الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع المُوازين و حرب الدلالات: تاريخ موضوعي للمقاومة

رضا كارم
باحث

2013 / 4 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


شارع المُوازين و حرب الدلالات :تاريخ موضوعي للمقاومة.

مئات الآلاف من التلاميذ ينقطعون عن الدراسة، و يأوون إلى شارع يحن الى ضمير المجتمع أو سلطته قدر حنينه إلى تأسيس ضمير التحرر...
شارع غير رسمي، لا تزوره الدولة أثناء "نومه" ، و تسجنه لحظة "اليقظة". شارع معذب، مشذّب، مكوكب بقوة الدولة و عصاها.
هناك تقطف المسارب "الأخرى" المنفلتة خلسة (كما تظن) من الرسمي و المؤسساتي، زهراتنا التي شرعنا منذ فترة في "الحرص" على "تربيتها" ، فإذا هي تخضع قدرالاستطاعة حتى أوان القطيعة. و يظل بداخل "الفارين" من دولة التربية و دولة المعرفة، حنين الى التربية و المعرفة...زمن بن علي، لم يتمكن الشارع من افتكاك الكثير. لا شيء غير ملاعب الرياضة...
الترجي يا دولة، نعم، الدولة كانت فريق كرة القدم...هناك نشأت ثورة لا تعي ثورتها، و تزيد انفلاتها عمقا بهدوء لم يلحظه الرسميون و مفكروهم و مدارسهم.
السكولائي ، الأكاديمي ، الفقيه اللغوي و الفقيه، لم ينتبهوا الى الانقلاب الذي يقع أمام أعينهم المفرغة من البصر بفعل الضبابية الرسمية . مناهجهم جميعها، موجهة لتفكيك واقعات "رسمية" ، و تنفيذ أجندات الدولة. و هناك ، حيث ظل العمى مستفحلا، أفرجت المؤسسة "التربوية" عن نتاجها البشري المنفلت. و بادر المنقطعون أو المقاطعون لمدرسة السلطة ، فاعلين اجتماعيين من خارج النظام ينتجون دولة كرة القدم ، و معرفة شروطها و قوانينها ، كما أنتجوا دولات بديلة و معارف بديلة ، أهمها الدولة العربية الموحدة، و الدولة الإسلامية الموحدة... و كان الدين بوصفه "درسا أسبوعيا" يردّد ما فروا منه و كرهوه، فطلبوا اختلافا داخله أو خارجه، كل وفق حاجاته . تأسست ،إذن، معرفة المهمشين داخل المساجد ، معرفة عمدتها اللحي و القمصان و أحذية رياضية أيضا.
الشارع أفرج عن ذاته في أشكال أخرى أكثر وضوحا. تغوّلت الفتوة و تشكلت مجموعات عصاباتية، منها من ارتبط سريعا بالبوليس لاتقاء السجون، و منها من ظل منفردا منطلقا.
الرهانات الرسمية، تسقط كذلك في الهجرة السرية، في إعدام العلاقة بين العلَم و الناس.
فقط منتخب كرة القدم مجددا يعيد نسج تلك العلاقة.
الشارع طلّق القناة الرسمية و بحث عن خلاصه بعيدا...
إنها دولة الفشل، و دولة صناعة الفاعلين خارج الإطار. و هي تسقط يوميا بغلبة اقتصاد "التهريب" على اقتصاد "الضريبة ". المهربون أكثر ثراء من "أصحاب رؤوس الأموال الرسميين" ، و هم بالمناسبة لا يدفعون الضرائب المنصوص عليهاضمن ما يسمى ب"القانون".
المهربون و لخيبة المسعى، انتهازيون آخرون. فهم يبدؤون مهمشين، و يصنعون الانقلاب ،لكنهم لا يزرعون الانتقالات الطبقية داخل مجتمعاتهم .
إنهم فاجرون آخرون، تنتدبهم "الدولة" ليكونوا ميليشيات الاحتكار و السمسرة و الفساد و الانحلال...
من انقطع عن الدراسة و بات مهربا ناجحا التحق ب"صفوة المجتمع". و من واصل الدراسة فاتبرى في خطة تسمح له بأن يكون من "صفوة المجتمع". كلاهما يضمن نفس النتيجة، و لا أحد يتحدث عن وسائل تحقيقها. يحسن الجميع إخفاء سقطاته ، مثل سرقاته .
و يشربان نخب "الصفوة" و يبولان فقر المهمشين...
لا أحد يفجّر المعنى داخل تجربة المهمش، و لا أحد يفجّر معنى مضاعفا داخل ذات سجنها الدولار، بعد أن تربت على قداسته و انتهت تمتلكه و تستغل الكون بأسره لمضاعفة عدده.
هنا تقع المقاومة. في شارع الموازين إثر تهميشهم، و تحت الظلال المزدحمة كالأشجار التي تورثها لصالحنا، في ذلك الشارع المقصي و المطرود، ثمة حرب مكتملة الوسائل تستحق أن نلتحق بها مضيفين سلاح الوعي الثوري الحدي و الانقلابي.
إنها تلك الحرب التي تنفجر خلالها دلالات الحياة و مشروع السيادة للإنسان المتحرر من كل سلطة خارجة عن ذاته المتيمة بالكرامة و الحرية و الإرادة و الفعل .
على أرض المقاومة الخصبة، تنتظرنا مهمات أصلية، كثيرا ما تجاهلناها اعتقادا منا بأن المؤسسات الحزبية ، التي خلناها تنبت داخلها مشاريع وجود إنساني مفعم بتوزيع عادل لمشروع الحياة و أدوات الاستمرار، حتى اكتشفنا أنها مجرد نسخ رديئة لدولة أخرى تبحث عن سلطة للاستعباد و الاستغلال و الهيمنة مجددا.

رضا كارم-4أفريل2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية