الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لي وطن من آلامي

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 4 / 11
الادب والفن


لا يمكن لهوية الإنسان أن تلعب دورا مؤثرا في القضايا الاجتماعية ، أو في اثبات النظريات السياسية أو بطلانها . فإنّي أشترك مع كثير من السويديين رغم اختلاف الهوية و لون البشرة في الكثير من المسائل ، وفي مقدمتها القلق و ثقل الواقع الرهيب على النفس و الروح. فاختلافي معهم في الهوية لا يؤخر و لا يقدم شيئا. فأتذكر مقطعا من قصيدة الشاعر الخالد سهراب سبهري :
"من أهل كاشان أنا لكن كاشان ليست مدينتي
مدينتي ضاعت
وأنا بالحمى شيدت مدينة في ضقة أخرى من الليل"
أنا أيضا لم تعد خانقين مدينتي ، إنها هجرتني و هجرتُها ، و قد شيدت لي مدينة من أحلامي و آلامي .
فالطفل، سواء الأوروبي أو الشرقي ، المقيم في السويد أم العراق، منذ أن يعي وجوده يحلم أن يغدو في كبره شخصا مهما ، أو ينال شهرة تطبق الآفاق و تشغل الناس ، رياضيا شهيرا ، فنانا معبود الملايين ، مثلا.
فيسعى مذذاك للتغلب على ما يقف في طريقه حجر عثرة ، و يحاول بوسائل عديدة أن يبدّل رتابة الحياة إلى شوق وبهجة . و في حوالي الخمسين ، عمر النضوج العقلي ، ينتابه قلق كبير في أن يموت دون أن يترك أثرا سوى زوجة ، إن كان متزوجا، لا تلبث تنساه بعد فترة وجيزة ، أو كتابات لا يستسيغ أحد أن يقرأها .


ربّما يلتقي المرء صدفة في مقهى أو حافلة رجلا أعمى ، أو شيخا طاعنا في السن ، عاجزا عن رؤيته جيدا ، يسأله: من أنت؟ صوتك ليس بغريب ، ألستَ ابن فلان ؟ يستدرك حينذاك أن والده لا يزال يُذكر ، و لكن ما جدوى الذكرى ؟ فيستدرك أن جدوى الذكريات يكمن في نوعيتها و كيفيتها ، لا مجرد كونها ذكريات فحسب. الحياة في الكهولة تتكرر غالبا في أقنعة وهمية مختلفة كثيرة يُخفي فيها المرء حقيقته و ذاته. و من حسن حظ الإنسان ، إن لم يكن من رعايا نظم الاستبداد في الشرق ، أو من المغضوب عليهم في الغرب، أنه يمكنه أن لا يفصح عن أمور كثيرة تخصّ شخصيته و تاريخه ، مثل عضويته في حزب ما ، وأمور عائلية ، أو عا هات غير مرئية لا تؤثر على الحضارة الإنسانية ، مباشرة على الأقل.
يشعر المرء في ذاته أن حرية الإختيار التي يتمتع بها ليست تعبيرا صادقا عن أناه ، بل أنها على الأرجح هروب من الواقع الذي يشكل حاجزا بينه و بين معيشته البريئة للحياة، و عليه أن يقتنع أن الحرية لم و لن تكون مطلقة . و يرى أن الصلات التي تتبلور إثر الإنتماءات الطبقية ، و الخلفيات الإثنية أو المناطقية تنفصم و تتحلل تحت تأثير التحولات في البنيان الاجتماعي، و بالتالي المنظومات الفكرية . لذلك يجهد في أن يبطل تذمره عبر مشاهدة برامج التلفزيون و الاستماع للموسيقى و الغناء ، وإن كان على ثقافة واسعة يتعامل مع النظريات الفلسفية قديمها و حديثها، أو يحاول كتابة مذكراته .
أعماله في هذا العمر تعطيه وعودا بالتحرر من القيود التاريخية و البيولوجية ، و تخاطبه : مالعمل ؟ إنها هكذا مثلما ترى ، لكنها ما كانت لتكون هكذا، كان يجب أن تختلف عما ترى. و حين يتم تبنّي مثل هذه الظاهرة و تسميتها يصبح لها وجود ، يغدو المرء جزء لايتجزأ منه. و لكن الهوية ، كما أرى، لا تلعب الدور الذي يمكن أن تلعبه المنزلة الإجتماعية و النظريات السياسية. و إن ّ الذين يعتبرون الهوية امكانية اختيار في هذه العاصفة الهوجاء لأنماط الحياة الثقافية و القوالب الأيديولوجية لا يريدون أن يفهموا أن ما يدعونه في الحقيقة ، هو مضاد للهوية . إنه تعبير عن الغرور الروحي الكامن في عمق اللاأدرية بدون رؤية وادراك مبادئ حركة التاريخ، كما أنه محاولات لملئ الفراغ و الخواء الذين يعانون منهما. وإن تضمين الحياة في منظومة غريبة لأسهل من رؤية مسيرتها القاسية عبر القرون ، حيث حياة الفرد مقررة في المكان المعين بالولادة والموت و الزمن و القدر. ومن الأفضل أن يسعى المرء للتغيير و التصحيح و التفكيك بوسائل اصطناعية من أن يعيش هكذا حياة مفروضة .
ربما كل الأمور سارت عبر الزمن هكذا. أحيانا نتمرد على التاريخ و نخاصمه بدل أن نخشاه ، مثلما كانت تفعل أجيال عديدة من قبل. فهذه هي طبيعة الإنسان.
غالبا أراني في صراع مع تفاهات الحياة و مع الأنا و الذات. إنّي أقيم في ثالثة أكبر مدن السويد ، مالمو، لكنّي أشعر بفراغ روحي و عزلة ، ليس من الناس فحسب ، بل من الحياة الرتيبة ، و من اختلاف الفصول و الحياة والموت ، و ربّما من الميتافيزيقا التي تبقى بعد رحيل البشر من الدنيا. فإنّي لا أخرج من البيت راكبا دراجتي الهوائية في الساعات المتأخرة من الليل بطرا و لا أشرا، بل هروبا من الواقع الذي يكاد يخنقني . و إنّ المرأة المتوحدة التي لا يأتيها النوم في الليل ، و تطل برأسها بين الفينة و الفينة من شباكها ، مثلي لا تتحمل الواقع ، و من يتحمل هذا الواقع حقا؟ من ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال


.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر




.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى


.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا




.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح