الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى سيتم التخلي عن الريع -الأسود الظالم-؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2013 / 4 / 4
الادارة و الاقتصاد


يقولون أن إعفاء النشاط الفلاحي من الضرائب تمّ الإقرار به لصالح الفلاحين الصغار، وهذه كذبة واضحة لا غبار عليها، إذ في واقع الأمر إن الفلاحين الصغار غير معنيين بالضريبة أصلا بقوّة القانون دون انتظار إحسان أو عطف أي جهة. وذلك بكل بساطة لأنهم لا يحققون أي أرباح يؤدون عنها ضرائب.
كل المؤشرات – حتى في السنوات الفلاحية الجيدة- تبيّن بجلاء أن الفلاحين الصغار يظلون ، بقوّة القانون، غير معنيين بأمر أداء الضريبة لأنهم لا يقوون على تحقيق الحد الأدنى من الأرباح الخاضعة للضريبة.
أليس من الجور والظلم الاجتماعي البيّن إجبار وإلزام من يتقاضى الحد الأدنى من الأجور – الذي لا يسمن ولا يغني من جوع – أداء الضرائب رغم أنفه، في حين يتم التبجح بإعفاء كبار الفلاحين وملاكي الأراضي رغم أنهم يحققون، في واقع الأمر، أرباحا مهمة ويستفيدون من امتيازات كثيرة تساهم في تضخيم أرباحهم. فهل هذا التصرف يمت بصلة بالعدالة الاجتماعية التي ما زال يكثر حولها اللغط من طرف القائمين على أمورنا؟
إنه تصرف شاد حقا، لا يقبله عقل سليم، فهل من المعقول ومن المنطقي ومن العدل الاجتماعي أن يُصرّ القائمون على الأمور على إخضاع القطاع غير المهيكل للضريبة في وقت تستمر الحكومة في اعتماد إعفاء كبار الفلاحين وملاكي الأراضي الزراعية الذي يحققون أرباحا مهمة في سراء وضراء الأحوال المناخية؟
كيف للحكومة تُسؤّل لها نفسها التفكير في إخضاع البائع المتجول للضريبة في حين تتبجح بإعفاء أصحاب مئات بل آلاف الهكتارات الذين لا يؤدون – منذ عقود خلت- سنتيما واحدا للدولة كضريبة، بل إن هذه الأخيرة مازالت تغدق على بالتسهيلات والامتيازات التي تكلف الخزينة الملايير من السنتيمات سنويا؟ هل هذه هي العدالة الجبائية؟
والحالة هذه، هل ستجرأ حكومة عبد الإله بنكيران التفكير في معالجة هذا الوضع المختل، سيما وقد انكشفت اللعبة وانفضح الأمر؟ وذلك لأن هكذا واقع حال لا يتماشى مع قواعد دولة المؤسسات والحق والقانون وتقعيد العدالة الاجتماعية التي ظلت أحد أهم شعارات أحزاب الأغلبية المكوّنة للحكومة الحالية.
في الحقيقة – وهذا ما دأب القائمون على أمورنا على إخفائه بدهاء غير مسبوق- هناك لوبيات قوّية - أهم أفرادها من القلة المستحوذة على مصادر الثروة بالبلاد- ظلت تختبئ وراء الجفاف وعرمرم الفلاحين الصغار من أجل الاستمرار في فرض الإعفاء الضريبي على القطاع الفلاحي ، في حين بقيّت فئات واسعة من الشعب تؤدي الضريبة على حساب بطونها .
إلى متى الاستمرار في الضحك على الذقون، علما أن الفلاحين الصغار ليسوا هم المستفيدين من إعفاء القطاع الفلاحي من الضرائب ، إنها الكذبة التي عمّرت طويلا بالمغرب (منذ سبعينات القرن الماضي)، وإنما المستفيدون هم الفلاحون الكبار وكبار ملاكي الأراضي الزراعية واللوبيات التي تتحكم في النشاط الفلاحي. هذا النوع من الريع يمكن نعته بالأسود مقارنة مع الأشكال الأخرى من الريع.
إن أشكال الريع وتمظهراته كثيرة ومتنوعة عندنا، منها العينية ومنها المعنوية. فقد يكون الريع في شكل مناصب ووظائف واحتكار وهبات وإكراميات وامتيازات اقتصادية وإعفاءات ووساطة وغيرها. ولا ترقى الاستفادة من الريع إلى "حق مكتسب" بالنسبة للمستفيد منه، إذ يمكن سحبه في أي وقت وحين، وهنا يتجلى جانب الريع كقوة ناعمة للإخضاع أو ما يسمى بــ "قبلة الموت الاعتباري".
تتنوع أشكال الريع عندنا حسب القطاعات، ومنها رخص النقل واستخراج الرمل والحجر من المقالع ورخص الصيد في أعالي البحار ورخص المتاجرة في الخمور... كما يمكن للريع أن يتخذ شكل دعم أو مساندة مالية، كما هو الحال بالنسبة للإعلام والأحزاب السياسية والنقابات وبعض جمعيات المجتمع المدني.
وقد أجمع الاقتصاديون أن الريع يعتبر من المقوّمات والمرتكزات الأساسية للفساد الاقتصادي والمالي والسياسي. وإن أقصر السبل وأكثرها جدوى للاستفادة من الريع ببلادنا، التودد والتملق للقائمين على الأمور و"لعق الأحذية" كما يقال. إنه في واقع الأمر صراع ومنافسة لنيل حظوة القرب هو أكبر بوابة للانتفاع بالريع وآلياته عندنا.
ارتبط مفهوم الريع - تاريخيا – بمفهوم الرعايا والخدم ومفردات ايديوجيا سلطانية قائمة على آليات التطويع والتدجين. في الأصل ارتبط الريع بمجتمع يكون فيه القائم على الأمور راعيا والباقي قطيعا.
تقوم العقلية الريعية على تكسير العلاقة المفروضة بين العمل والاستفادة ، إذ أن الاستفادة أو المكافأة تعود كسبا غير متوقع وغير مرتبط بمجهود أو المجازفة وليس كثمرة للجد والعمل المتواصل، وإنما مرتبطة بالتموقع الاجتماعي والروابط الاجتماعية ودرجة القرب بالقائمين على الأمور. إدن يهدم الريع العلاقة المفروضة والمفترضة بين الجهد والمكافأة باعتبار أنه يتأسس على الوضع والتموضع والقرب. وينعكس هذا على القطاع الخاص والمبادرة الحرة بشكل مميت، علما أن هذا القطاع من المفترض أن تحكمه المنافسة الشريفة، إذ أن التنافس في هذا القطاع بالذات عندنا لا يرتكز على الإنتاج والابتكار والاجتهاد والجهد والمجازفة من أجل عرض سلع وخدمات أفضل وأجود وأقل ثمن، بل ينبني بالأساس على روابط زبائنية وعلى درجة القرب من القائمين على الأمور. هكذا يصبح استمرار النعمة ودوام الاستفادة منها مرتبط ببقاء دار لقمان على حالها لأن التغيير سيؤدي إلى زوالها، وبالتالي على ولاة النعمة أن يحافظوا على مواقعهم ونفوذهم رضية الإقرار بالمواطنة، وتنمحي فكرة المحاسبة والمساءلة وروح المسؤولية.
وخلاصة القول، ماذا تنتظر الحكومة لرفع هذا الحيف التي يكرسه إعفاء القطاع الفلاحي من الضريبة، أم أن تغيير هذا الوضع يستلزم "عصيانا ضريبيا" حتى يفهم القائمون على الأمور أنفسهم كما يُقال ؟ علما أن إعفاء القطاع الفلاحي لم يتم الإقرار به أصلا يخدمة الفلاحين الصغار، وإنما جاء في نطاق استراتيجية مبيتة لتوفير آليات للمزيد من تسهيل نهب الثروات الوطنية عملا بقاعدة "زد الشحمة في مؤخرة المعلوف".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيد الأضحى في ظل حرب السودان.. غياب للمظاهر ونزوح وأزمة اقتص


.. بموازاة الحرب في غزة.. -حرب اقتصادية- إسرائيلية تخنق الضفة ا




.. أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها الأراضي الفلسطينية بعد حرب غزة


.. خسارة تاريخية تنتظر حزب المحافظين في بريطانيا.. والأزمة الاق




.. ما تداعيات حرب غزة اقتصاديا على الأراضي الفلسطينية خلال عيد