الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حافظة الاسرار / دراسة نقدية

واثق الجلبي

2013 / 4 / 1
الادب والفن


حافظة الاسرار

كريم توفيق الزبيدي
باحث ، ناقد، مصحح لغوي


واثق الجلبي من الشعراء المعدودين في العراق.. لقد سايرته وتابعته ما ينظم وينشر، فوجدته ينبض قوة واصالة ويتعطر باريج اشعاره وهي تتراءى كالورود ثم يقف في زاوية معينة على ركيزة ثابتة، حينئذ يرخي لعواطفه العنان، ولخياله ان يسبح في سماء الوجود لتضيء كل ما هو خاف، معتم، او غريب حجبته التقاليد، وتسترت عليه العادات، فيرى الدنيا تلونت مشاعرها، وغطتها سحب الاوهام.. والناس يتهافتون للا شيء، ويتباطئون لشيء.. وهم حيارى.
وشاعرنا – واثق الچلبي – يتمتع بنفس زكية، وحس مرهف، وتأمل الى ما يحيط به من الوجود، والكائنات الحية.. اما الحديث عن مواقفه النبيلة تجاه مجتمعه وما يتردد فيه فانه يطول.. وتكاد نظرته الفلسفية تتفوق، وتشيع في جميع اجواء قصائده بشكل تستدر مشاعرنا واعجابنا.
ونسير مع (واثق الجلبي) يدا بيد حتى نقف امام (حافظة الاسرار).. فاذا كان العنوان هكذا فكيف يتسنى لعواطفنا ان تهدأ وتحد من تلهفها:
اذا جاءك الموت. يصعد في الاخيلة
سريعا كنافورة الاحلام
تزيا له بالخبز
واحذر ان يبتليك الخوف

في شعر الجلبي – تردالالفاظ الفلسفية التي تشجع على الصمود، والتحدي، وطر الخوف:
انهض وحاول ان تموت واقفا.. وان يخترقك الرصاص
وان تهابك الايام، فليس لك وطن هنا
الاحزاب، والارهاب، والخراب هي عملة السائرين نحو اللهات
حمار من لم يستطعم المروءة في زمن الخيانة
ان اهم صفة عند – واثق الجلبي – هي الثقة بالنفس، ليكون الانسان قدوة ومثلا للمناضلين الاحرار:
اشرب من النور بذور الخلاص، وابذر من الضوء اجنحة التخلي..
هاك من العمق ما يظهر على السطح من اعماق النفوس
لا ترفع الفؤوس، فالرؤوس اغلى من الفناء
ثم يستمر شاعرنا بما يقدمه من الاراء الجميلة، والالفاظ في غير مكانها الحقيقي (الاستعارات) لتزيد من نظرته في الحياة، ومن حب القارئ المتلهف:
جراد يأكل الحطب، وروح لم تتنزل والاعظم في الخفاء
وريشتي لم يكتمل فيها النماء
ادعية لاقلام تؤرق اصحاب الوجوه
فتنفرد لها الاسئلة، والحمام لم ينج يوما
وكان الناس يرددون اصوات خوفهم
ومن مزايا الشاعر الموهوب ان يستعير صفات الكائن الحي وينسبها الى اشكال جامدة
الشجرة مريضة، والناقوس قهقهة طفل اخرس
ماذا يريد منا الضياء؟ الحمقى اعقل الناس في كل مكان مراحة عقولهم
من العرفان، ومن الزمان.. حد ان تتحلى عليك ان تنحني للمواعيد
الاطباق مليئة والكؤوس مترعة بالوباء
هذا المساء مد السنار، واطفئ اخر ما تبقى من العرق المنكود..
هذه الحدود معقودة، والانامل تذرع الاوراق
ويستمر الجلبي فيقدم لنا هذه المداورة الجميلة وهي لا تخلو من اراء فلسفية كعهدنا به حيث يشيع التساؤل المحبب:
العراق اول نبي قام فذبحوه بالحناجر والخناجر
واخر صمت لي هو ان اجني الاموال والافواه
ملعونة هذه الارض بالنور، وما زال الفلك يمشط شعره ويدور
اما من نخوة تثور؟
الثور ما زال يجر ناقوس الخور. والدمية العرجاء ما تزال تقص حكاياها على البشر
الا من مطر؟ الا من مطر؟
موتوا كالحصى المنقع بالبخور، وعلى ظهور النخيل تلتف الافاعي وحشرجة الدورات تقص اصابع الطابور.
هل تكتفي؟
لا اظل في كنف الاغتراف
ولاجل الا تقطع على القارئ اللبيب تلهفه وما يتذوقه من طعم الصور الجميلة نواصل متابعة الابيات الشعرية:
اصلي مرتشفا واضع مسبحتي لا خوفا، ولكني اخشى الزوايا
اذا ما تكلم سليمان مع النملة فانا من ظلال النمل خائف
اترصدها في القبر تنخر عظامي، وترشف ادامي
لتنجب المرايا، واظافري المعوجة ترقص بعد النوم
اكتي مخلوقة اخشى عليك من انتقالي اليك
ولا ينسى (الجلبي) ان يفيض على القصيدة ملامح دينية، يعرضها علينا
بشكل فلسفي، يصعب على القارئ ادراك معانيها.. وهذا هو سر خلودها:
هل ستحملي ما افكر فيه، وتمشين فوق الهواء لتعبري سليمان الى ضفة لم يستطع الوصول اليها.. موسى ينتقل قطراته سريعا في دمي، وهارون يصب النور فوق المئذنة..
لقد جاء يسوع بعدما سقى الارض بالدموع
يحمل الاكليل من هابيل، وقابيل.. صورة الحياة لابث فيها ولا شكوى
الموت قطعة حلوى.. يأكلها من جاع.. وكلنا جائعون.
عاتبون حد ان تسلخ النجوى من الضلوع
من جاءك بالسفينة لماذا صعد جدي..؟ هل كان مؤمنا بان الظلال
لا وجود لها الا في الاقبية..
هل كانت الكوفة بوابة الناس لمعراج الرمال؟
رب انا صديقك فافتح لي ذراعك فانا توحدك التغليف، وانا دمعة
الرجوع.. انت قبلتي، ومؤشري نحو الحقيقة..
ويستمر (وائق الجلبي) ليداعب اسماعنا ويضيء نفوسنا بلفسفته الراقية، وهو كما يبدو لم ينته.. انه دائم البحث عن سر الفناء، والخلود والهبوط والعظمة. القناعة وعدمها.. جريان لا ينتهي، اعادة وتكرار.. وبعد اليأس ينتهي قانعا ولكن الى حين.. وهذا هو مصير الانسان والبشرية.. وهنا تترادف المعاني السامية وهي دليل على القابلية التي يتمتع بها شاعرنا ابدا:
ضاع من لم يجدك ماثلا امامه.
اتوضأ من نورك ملاذا
وآتيك لواذا لم اشارك اهل العجل
ولم ابتدئ في ذلك الغابر فقد كنت حافرا وقع عليه الحافر..
واستضأت بنورك..
ها انا في محرابك طير بلا جناح..
واسير يحمل ما تبقى من السلاح
في هذا الزمن الخانع المعتوه لم اجد الا الفرار..
لا الرجل من الوجوه.. والمقبل عثرة اقدامي
وصول السهرة البائسة.
نم هانئا يا اصبغ الانبياء، ففي هذا المساء لم يبق لنا الا الانتظار..
وحدك مددت عقدك فلم يتناول الاطفال الا حبة النوم..
وها هم يكبرون.. ويكبرون وعلى مضنيا به يصيرون
طفولة الاب الميت، ونعومة الاطفال كلها تموت
صوت الرفرفة اسمعه يناديني
لابد ان تموت.. وسأموت وسيبقى صوتك
- انا الحي الذي لا يموت-
فهل للجنة مأوى بعد موت الملكوت؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?