الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيد المارد

يوسف الأخضر

2013 / 4 / 3
كتابات ساخرة


إن الاستعباد أنواع و مراتب، و من أنواعه استرقاق و إذلال، مراتب تكاد تُذهب المعنى و تغور غورا بين التسميات، حتى صار العبد خادما، و السيد مخدوما، فترى في الخادم الوقار و الترفع، و في المخدوم تواضعاً و طيبةً. أليس كل من أطاع أمراً عبداً؟ مهما تزين هذا الأمر بشتى أنواع الحُسن و أرقى مراتب الصلاح! أيعقل للفرد أن يتباهى بفردانيته وهو للأوامر ينصاع ؟
إن الأخطار لتحذق من كل الجوانب، ومنها ما على المرء اجتنابه، حتى إذا استهواها وهي في أعماق البحار تجد لها أثراً فيسهل تعقّبها وإن هي استهوت القعر و ترسّبت على الصخور، فهيا بنا ننتظر على اليابسة حتى يجف البحر فوقها، فلا يجد الصخر مراءً لافتضاحها. أما خطر استعباد الإنسان وهو على أقدامه سائر يتلفّت يمينا و يساراً، يترنح عسرا و يسراً، يشاء و لا يشاء، يحسُّ خطر ذاك التلفت قبل الترنح فيعلن مشيئته بعد اجتتاء ما لا تشاء نفسه الصافية من عكر وصدإٍ. فذاك أصل كل الشرور لأن به يمسو الإنسان نسياناً، والنسيان ثعلب ماكر.. إن العبد الذي يطيع أمر وليه مثله مثل الآلة التي تُشحن للعمل دورياً، تنفد ولا تبدع، بل و إن أبدعت يوما، وهذا كما يعلم الكل مستبعد، لا تبدع إلا وفق ما برمجت عليه، فيكون إبتداعا مستبقا و ناقصا لا إبداعا أصيلا، تعوزه الحرية و الاختيار. و من عزته الحرية مال إلى الخضوع و الاستعباد، كما أن فاقدها لا يملكها و لا يعطيها إلا بإيعاز من ثورة أو توافق كوني.
غالبا ما يسهل استعباد الأشخاص، و يكون من اليسير جعلهم يجتمعون على موضوع أو ذات معينة أو مجردة، و كل همهم الوحدة و القوة المفضية إلى الأنانية و النرجسية، فتصبح الذات غير مؤهلة لتفعيل النشاط الحيوي، و هو ذاك المنتوج الصرف الناتج عن الذات في تزامنها مع وجودها في الواقع، بل و تظل هذه الذات في تناسٍ عميق لنداء ضميرها ، الذي و إن أتقلها و أعيى صبرها فإنه، و في لحظات حاسمة و مهيبة، يسستأسدها وسط معتركها و يعذبها بلون ضيقها، فيضيق بالذات إطارها، تتلوث بنَفَسها و تدنو خفيةً هامسة لي بطيف عين نائمة، راجية مني منقذا لها من أوحال الغضب الثائر من حين. أجادلها فتغرق قدماي في الوحل المبعتر على مدخل الأوبرا .
أنقد ضميرك من تسلط أناك، و دع أناك تمطر حُباً و عتقا من أغلال الوصاية الزائفة، فليحتضر آخر ما تبقّى من ترسبات العبودية في أعماقك، كي تنهار آخر قلعة و تتشردم المملكة من حولها، فتشرق شمس الحرية من جديد ويبلغ شعاعها من اعتاد الظلمة، حتى يتبين له بين سرائر نفسه كل شعور نبيل و خالص. لقد اكتمل القمر في ليلة رمادية، و أمسى قرصا متوهجا ينير المسالك و الممرات، لا تجادل و لا تؤاخد الليل ظلمته، لأن ما لم تراه بالنهار يمكن أن يفضحه الليل، لأن القمر يعلن بقوة عن وهجه آناء الليل الدامس، فعلّه يمنح النفس دفئً خافتا في انتظار دفئ الصباح. إن الطيور ما لم تحلق في امتداد البصر، تفقد أهم ما هي عليه : الطيران، و الإنسان في غياب حريته يصبح معدوما من بعض إنسانيته، فكيف لطائر، لا تجمعه بالسماء إلا امتداد بصره، أن يحمل هذا النعت! بل و كيف لإنسان سجين أن يميز بين المنفى و الوطن؟
قلما تجد من يدافع عن حريتك، بل كثيرهم يدافع عن عبوديتك و يمجدها في لحظات انتصار مارق على الإنسان، إنه يرى فيك معنىً لوجوده، و طرفاً مهماً و تحقيقَ سعادته الملطخة بدماء العبيد، فتُبرَّر كل غاية بانتحار آخَر للإنسان. إنهم ليسعون كل السعي إلى نكبة الفرد و تقييده بوثاق عبودية مغلفة بحرية زائفة، يوهموك بتقديس الكرامة و تبجيل العقل، لكنهم لا يفعلون، يناشدون فيك روحك النقية الصافية، لكنهم لا يفلحون، يحاربون اغتيال الأخلاق بلا كللٍ، لكنهم لا يحترمون ذاتك إن هي تجرَّأت على محاسبة ما يفعلون من رذائل. إنهم إله متطور لأبعد الحدود، يقدِّسون مراتبهم على نفقة أصوات العبيد و يخططون دوما لاستلابٍ آخر، لا تهمهم مصائر البشر و لا أعبائهم. يسَيْطرون بلا هوادة، فيعلنوا فشل إنسانيتي كل مرة، ليحتضر معناه الجميل ألف مرّة و مرّة. ها أنا الآن راقد على موتي أعلن احتضاري كلَّما شبَّ بحطب الترقب و الانتظار قليل من نار اليأس، أحن إلى المجهول كلَّما اهترأ ثوب الحياة من حولي، قد يكون موتي ولادة جديدة لي، قد تسطع شمس بألوان أخرى على أرض أخرى، و ما أنا إلا شكل آخر فآخر للوجود، و أغترب اغترابا مهيبا كل مرة فأنسى النسيان و تتحطم بداخلي كل الذكريات و القصص. ربما أنا أحد حلقات سلسلة الوجود المطلق! أو ارتسام آخر لطبيعته المحيرة ! و ربما أنا انفعال جديد للطبيعة نفسها أو طبيعة جديدة لانفعالاتها!
ماذا عساي أقول و الألغاز تحيط بكنهي من كل الجوانب بل و تعدَّتها إلى المجهول، اكتنز الفؤاد بمسلَّمات لم تعد تشفي داء الفضول و تكسَّر كل سدٍ منيعٍ بداخلي، تشقق كل سورٍ اسمنتيٍ و تهاوى إلى الأعلى، لأنه بالعلو المزعوم استمد صدقه، و بذرى الجبال نال من دنوِّ مضاجعنا، فاقتنص كل عابر و مارٍّ بين مسالك الجبال الشامخة. اعذر قلمي أيها السيد و اعفوا عنه في لحظة احتضارك و أنقدني و العبيد بموتك، و أنتم يا عبيد السيد اقتنصوا فرصة العتق و انشقوا منه فرادى فجماعةً، وانشغلوا عنه بطيشكم، فالإنسان لا يكون إنساناً إلا إذا غمر الوجود بصوته وملأ الدنيا بصراخه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر