الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخوان وصفقة رجال القذافي

محمود عبد الرحيم

2013 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية



ربما يكون مطلب السلطة الجديدة في ليبيا تسلم أركان نظام القذافي وعائلته المقيمين في عواصم عربية عدة، ليس جديداً، فهذا الملف ينتقل منذ سقوط “نظام العقيد” من يد حكومة لأخرى، ومن مجلس انتقالي لمجلس وطني، وحتى “قمة الدوحة” الأخيرة استغلتها حكومة رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في تأكيد هذا المطلب، والنص عليه ضمن قراراتها، غير أن هذه المسألة شهدت حراكاً غير عادي خلال الأيام الماضية، بتسليم القاهرة عدداً من رجال القذافي للسلطات الليبية، مع احتجاز ابن عم العقيد ومنسق العلاقات المصرية الليبية السابق أحمد قذاف الدم بالقاهرة لإشكاليات قانونية خاصة به، تتعلق بحيازة أسلحة بمنزله، ومقاومة السلطات لدى محاولة توقيفه، وادعائه حصوله على حق اللجوء السياسي، وادعاء محاميه أنه مصري الجنسية، فيما تم الإعلان في الوقت نفسه عن رحيل عائلة القذافي من الجزائر إلى عُمان تفادياً لإحراج الدولة المغاربية التي قامت بإيوائهم مبكراً، ولإبعادهم جغرافياً وسياسياً عن النظام الجديد في ليبيا الذي لا يلبث أن يتهمهم بإثارة القلاقل .


يبدو تحريك هذا الملف في هذا التوقيت بالذات مفيداً للجانبين المصري والليبي على المستوى الرسمي أكثر من الشعبي، ويحقق أهدافاً سياسية بصرف النظر عن البعد القانوني وما يتعلق بمفهوم العدالة، الذي ليس إلا واجهة خارجية، فالحكومة الليبية الجديدة، وإلى جوارها المجلس الوطني، يواجهان احتجاجات جماهيرية عدة وحملة انتقادات واسعة، تتطلب منهما اتخاذ إجراء لتسويق نفسيهما من خلاله، ومنحهما قدراً من الشعبية، فضلاً عن تصور القيادة الجديدة في ليبيا أن الاضطراب الأمني والسياسي مصدره بقايا نظام القذافي الموجودين في دول الجوار، ومازالوا يتمتعون بالأموال وبحرية الحركة، وليس الفشل السياسي والإداري للحكومة الانتقالية، وأنها لو تمكنت من هؤلاء، فسوف تستتب الأمور، وتتمكن من الوفاء بتعهداتها للرأي العام الذي يشعر بالإحباط، ولا يتلمس حتى اللحظة حصاد ثمار تضحياته ورهاناته على الثورة والتغيير، علاوة على النزعة الانتقامية التي تسيطر على البعض، بكل تأكيد، ويريدون، بعد أن تحولوا من المعارضة للسلطة، أن يعاقبوا أركان النظام السابق على ما اقترفه بحقهم .


وفي مصر، ثمة أزمة اقتصادية طاحنة تتطلب ضخ أموال عربية، ومحاولة استرضاء الحكومة الليبية يتكفل بقدر من هذا الأمر، سواء في صورة استثمارات أو مساعدات مالية، فضلاً عن الخشية من أن يترتب على عدم الاستجابة لإلحاح النظام الليبي الجديد في تسلم المطلوبين، إغضاب الجانب الليبي، وما قد يتبعه من إجراءات تعسفية بحق العمالة المصرية في ليبيا، التي تمثل عودتها في هذا التوقيت ضغطا متزايداً على الاقتصاد المصري المتعثر بشدة .


ومثلما كان رهان نظام مبارك على الخارج لحل مشكلاته الداخلية، فبالمثل يسير الإخوان المسيطرون على السلطة في مصر على النهج نفسه، وبإمكانهم، كما هو ظاهر من ممارساتهم خلال الأشهر الماضية، تقديم تنازلات حتى لو حظيت بانتقاد واسع، وبدا أنها تمس كرامة مصر والمصريين واستقلال القرار السياسي، فضلاً عن أن ثمة تعاطفاً مع النظام الجديد في ليبيا الذي يمثل الإخوان جزءاً أصيلاً منه، ومشاركة لهم في الموقف العدائي من نظام القذافي الذي كان يرفع في بعض مراحل حكمه شعارات القومية العربية التي يشعر تجاهها الإخوان بحساسية خاصة، ويشعرون بأن مصلحتهم أكبر مع النظام الجديد، وليس مع بقايا نظام سقط، حتى إن امتلك ابن عم القذافي، تحديداً، استثمارات ضخمة في مصر، ولعب دوراً في التقارب بين البلدين، وحل العديد من الأزمات التي كادت تعصف بعلاقات الجارين العربيين على مدى عقود، فضلاً عن مولده في مصر من أم مصرية، وتعلمه فيها، وعلاقاته الوثيقة مع قبائل مرسى مطروح بشكل خاص .


ومثلما أثار جدلاً واسعاً، تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي من تونس للسلطات الليبية، وكذلك رئيس الاستخبارات الليبية السابق عبدالله السنوسي من موريتانيا، ولم يحظ بترحيب قوى سياسية وحقوقية عدة في الداخل التونسي والموريتاني، واعتبره البعض خطأ سياسياً فادحاً، ومجاملة للنظام الليبي الجديد، على حساب تعريض حياة أشخاص استجاروا ببلادهم، للخطر، ولعمليات انتقامية، فإن الأمر في مصر سار على الوتيرة نفسها، بل حظي بجدل أكبر، وصل إلى تحركات أخذت الشكل الاحتجاجي في الشارع، في شكل تظاهرات أمام دار القضاء العالي، خاصة من قبل أنصار قذاف الدم من المصريين والليبيين، مع رفع بعض المحامين دعاوى ضد الرئيس “الإخواني” محمد مرسي لإثنائه عن خطوة تسليم منسق العلاقات المصرية الليبية السابق، وحديث بعضهم عن حمل قذاف الدم الجنسية المصرية، ومن ثم يجب محاكمته في مصر، فضلاً عن تحذير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان من خطورة تسليم مطلوبين ليبيين للنظام الليبي خشية تعرضهم لعمليات انتقامية، في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة وعدم استقرار النظام السياسي والقضائي الليبي .


ووسط هذا الجدل الذي بعضه قانوني وأكثره سياسي، راج الحديث عن صفقة جرت بين الإخوان والرئيس الآتي منهم، وبين الحكومة الليبية، لدرجة أن أيمن نور رئيس “حزب غد الثورة” المتحالف في هذه المرحلة مع الإخوان المسلمين اعتبر أن مشاركة قنصل ليبيا في واقعة اقتحام منزل أحمد قذاف الدم، تؤكد أن التسليم “صفقة” وليست عملاً قانونياً لا يشارك فيه غير الجهات المختصة . ورأى أن تسليم أحمد قذاف الدم لأسباب قانونية واهية بعد كل ما قدم لمصر عار، وأن العار الأكبر ألا يحاكم في مصر على جريمة حمل أسلحة غير مرخصة .


وموقف نور وهو أحد حلفاء الإخوان لم يبتعد كثيراً عن موقف معارضيهم، بل بدا منسجماً مع موقف النائب البرلماني السابق مصطفى بكري القريب من النظام الليبي السابق وقذاف الدم تحديداً الذي كان مديراً لإحدى محطاته الفضائية، وكذلك وزير الخارجية الأسبق في نظام مبارك أحمد أبو الغيط، وكثيرون من كل التيارات الأخرى التي لا علاقة لهم بنظام مبارك أو الإخوان أو النظام الليبي السابق، رأوا في هذا الموقف إساءة لسمعة مصر وفضيحة غير مسبوقة تنتقص من قيمة ومكانة مصر العروبة، ما يؤكد أن هذا الإجراء لم يحظ بتوافق عام، ولم يكن صواباً، ولم يقدر بشكل مدروس ردود الفعل الداخلية والخارجية، والتكلفة السياسية لمثل هذه القرارات الهوجاء .


وقد امتد الجدل كذلك إلى صفحات التواصل الاجتماعي والتعليقات على المواقع الإخبارية، إلى حد فتح معارك بين عدد من الشباب العربي والمصريين، على خلفية اتهام القاهرة بقبض ثمن صفقة تسليم رجال القذافي، وأنها لم تقم بحق الاستجارة، وأنها تضحي بالمبادئ مقابل المال، الأمر الذي استهجنه بعض المصريين، وإن شارك كثير منهم في تحميل هذا الوضع للإخوان، ورأوا أن تصرفات اليمين الديني السياسية، ومواقفهم تلك تضر بسمعة مصر ورصيدها العربي، الذي تركه الزعيم الراحل عبد الناصر الذي كان يفتح أبواب مصر لاستقبال السياسيين العرب والأفارقة، واستضافتهم وتأمين حياتهم، حتى المختلف معهم .


وحديث الصفقة السياسية في قضية تسليم الليبيين المقيمين بالقاهرة، وإن نفى كل من الجانب الليبي والمصري وجودها، إلا أن ثمة ما يعزز صدقية هذا الطرح، خاصة تصريح السفير الليبي بالقاهرة، وأيضاً رئيس الوزراء الليبي علي زيدان بخصوص دراسة منح مصر ملياري دولار كدعم مالي، وإن لم يتم اتخاذ قرار بعد بإيداع هذا المبلغ في البنك المركزي المصري، فضلاً عن زيارة المسؤول الليبي الكبير منذ فترة وجيزة لمصر، وتوقيع أربع اتفاقات، من بينها تزويد الجانب المصري بمليون برميل نفط شهرياً لتكريره في مصر وأخذ حصة منه للتغلب على مشكلة الوقود، في ظل مأزق اقتصادي كبير تمر به مصر، وانهيار احتياط النقد الأجنبي، على نحو يزيد من حجم الضغوط الملقاة على عاتق حكومة الإخوان، ويخصم من رصيدها الشعبي المتآكل أصلاً، في ظل عجزها عن القيام بالتزاماتها، واستفحال الأزمات المعيشية، خاصة أزمة الوقود .


وإن كانت إحدى القنوات الناطقة باسم الإخوان المسلمين سعت لتجميل الموقف، وإعطائه بعداً وطنياً إنسانياً، بالإشارة إلى أنه إن كانت ثمة صفقة فهي لمصلحة مصر والمصريين، وهي أبعد ما تكون عن البيع والشراء والمال، وإنما مبادلة المصريين المسيحيين المنسوبة إليهم تهمة التبشير في ليبيا برجال القذافي، غير أن أحداً في مصر لم يصدق هذه الرواية، ولم يقتنع بهذا التبرير، خاصة في ظل تواصل إجراءات محاكمة المصريين الذين يرى أقاربهم ونشطاء مسيحيون أنهم تعرضوا لتهم ملفقة وانتهاكات جسيمة تعكس مناخ التعصب الديني الذي بات يسود دول “الربيع العربي” في ظل صعود مد اليمين الديني، وأن التحرك الرسمي المصري هزيل، وأقل من المستوى المطلوب .


وإن كانت مصر متشبعة بالجدل السياسي لأجندات داخلية، فإن قرار تسليم رجال القذافي، بخاصة أحمد قذاف الدم زاد الطين بلة وزاد من اللغط الذي تعاني مصر وفرته، ودخل الأمر في نطاق الصراع السياسي الداخلي باتخاذه البعض منصة للهجوم على الإخوان، وإثبات سوء الإدارة وغياب الملاءمة السياسية والتقدير الجيد للأمور، وأنهم مثلما هم فاشلون في التعاطي مع الملفات الداخلية، فالشيء نفسه في الملفات الخارجية، وفي الأخير، حسب رؤية الكثيرين، تدفع مصر والمصريين ثمن قرارات غير مدروسة وحسابات سياسية خاطئة، فيما يصر الإخوان على تسويق أنهم يحملون الخير لمصر، ويعملون لمصلحة الشعب، والنتائج تثبت باستمرار العكس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال