الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام السياسي والربيع العربي

عزمي ابراهيم موسى

2013 / 4 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



قد تكون أية قراه موضوعية للربيع العربي في الوقت الراهن امرأ في غاية الصعوبة والتعقيد , نظرا للمنحنيات المتعددة التي اتخذها مساره في الناحيتين السلمية والعسكرية . مما يوحي بان حالة التغيرات والتحولات داخل المشهد العربي القائم سوف تستمر لفترة , قبل ان تستقر على شكل محدد وواضح المعالم .
فالمهام والتحديات التي تواجه حركة التغير الاجتماعي كبيرة ومتشعبة وفق تشعب توجهات ومصالح القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية النافذة . فالدول الاستعمارية الرأسمالية , التي كانت قد رتبت أوضاعها في المنطقة ومنذ ما يزيد عن قرن من الزمان على قاعدة التبعية والهيمنة المباشرة أو من خلال وكلائها المحليين . سرعان ما بدأت تعيد رسم خرائطها من جديد , وصور تدخلها في صياغة المشهد العربي القادم . وذلك بأساليب سياسية وضغوط اقتصادية مباشرة في مصر وتونس , أو بالعودة الى استخدام القوة العسكرية في ليبيا , أو بطرق غير مباشرة , عبر حلفائها الإقليميين ( قطر والسعودية ) الذين تولوا تنفيذ سياستها, كما هو جاري في سوريا واليمن والبحرين .
لقد كشف الربيع العربي عن مدى عمق الأزمة البنيوية المزمنة والمستجدة , وعن التداخل العضوي بين مكوناتها , وسعة انتشارها في المجتمعات العربية . كما انه أزاح الغطاء عن مخزون هائل من التناقضات الداخلية الحادة , وعن غياب أولويات الصراع عند العديد من القوى السياسية , خاصة تلك القوى التي ما زالت محكومة بمرجعيات فكرية ماضوية ما قبل مدنية , وبعقلية قدرية أقصائية منغلقة على الذات وتنكر الأخر . هذه العقلية التي فعلت فعلها ورسخت مفاهيم وقيم غير حضارية , وإشاعة ثقافة الخنوع و التوسل والتسول .
فالوحدة لاجتماعية و حالة الاستقرار الداخلي والتعايش السلمي , القائمة قبل الربيع العربي , كانت شكلية سطحية , ليس لها جذور ولا تعكس البنية الحقيقية الهشة للمجتمع العربي . بل كانت قائمة بفعل قوة الاستبداد الأمني والقمعي للأنظمة الديكتاتورية . مما يؤكد حقيقة ان المجتمعات العربية , ما زالت تعيش علاقات إنتاج تتداخل فيها عدة أنماط إنتاجية . إقطاعية وشبة برجوازية , ما قبل رأسمالية .
هذا التداخل المضطرب في العلاقات الاجتماعية والسياسية الذي أفرزته علاقات إنتاج شبه برجوازية . الى جانب غياب الرؤية العلمية للواقع وعدم وضوح الأهداف السياسية المستقبلية , عند قطاعات اجتماعية واسعة . أربك الوعي العام ومزقه , ورفع منسوب الإحساس بالإحباط واليأس والشعور بتعويم الهوية بين ما هو وطني وقومي وديني . كما رفع من وتيرة الشعور بالخوف على الوجود والمصير , ومن الشك في جدوى التغير والتبديل . كل هذه العوامل المادية , أنتجت حالة التباس ومغالطات في آليات التفكير والتحليل لتفسير هذه الظاهرة الاجتماعية العربية . خاصة بعد التدخل العسكري الغربي المباشر في ليبيا , والغير مباشر في سوريا والغزو السعودي للبحرين . لذا فقد تعددت المفاهيم والتصورات , وتباينت الآراء حول هذا الحدث ( ثورات , انتفاضات , أم هي مجرد فوضى عامة ) , واختلفت المقاييس والمعايير ( وطنية ديمقراطية , أم هي ديكتاتوريات جديدة ) .
هذا الواقع المضطرب أثار العديد من الأسئلة المتنوعة والمفتوحة على كل الاتجاهات . والمتناسلة بالتوازي مع اتساع دائرة الحدث وتنوع القوى المؤثرة فيه . فهل يمكن اعتبار ما يجري , ثوره حقيقية تقطع مع الماضي طلبا للمستقبل الذي تنشده قطاعات واسعة من الجماهير . يبدأ من خلال إعادة بناء الذات في حاضرها على أساس الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الشاملة . أسوة بباقي شعوب الأرض التي سبقتنا في هذا المجال . بعد ان خرجنا من التاريخ عشرات السنين , واضعنا على أنفسنا القرن العشرين , القرن الاستثنائي في تاريخ البشرية ؟ أم هي حالة من إعادة إنتاج التخلف وتابيده في واقعنا , عبر المزيد من تمزيق الذات وتشرذمها على أسس طائفية وقبلية وإقليمية , من خلال زجها في صراعات تصفوية لانهائية , تدمر المجتمع وتصب في خدمة المشروع الصهيوني الأمريكي , والذي لطالما سعى الى تحقيقه وفرضه على شعوب المنطقة , تحت عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان , والدعوات المتكررة لشرق أوسط جديد أو الى الفوضى البناءة . حسب سياسة أليبراليين الجدد في أمريكا ؟
هذا الحدث الاجتماعي الكبير , الذي هز بعنف شديد بنية المجتمع العربي , حتى كادت ان تنهار . والوعي الاجتماعي العام , الذي اخذ يتخبط في ضحالة الفكر والمرجعيات , محاولا تفسيره وأدراكة . لا يمكن فهمه وتحليله بشكل علمي ومنطقي بمعزل عن قوانين الجدلية التاريخية , التي تحمل في ذاتها آليات الفهم العلمي للإحداث الاجتماعية الكبرى . لذلك وبغض النظر عن شكل الصراع الدائر واتجاهاته , فهو بدون شك صراع إرادات تقوده الكتلة التاريخية الثورية , صاحبة المصلحة الحقيقية في التغير مع قوى التخلف التقليدية . المسئولة عن عدم تطور وتقدم الشعوب العربية . هذه القوى التي نشطت في الدفاع عن ذاتها , مستخدمة كافة قواها السياسية والفكرية وعلاقاتها العضوية الداخلية والدولية التاريخية مع النظام الرأسمالي المعولم . بما في ذلك إثارة وتعزيز عناصر الكراهية بين مكونات البنية الاجتماعية الواحدة . بهدف حرف الصراع الطبقي عن مساره الطبيعي , وتجويفه لكي يصبح صراع طائفي , قبلي , وإقليمي . ووفق الشروط العينية الخاصة بكل بلد . لقد عملت علية واستثمرته قوى الشد العكسي , في قمع وتفكيك الثورات قبل ان تتجذر وتبني أطرها السياسية الخاصة بها . حيث تم تسويق الصراع السياسي في البحرين على أساس انه صراع طائفي . وفي الأردن على أساس انه صراع إقليمي يستهدف بنية وهوية الدولة الأردنية . وفي اليمن على اعتبار انه صراع قبلي .
لكن الواقع يخالف ذلك , وعلى النقيض مما يتم الترويج له . فالحقيقة التي لا يمكن القفز عنها تؤكد , ان ما يجري في الشارع العربي من انتفاضات وحراكات جماهيرية واسعة . ما هي في الواقع إلا لحظة انفجار الصراع الطبقي على السطح . فالجماهير التي انتفضت بدافع الفقر والقمع وفقدان الكرامة , مطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعي الشاملة . هي جموع الفقراء والكادحين والمهمشين وأصحاب الدخل المحدود . انتفضت في وجه سلطة اليمين السياسي والمالي , القائمة على الظلم والاستبداد ولا تتغذى إلا على الفساد . فهي إذن ثورات وطنية ديمقراطية ذات طابع برجوازي في شكلها . يروليتارية يسارية في مضمونها الاجتماعي . تستند على الكتلة التاريخية الواسعة , رافعة التغير والنهوض الاجتماعي . فمفهوم الظاهرة يستوعبها في هذا الإطار المبني . على ان ما يحدد مضمون أية حركة اجتماعية تحررية , تسعى الى تغير ما هو قائم . هو بعدها الطبقي والأهداف التي تسعى الى تحقيقها ومن ثم موقفها وموقعها من القوى الاستعمارية والنظام الرأسمالي العالمي .
ولأنها ثورات حقيقية . فقد تداعت عليها قوى محلية وإقليمية ودولية بهدف قطع الطريق عليها قبل تجذرها وتغير توجهها الاجتماعي . لذا فقد أرادت قواها المضادة ومن اعتلا موجتها وبالتحالف مع قوى إقليمية رجعية ودولية استعمارية . ان تكون حركة إصلاحية اقل من ثوريه في مصر وتونس واليمن . وفوضوية تدميرية في سوريا وليبيا والعراق , وأنكروا وجودها في البحرين .
فالثورات يمكن ان تكون جماهيرية عفوية تسبق القوى السياسية والحزبية , أو منظمة تحت قيادة سياسية محددة . وعلية فلا يجوز إسقاط هذا المفهوم ( ثورة ) عن الثورات العربية , لكونها عفوية تفتقد الى البنية الهيكلية والقيادة الجماهيرية . ولان الثورات العربية هي عفوية ذات طابع شعبي واسع , فمن الطبيعي ان تكون القوى السياسية الأكبر تنظيما والأكثر انتشارا في المجتمع , هي الأقدر على مسايرتها واعتلاء موجتها . وهذا بالطبع ما كان لقوى الإسلام السياسي . في ظل غياب وتراجع القوى اليسارية والقومية , وضعف بنيتها التنظيمية , وابتعادها عن الجماهير وعن منطق التحليل العلمي لمدى عمق الصراع الطبقي المتقد تحت سطح المجتمع العربي . حتى بدا للبعض وكأن الربيع العربي , هو ربيع الإسلام السياسي
من هنا , بات السؤال الأكثر إلحاحا وانتشارا يتمحور حول دور ومستقبل الحركات الدينية السياسي ؟ , وحول مدى ارتباطها بالقوى الرجعية الإقليمية والرأسمالية العالمية ؟ . والى أي مدا يمكن ان تكون بديلا حقيقيا عن الأنظمة الاستبدادية الفاسدة ؟ . خاصة وان الجميع يدرك بان هذه الحركات لم تكن البادئة في إشعال الانتفاضات الشعبية , بل كانت اللاحقة بها , بعد ان شعرت بان المناخ أصبح ملائما لكي تستحوذ على السلطة وتنفرد بها . برغم هذا ظلت مشاركتها جزئية وشكلية , إعلامية أكثر مما هي فعلية حقيقية على ارض الواقع .
انطلاقا من الدروس المستوحاة من التجارب الثورية الأممية , ومن القوانين المادية العلمية التي تؤكد على ان لكل فعل ردة فعل يعاكسه . فأن لكل ثورة اجتماعية قوى مضادة تعاكسها , وأخرى تسايرها بمقدار ما تحقق من خلالها مصالحها الفئوية الضيقة ثم تتخلى عنها . فهذه القوى لا تتحدد بذاتها ولا بقيادتها ولا بمعزل عن الصراع الطبقي . بل تتحدد بوضعها ودورها في عملية الصراع من اجل تثبيت هيمنة طبقة قائمة , أو من اجل فرض هيمنة طبقة نقيضه .
وفق ذلك , تشير كل الدلائل الموضوعية , الى انه لا يمكن اعتبار حركات الإسلام السياسي المتعددة والمتنوعة , النقيض الحقيقي للنظم الاستبدادية والأمنية . ليس فقط لأنها لا تحمل برامج سياسية واقتصادية تسعى من خلالها الى تحرير العلاقات الاقتصادية , ونظام الإنتاج من حالة التخلف والتبعية . بل لأنها في معادلة الصراع الطبقي , هي طرف من إطراف السلطة الطبقية القائمة على الفصل السياسي والاجتماعي , والتزاوج بين السلطة وشريحة رجال المال والإعمال , في مواجهة الطبقات الفقيرة والمهمشة .
فإذا كانت البرجوازية المالية المحلية , قد بنت ذاتها وعززت قوتها وقدرتها على قاعدة الفساد والنهب المتواصل لقدرات وطاقات الطبقات الفقيرة . فأن حركات الإسلام السياسي التي تملك ثروات مالية وقدرات تنظيمية هائلة , نتيجة التو ضيف المالي في شتى المجالات , ومواصلة تراكم فائض القيمة .و كذلك أثر التحالف التاريخي مع قوى التخلف والرجعية العربية في منطقة الخليج , ومع النظام الرأسمالي الاستعماري . حيث كانت احد أهم أدواته السياسية والعسكرية باسم المقدس في أفغانستان والبلقان والعراق وفي سوريا الآن . إضافة الى دورها في مواجهة القوى اليسارية والقومية إثناء الحرب الباردة . فهذه الحركات الدينية أيضا , قد استغلت ومنذ البداية , حالة البؤس واليأس عند الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تم إفقارها . في سبيل تحقيق مصالحها الفئوية الضيقة من جانب , ولعزل هذه الطبقات عن قواها الحقيقية الوطنية واليسارية , وكبح وحدتها الاجتماعية من جانب أخر . وذلك من خلال تبنيها للعديد من البرامج التمويلية العينية , تحت عناوين متعددة . والتي لا تسمن ولا تغني من جوع .بل تهدف بواسطتها الى تأبيد حالة الفقر , وإدامة هذا القطاع الاجتماعي الواسع تحت ضغط الحاجة المستمرة .
هذه السياسة الاستغلالية لحالة تردي الأوضاع الاجتماعية , الاستعلائية باسم المقدس الديني . وفرت لهذه القوى قاعدة شعبية , بين جموع المهمشين والمحتاجين . وخزان صوتي هائل . لا يترجم حقيقة التوازنات الاجتماعية القائمة , تلجئ إلية كلما استدعتها الضرورة . فبالطبع لا يمكن اعتبار ان هذه القاعدة الشعبية والصوتية متوافقة ومتفقة كليا مع برامج وسياسات , تم أختزالها في شعار ميتافيزيقي فضفاض ( الإسلام هو الحل ) , أمتزج فيه ما هو ديني مع ما هو ذاتي فئوي بهدف كسب تأيد هذه الجموع الشعبية . التي فقدت ثقتها بالقوى القومية التي وصلت الى السلطة في بعض البلدان العربية . وبالقوى اليسارية الكلاسيكية التي ترددت ولم تتقدم بشكل جدي لتتحمل مسؤولياتها التاريخية . حتى استقر بها المقام على هامش وإطراف الحركة الاجتماعية .
وبالتالي فان حركات الإسلام السياسي هي في حالة تناقض مع جوهر الدين في بعده الاجتماعي كقيمة معيارية أخلاقية مرتبطة بالمجتمعات الطبقية , تحرص على تحقيق التوازن العادل بين الطبقات الاجتماعية المتصارعة . فالمعايير والقيم تتبدل وتتغير بالتوازي مع حركة المجتمع وتقدمه مع ثبات جوهرها الإنساني .
ان ما يوحد السلطة السياسية القمعية والمعارضات الإسلامية , ومنذ البداية , بالإضافة الى العجز وانسداد الأفق وغياب الرؤية الموضوعية والتأرجح السياسي . هو ان كلاهما ينهلان من مراجع فكرية واحدة , تقليدية يمينية محافضة . ترفض التغير والحداثة , ولا تستجيب لحاجات المجتمع المتواصلة . كما إنهما ينتسبان الى فلسفة سياسية واقتصادية , تقدس الملكية الفردية , وتؤمن بمركزة رأس المال وبنهج التبعية الرأسمالية على حساب الفئات الشعبية الواسعة . كذلك ينطلقان من برامج وتطبيقات متشابهة ,قائمة على مصادرة الحريات والآراء العامة باسم المقدس , وعلى تسخيف وتسطيح استقلال وسيادة الأوطان , عبر إغراقها في مستنقع علاقات السيطرة والنهب والتبعية للنظام الرأسمالي العالمي , عبر الاعتماد المتزايد على المساعدات والقروض الغربية بشروطها السياسية المعروفة , والخضوع للأملاءات صندوق النقد الدولي . إضافة الى انتهاج سياسات متطابقة في إطار العلاقات الدولية .
كل هذه الحقائق الموضوعية , أكدتها التجربة وبشكل واضح في مصر وتونس وفي العديد من البلدان التي وصل فيها الإسلاميون الى السلطة .
في هذا الإطار , يمكن إدراك وتحليل الإحداث الجارية في المنطقة , واستيعاب مغزى الاستفراد بالسلطة , واليات عمل الإسلاميين المتعددة , والتي لا تنتهي بقمع وتقيد الحريات الفكرية والثقافية ,( تقديم رموز ثقافيه وفنية للمحكمات في مصر) . بل تمتد لتصل الى التهديدات والتصفيات الجسدية كما جرى للقائد شكري بلعيد في تونس .
تؤكد كل هذه المعطيات المادية المتصلة بالحركات الدينية منذ نشأتها والى الآن , بان هذه القوى لا يمكن ان تكون البديل الحقيقي والعملي للأنظمة السياسية الاستبدادية , ليس فقط في العالم العربي . بل وفي أي مكان أخر في هذا العالم بغض النظر عن ماهية الديانة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية