الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر سنوات للحرب على العراق: هل فشل النموذج الأمريكى؟

مجدى خليل

2013 / 4 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لماذا فشل النموذج الأمريكى فى العراق؟
مجدى خليل
فى 19 مارس 20013 أعلن جورج دبليو بوش بدء الحرب الأمريكية على العراق بأسم " الصدمة والرعب" ، وها هى عشر سنوات تنقضى على هذا الحدث الخطير الذى ستمتد تداعياته لعشرات السنيين وربما لمئات السنيين فى المستقبل. فى الاحداث الكبرى ،مثل الغزو الأمريكى للعراق، هناك أسباب وربما تبريرات تطرح على الرأى العام، وهناك اسباب حقيقية يظل البحث عنها طويلا وربما لا يتوصل اليها أحد على الاطلاق، وفى بعض الاحيان تتقاطع بعض أو كل الاسباب المعلنة مع الاسباب الحقيقية. يحار المرء فى فهم الاسباب الحقيقية وراء غزو أمريكا للعراق،أما الاسباب المعلنة فهى معروفة وتتلخص فى ثلاثة أسباب رئيسية وهى اسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى نظام صدام والتى ثبت عدم صحتها، والعلاقة بين صدام والقاعدة والتى ثبت عدم صحتها أيضا، والسبب الثالث وهو نشر الديموقراطية فى العراق وفى الشرق الأوسط. فى تقديرى الشخصى أن السبب الثالث هو من أهم الاسباب الحقيقية والمعلنة لغزو العراق، لماذا؟.
لأن الادارة الأمريكية وقتها قررت بعد ما حدث فى 11 سبتمبر أن هذا الشرق الأوسط المصدر للإرهاب والعنف والكراهية لابد أن يتغير، وكان حلمهم وقتها أن يتغير بما سماه جورج بوش "أجندة الحرية"،أى دمقرطة المنطقة التى تبدأ من العراق وتنتشر بنظرية الدومينو، وفى نفس الوقت محاصرة مراكز تصدير الإرهاب فى السعودية وإيران من أرض العراق. وعندما فشلت هذه النظرية فى تغيير الشرق الأوسط استعانوا بالبديل الاحتياطى وهو إغراق الشرق الأوسط فى الفوضى والخراب بدون طلقة واحدة وذلك بترك المنطقة تحكم من قبل أوغادها المخربين، ومن ثم فأن المشهد الذى نراه حاليا فى الشرق الأوسط هو نتيجة غير مباشرة لما حدث فى العراق، والذى هو بدوره نتيجة لما حدث فى 11 سبتمبر.
ولكن السؤال المطروح لماذا فشلت أجندة الحرية ونظرية فرض الديموقراطية من العراق؟.
أول هذه الأسباب وأهمها فى تقديرى هو تحالف كل الديكتاتوريات فى المنطقة لإفشال المشروع الأمريكى للديموقراطية،حتى الد الأعداء كالسعودية وإيران اتفقوا على افشال المشروع الأمريكى.وكان الحل الذى يفهمه هؤلاء لعرقلة عدوى الديموقراطية هو تصدير الإرهاب الإسلامى إلى العراق واغراقه فى العنف والفوضى والقتل والتخريب، عشرات الآلاف من الإرهابيين تم اطلاقهم من السعودية وإيران وسوريا وقطر وتركيا لتخريب التجربة العراقية، ويا لمكر التاريخ نفس الإرهابيين الإسلاميين المرتزقة المجرمين أو المخدوعين المخدرين تم تحويل اتجاههم إلى سوريا لتخريب هذا البلد واخراجه من معادلة الشرق الأوسط، وهذه المرة لصالح المشروع السنى العربى، ويا للهول انطلقوا من نفس البلاد تقريبا: السعودية وقطر وتركيا ولكن هذه المرة بأتجاه سوريا، ويا لحكمة التاريخ سوريا التى كانت تسربهم إلى العراق عبر أراضيها تعانى من إجرامهم الآن. إن ظاهرة الإرهاب الإسلامى وظاهرة تنظيم القاعدة ومشتقاتها هى من صناعة دول ومخابراتها وهذه الدول بالتحديد هى: مصر وإيران والسعودية وباكستان وأمريكا واضيف اليهم قطر. وأمريكا التى صنعتهم فى افغانستان اكتوت بنارهم فى نيويورك وفى العراق، وسوريا التى استخدمتهم يستخدموا ضدها الآن، وكل الدول التى ساهمت فى هذه الظاهرة الإجرامية ستعانى منهم يوما ما. لقد تم خلق ما يعرف ب"الإرهابى الجوال" الذى يتنقل من افغانستان إلى الشيشان إلى البوسنة ثم إلى الجزائر إلى الصومال ثم إلى العراق ثم إلى سوريا ومالى واليمن وليبيا وأخيرا لمصر... ومن يزرع الشوك لابد وأن يجنى الجراح يوما ما.
ثانى أسباب فشل المشروع الأمريكى فى العراق هى القراءة الأمريكية السطحية للثقافة العربية الإسلامية، حيث تصورت أمريكا أنها قادرة على إعادة خلق النماذج الديموقراطية التاريخية كما حدث فى المانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ولم تفهم الفروق الشاسعة بين هذه الثقافات والثقافة العربية الإسلامية، حيث أن الأخيرة تعادى بدرجة كبيرة الغرب وتعادى بدرجة أكبر النموذج الغربى للحريات والديموقراطية كما أنها تعادى العولمة والحداثة وأنفتاح رعاياها على النادى الإنسانى.
من الأسباب الهامة لفشل التجربة الأمريكية فى العراق أيضا السلوك الأمريكى ذاته، فبعد عشرات السنيين من دعم الديكتاتوريات فى المنطقة جاءت أمريكا لتضغط على ذر لنشر الديموقراطية متجاهلة أن هذا الدعم الطويل للأستبداد والمستبدين أدى إلى نمو معارضة دينية فاشية ودموية وتعادى الديموقراطية، كما أدى إلى جهل هذه المجتمعات بثقافة وممارسات الديموقراطية الحقيقية، فالكائن البشرى ليس الة يتم الضغط عليها لتحويلها إلى الاتجاه الذى تريد ولكنه كائن يحتاج إلى التعلم والتدريب والتدرييج والممارسة. والتجربة الأمريكية نفسها فى الديموقراطية أخذت عقودا لكى تنمو وتنضج وتصل إلى ما هى عليه الآن.
من أسباب فشل دمقرطة العراق كذلك الأخطاء الجسيمة التى وقعت فيها الأدارة تحت قيادة السفير بول برايمر فى العراق وخاصة قرار اجتثاث البعث وحل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بتحريض ومشورة سيئة من القيادات الشيعية التى كانت ملتفة حول بوش وبرايمر، وكان البديل هو الفوضى ثم المليشيات الطائفية ثم جيش طائفى وأجهزة أمنية طائفية تتسم بالأنحياز المفرط للشيعة ولا تعكس التوازن فى تمثيل الاطياف العراقية بشكل عادل.
وأخيرا كان من أسباب فشل الديموقراطية فى العراق الكراهية المحبوسة والمكتومة بين مكونات التركيبة العراقية، فقد تسبب القمع الشديد تحت حكم صدام وإضطهاد الشيعة والاكراد، إلى نمو الظلم وتحوله إلى كراهية عميقة تحت السطح، وبمجرد رفع الغطاء عن المرجل بعد الغزو الأمريكى خرجت أبخرة الكراهية السوداء لتعمى عيون العراقيين عن التعايش والمشاركة عبر الديموقراطية الحقيقية وحل محل ذلك الكراهية والعداء والاقتتال من آجل المغالبة بديلا عن المشاركة.
لقد ساهم الجميع فى أفشال التجربة الأمريكية فى العراق بما فيهم الأمريكيين أنفسهم، وكان البديل للفشل مئات الآلاف من القتلى العراقيين، وخمسة مليون طفل عراقى يتيم و2 مليون لم يستكملوا تعليمهم و 4488 قتيل بين الجنود الأمريكيين وذلك بخلاف المصابين، وتكلفة مباشرة للحرب دفعها الأقتصاد الأمريكى تتعدى الترليون دولار وضعف هذا المبلغ تكلفة غير مباشرة، وخرج العراق دولة طائفية بعيدة كل البعد عن الديموقراطية الحقيقية، وخرج الأقتصاد الأمريكى من العراق بأزمة كبيرة من الصعب التعافى منها قريبا، وتغير الشرق الأوسط من خلال تعميم الفوضى عبر حكم الإسلاميين وصار ابعد ما يكون عن طريق الديموقراطية الحقيقية، بل بات الحنين يتزايد إلى الاستبداد المستقر عند الكثيرين فى المنطقة.
إن ما يحدث اليوم من تغيرات عميقة وخطيرة فى الشرق الأوسط ستظهر أثاره بوضوح خلال عقد من الآن ، وهو من نتاج فشل التجربة الأمريكية فى العراق، ولعل الذين ساهموا فى فشلها لم يكونوا يعلمون أن البديل الجاهز عند الأمريكيين هو حكم الفاشية الإسلامية.... وسيندم الجميع فى المستقبل على افشال التجربة الأمريكية فى العراق وعلى رفض أجندة الحرية لأنهم سيعانون من أجندة الفوضى لعقودا طويلة سيكون لون الدم فيها هو الأكثر وضوحا فى هذه المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اختلاف بسیط
خسرو ( 2013 / 4 / 3 - 21:11 )
استاذ مجدي تحیة لك ولکل المتصحفي الحوار
استفدت کثیرآ من مناظراتك في قناة الجزیرة وقناة الحیاة ومن خلال کتاباتك في الحوار المتمدن ،استاذ مجدي حسب اعتقادي مایحدث الان في شرق الاوسط ابتداء من العراق هو عصر النهضة الذي حدث في اوروبا قبل ستة قرون ،لکن الاختلاف هو إن نهضتنا اتى من خلال مصالح الرأسمالیة العالمية اولآ المصلحة الاقتصادية ثانیآ المصلحة الامنیة،مستغلین التنوع العرقي والاضطهاد المزمن امریکا لم یفشل لیس حبآ لأمریکا ربما امریکا فشل في معرکة العراق لکن لم یفشل بالحرب لأن الحرب لایزال مستمرة وشرق الاوسط لایزال على صفیح ساخن ،حسب اعتقادي المنطقة یشهد تغیرآ کبیرآ بعد سقوط النظام السوري وتأثیره‌ یكون اکبر من سقوط بغداد بسبب بسیط هذه‌ المرة یکون سقوط الدومینو الایراني من حزب الله‌ وبشار الاسد والمالکي في العراق بحیث یبقى الاخطبوط الایراني دون ارجل في المنطقة،ومن صفات السیاسة الامریکیة هو طبخ السیاسة على نار هادئة کما استمر مع الاتحاد السوفیاتي لعشرات السنین ..لك مني کل الاحترام

اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج