الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل بإمكاننا أن نكون أقل تشاؤما؟

منعم زيدان صويص

2013 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك ما يبعث على التفاؤل في بلدان المشرق العربي. إنها ليست مجرد غمّة أو غمامه بل كابوس يلاحق كل عربي لديه شيء من الحساسية أو الإهتمام بمستقبل أهله ووطنه وأبناء شعبه. إنه بحق حلم مخيف.

في العراق ليس هناك أمل كبيرفي أن تنتهي المذابح والصراعات السياسية قريبا ويرتاح الناس. في الشمال يعيش الأكراد، ويشكلون ربع السكان، وها قد سنحت لهم الفرصة ان يؤسسوا دولتهم، رغم أن قرارا كهذا سيواجه مقاومة عنيفة أيضا من تركيا وإيران. ولا يستطيع أحد أن يلوم الأكراد، فلهم لغتهم وثقافتهم، ويعيشون في مناطقهم منذ آلاف السنين، فمطالبهم مشروعة. والمشكلة الأخطر أن إنفصالهم سينهي العراق كدولة عربية قوية، لأن جزءا كبيرا من بترول العراق موجود في إقليم كردستان ولأن مناطق كردستان ستكون صالحة للحياة أكثر من وسط وجنوب العراق، فمعظم الأراضي العراقية ستصبح صحاري عندما يضعف نهرا دجلة والفرات تدريجيا. فالسدود الهائلة التي بنتها تركيا حجزت جزءا كبيرا من المياه العذبة بحيث أصبحت مياه النهرين ضحلة وزادت نسبة ملوحتها إلى درجة أن الفلاحين العراقيين بدأوا يهجرون أراضيهم الخصبة التي كانت تُطعم العالم تمرا. ونتيجة إنخفاض مستوى مياه شط العرب رجعت مياه الخليج المالحة إلى الخلف ودخلت بالقنوات الزراعيه التي تسقي مساحات هائلة من الأراضي التي يهددها الجفاف والملوحة.

ما هو مستقبل الشعب العراقي؟ سيكون دخلُ العراق من النفط أقل بكثير عندما تنفصل كردستان، وستكون تحلية مياه البحرمكلفة وستستهلك جزءا كبيرا من عائدات النفط وستحتاج المياه المكررة إلى ضخ لمسافات كبيرة، من منطقة الخليج، حيث ستبنى مصانع التحليه، إلى بغداد ومدن الشمال. أين سيذهب الشعب العراقي؟ عندما كان العراق غنيا في الخمسينات كان عدد السكان خمسة ملايين، والآن أصبح العدد اكثر من ثلاثين مليونا. وماذا لو إستمرت النزاعات الطائفية وازداد تأثير إيران؟

وماذا عن سوريا ولبنان والأردن؟ يظهر أنه لن تقوم قائمة لسوريا التي كنا نعرفها، واحتمال التقسيم وارد جدا، وسينتج عن هذا هجرة للناس من هذه الدويلة إلى تلك، وسيصبح نصف الناس لاجئين. أما في لبنان فعوامل الإنقسام موجودة منذ أجيال عديدة، فالبلاد تأخرت كثيرا من جميع النواحي لأن موقف بعض الأحزاب شلّ جميع مناحي الحياة، فالشعب اللبناني الذكي والنشيط والخلاق مشغول بالنزاعات بين الطوائف والأحزاب ويخضع لتهديد إسرائيل وحزب الله. أما في الإردن فالوضع لا يخفى على أحد، فالبلاد تستوعب فقط نصف العدد الموجود فيها حاليا، فالموارد شحيحة والميزانية تحتاج لدعم مستمر من الدول العربية والأجنبيه، والحاجة إلى الدعم باستمرار معناها إستقلال أضعف وخضوع لرغبات الغير، وستصبح هذه البلاد، شبه المستقره الآن، مستقرا لللاجئين "من جميع الأصول والمنابت،" وسيخلق هذا -- ونحن نرى ذلك الآن -- مشاكل إجتماعية لا يمكن حلها، والنتيجة نهاية هذا الإستقرار الذي نفخر به، وعملية التدهور هذه لا يمكن عكسها في المستقبل المنظور. ونعرّج إيضا على الضفة الغربية، حيث تتم سرقة مياهها لمصلحه إسرائيل والمستوطنين اليهود، ولا ندري إلى متى يستطيع الشعب هناك أن يقاوم ويتمسك بأرضه، ولا نستطيع هنا في الاردن أن نتجاهل مصيره، هذا إن لم يفرض علينا فرضا.

أما مشكلة المياه في الاردن فحدّث ولا خرج، فلا يتوقع أن تكون المواسم القادمة أفضل من المواسم السابقة، مياه الديسي التي لم نذقها بعد، ستكفي الأردن حوالي سبع سنوات فقط وبعدها سنحاول أن نجلب مياه البحر الأحمر لنحليها في الإردن، وهذا يحتاج إلى الطاقة، والطاقة التي عندنا بالكاد تكفينا للطبخ والتدفئة والإناره وتشغيل سياراتنا.

أما البلدان الخليجية فمستقبلها لا يبشر بكثير من الخير لأسباب مختلفة. هناك تهديد إيراني لا ينتهي لدول الخليج، والتي ستنهار سريعا إذا قامت حرب خليجية لأن الشعوب هناك غير مستعدة لأي نوع من القتال. في معظم دول الخليج تصرف عائدات النفط على الخدمات والأكل والملبس، ولم يعتد الناس على التعب و "هكلان الهم،" فالدولة تتحمل معظم المصاريف. المجتمع في الحقيقة غير عامل، لأن العمالة في كل المصانع أجنبية. المواطن ليس بحاجة إلى تشغيل دماغة ورفع مستوى معيشتة، فروح التحدي معدومة تماما. وإذا واجه المواطن مشكلة، مهما كانت بسيطة، يذهب إلى رجل دين ليعطيه فتوى كيف يحلها، فالتفكير الخلاّق غير موجود. وهذا النوع من المجتمعات لا يمكن أن يتطور، فهو لا يدفع ضريبة ولا يشعر بالهم العام. الشعوب في تلك البلدان لن تفكر في تغيير أنظمة الحكم أو إنتقادها ما دامت تعيش على الدولة، والمعارضة للحكام تتلخص فيما إذا كانت الدوله تطبق التعاليم الدينية بطريقة صحيحة وبما فيه الكفاية. ما هو المستقبل الذي ينتظر هذه البلدان؟

أما مصر فقد زاد عدد سكانها بدون نمو كاف في إقتصادها، فالفقر يضرب أطنابه والبطالة بلغت معدلات مخيفة، ولا يمكن لمصر أن تلعب أي دور قيادي في المنطقة في غياب قيادة ديناميكية، ومن الواضح أن الحكام الحاليين لن يوفروا لها هذه القيادة. حتى نهر النيل مهدد من الدول الإفريقية الأخري الواقعة على مجراه. ولقد تلقّى الفكر والثقافة والفن ضربات خطيرة ستوقف التقدم الفكري مدة طويلة، ليس فقط في مصر بل في العالم العربي كله.

ومما يزيد الطين بلّه، في المشرق العربي على الأقل، أن الجهلة يزحفون على السلطة وهم غير آبهين بهذا المستقبل المظلم، فهم مشغولون عنه بالتناحر والحروب الطائفية. في السابق كانوا متّحدين، على الأقل ظاهريا، ضد إسرائيل وأعداء آخرين، أما الآن فهم يعتقدون أن الحرب مع إسرائيل يمكن أن تؤجل حتى يصفوا حسابتهم مع بعضهم البعض.

وأخيرا أعتذر للقراء إذا كنت قد بالغت في التشاؤم، وأرجوا أن أكون قد بالغت، وأرجو أيضا أن أكون قد أخطأت في توقعاتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل