن يومًا، فكان في مقدمة صفوف الثوار منذ اليوم الأول للثورة؛ حتى أنه أثناء الانتخابات البرلمانية لجأت بعض عناصر الإخوان إلى التدليس على فقراء قرى الدقهلية وإشاعة أن الدكتور غنيم يؤيد رمز الميزان، ليشجعوا البسطاء على التصويت لرمز الأخوان! ومازال العالم القدير والمثقف العضوي يواصل مسيرة التغيير، ويسير في مظاهرات أبناء المنصورة ضد حكم الظلام، مقاوما الاستبداد والفساد، ومصرًا على استكمال الثورة حتى تحقيق أهدافها!

لكل هذه الأسباب، كان طبيعيًا أن يحتل الرجل مكانة يستحقها في قلوب المصريين. فعندما ارتفعت الأصوات الوطنية مطالبة بإسقاط المخلوع مع انتخابات 2005، ردد المتنطعون حجتهم البالية "من البديل؟"، وجاء اسم الدكتور غنيم ضمن أسماء الرموز المرشحة؛ إلا أنه آثر أن يسافر بنفسه إلى الخارج لدعوة الدكتور محمد البرادعي لقيادة مسيرة التغيير! وإزاء إصرار عدد من الوطنيين في الاحتفال بتكريمه على أن يتقدم الصفوف ليكون رئيسا لحكومة ظل وطنية، نلتف حوله جميعًا؛ قال إنه لا يتهرب من المسئولية، لكن رفيقة دربه ألمانية الأصل، رغم حصولها على الجنسية المصرية، ورغم أنها تمصرت تماما بعد أربعين عاما عاشتها في المنصورة؛ إلا أن دستور الأخوان لا يسمح له بتولي منصب سياسي بسبب هذا الزواج. وقال مبتسما "أنا لا أستطيع أن أغيرها، لكنكم تستطيعون تغيير الدستور". وهو محق تمامًا، فنحن نستحق مثل هذا الرجل، وعلينا أن ننتزع ما نستحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24