الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاوى تافهة!

علي شايع

2013 / 4 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


ثمة قاعدة فقهية إسلامية خطرة، تقول: "الضرورات تبيح المحظورات". وخطورتها ليس في مبناها ومسندها، ومرجعياتها في التطبيق والدلالات، كما يمكن توصيف الحال في نقد القواعد الفقهية، فحسب، بل في آليات صدور ما ينطبق عليها من فتاوى، وزمانها، والأشخاص المفتين بها، والعاملين عليها، والمتناقلين لها. وهي قاعدة تبدو عقلائية، وإنسانية، ظاهراً، ولكنها طالما استخدمت في غير موضعها، استخداماً مخيفاً، إذ تتعدى حليّة أكل لحم الميتة، مثلاً، خشية الهلاك من الجوع، وتتعدى إباحة الجهر بإعلان الكفر، خشية التنكيل والتعذيب.. وغيرها من ضرورات تقف على كفة الميزان الأخرى المقرونة بالبقاء والأصلح.. فالحياة أولى، و من ذا لا يبحث عن التيسير ويجانب المشقة، ومن ذا لا يريد ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما!، ومن ذا لا يريد السعة بعد ضيق الأمر؟!.

ثمة قضايا شائكة تجد أحياناً شذاذ آفاق ومن يواليهم بالإساءة والعدوان، ممن يستترون بالدين ويتاجرون بالجهل، ويحرفون الكلم عن مواضعه قصد الفائدة الذاتية. وفي التاريخ ركام هائل لفتاوى عن ما لا يتحقق الواجب إلا به فيكون واجباً، حتى وإن خالف العرف والشرع ودخل في المحظور. وما دام الأمر يتعلق بالاسلاف فلا بد من "إتباع المنقول لا ما تستحسنه العقول"، كما يطيب لبعض الشيوخ ترديده، تبركاً بمجانبة روح العصر، و"الأخذ بالقياس" على أزمنة ولّت، ربما لا ترتبط أصلاً بزمن النبوة، وتعود إلى مشايخ تركوا في الصحراء خراباً على خرابها. وما بالك إن كان هذا الأمر يتعلق بالجهاد، وليس هناك أوجب منه!، حيث يباح لأجله ما لا يباح في سواه!. حتى لتجدن في بعض أدبياتهم إجازة المعاملة بالمثل في الجهاد فان قـُتل الأطفال والنساء، جاز الرد بالمثل؛ حسبما يستند الشيخ ابن العثيمين وغيره من المعاصرين على أسلافهم، تأويلاً بنص قرآني يلوي أعناق كلماته لياً لغاية في نفسه. والمعضلة المأساوية إن تكون هذه الإجتهادات متحكمة بمصائر وأرواح البشر، وبما يخالف العقل والعقيدة أحياناً، والأمثلة بالعشرات، وللقارئ الكريم أن يستذكر منها ما يشاء، ولكني سأبحث في قضية بعينها؛ فلو كان الجهاًد عينياً (إي واجباً على الجميع) سيجوز خروج الصغار للجهاد دون إذن ولي الأمر، وهنا الطامة الكبرى، حيث يتم التغرير بالفتيان والصبايا وغسل أدمغتهم لشهور، ريثما يستطيعون حمل ثقل ما سيربط على أبدانهم الغضّة من متفجرات، أو أن تكون تلك الأجساد الفتية جاهزة لمتعة المجاهدين، حسب الفتوى الأخيرة في تشريع جهاد المناكحة، إذ يحق للفتيات أن يهبن أنفسهن لاستمتاع المقاتلين، وترغيبهم بمزيد من الثبات، على حد وصف المؤيدين لفتوى تبيح المحظور، إذ لا حرام مع ضرورة.

كلها قواعد فقهية سيرصفها تباعاً من يجعل فتوى النكاح سارية المفعول كغيرها، وستجد من يفعّلها ويعمل بها ما دام لا صوت يضاد خطرها من أصوات أهل العقد والحلّ!، وستتحمل الشعوب تبعاتها، والدول مأزق السخرية الكبير من عقائد عليها أن ترعاها وتحميها كحق إنساني، مقابل رد فعلٍ قد يكون قاصراً، ولا يمني بالحل الناجع، فها هو وزير الشؤون الدينية في تونس، لا يجد سوى أن يحذر الفتيات من التطوع لإشباع حاجات جنسية لمقاتلين في دول أخرى، استجابة للفتوى الغريبة.

وها أسابيع تمرّ، و في كل أسبوع نرى من يحمل سيفاً يتكأ عليه في خطبة الجمعة، ليصرخ منادياً بوصايا لا ربط لها مع الوقائع اليومية ل"حال الأمة"، فهو يوصي بالعموم عن التقوى والصلاح، ولا يجد جرأة لمناقشة ما أنزل قدر العقيدة الإسلامية إلى مهاوي السخرية في البعيد، والى مهالك أهل هذه العقيدة في ما بينهم.
وها هي الأيام تمرّ ..(وَبُرِّزَتِ الجحيمُ لمن يرى)..فأين أهل العقد ليعقدوا نظام جماعة لشؤون التشريع؟.
وأين أهل الحلّ ليحلوا ويفككوا تلك الفتاوى؟!.
أين.. وأين.. وأين؟!. أين من حنّكتهم تجاربهم، وهذّبتهم مذاهبهم؟!.
أين من يميّز الصفات المرعيّة فيمن يناط به أمر الفتوى، ومصير الرعيّة؟!.

المزعج؛ إن بعضهم يرى في هذه النداءات تشويشاً، وغرضاً هامشياً، وفي نقاش مثل هذه الأمور "التافهة العابرة" شأناً محظوراً، فهناك ما هو أهم. أقول أليس في الإصلاح الذي تدّعون ضرورة تبيح محظور الخروج على الصمت؟!. وإذا كان ثمة ضرر، من تتفيه، في الحديث عن متداول هذه الفتاوى، ألا يوجب ذلك إتباع أخف الضررين لدفع أعظمهما؟!. وما جدوى المؤتمرات والملتقيات والندوات واللقاءات(الإسلامية)، إذ أصبح لمفتين طارئين من مشايخ الفضائيات شأنهم بحكم استغلال فسحة التواصل الرهيب، ليصبح، وسط فوضى الفتاوى، وتيه العقائد، إتباع المنقول عنهم، أوجب مما تستحسنه العقول؟!. وأين هي العقول أصلاً، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد