الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي و الواقع

يوسف الأخضر

2013 / 4 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إن الوعي هو تقاطع الإدراك و الواقع الزمكاني، و يتحدد مستواه انطلاقا من اعتبار هذا الواقع المتغير كمرجع، ثم إسقاط وعي افتراضي ليسايره بشكل مطاطي، و هكذا نتحصل على مرجع للوعي المنشود عبر أقطار كل المنظومة الانسانية. فإذا كان الإدراك لا يتطلّب شيئا مستعصيا غير وجود الذات في الواقع ، فإنه لمن الأيسر جعله يروم إلى تفعيل المتطلّبات الضرورية للتعايش مع واقعه، فاستمرار الفرد الاجتماعي يستوجب موازنة دقيقة بين إشباع الذات و إشباع الآخر، إذ أن هذا يعكس، بصورة ما، التجانس و الموازنة في الطبيعة، و التكاملات الحاصلة ما هي إلا نتاج للتوحد البدائي و الأصلي. و إن الواقع لثابت بالنسبة لعمر الإنسانية كمرجع، و هو خاضع نوعا ما لسلوك الإنسان، يقوِّمه كلما زاد فهمه بآليات المادة، و يقيِّمه باستمرار دون كلل أو ملل، إن المعرفة الإنسانية تُخْضع الطبيعة و تحكمها، فهي وسيلة كل الغايات، و غاية كل الوسائل.

إن الوعي ليتطلب التضحية قبل كل شيء، و التفكير الملي في ما يمكن للتغيير أن يؤول له بعد التضحية، لأن كل تغيير يعد إما قطيعة مع سلوكات الماضي أو استمراراً لها في قالب جديد، إذ يكون التغيير في هذه الحالة معتمِدا بالضرورة على قاعدة ثابتة قد تكون أخلاقية، فيثم استحضارها كلما فرض التغيير ذاته في المنظومة الاجتماعية. أما مسألة القطيعة مع الماضي فسنجد لها أثرا ناجحا عبر تاريخ الانسانية، فمثلا إبان الثورة الفرنسية و ما عرفته أروبا في قرون النهضة و التنوير، إذ أن هذا العصر الحاسم شكّل إطارا قاعديا بكل المقاييس، فقد عرف ظهور العديد من أبناء الطبقة التنويرية الذين أسسوا لمبادئ الوعي آنذاك، كما شكلوا نزعة جديدة صبت إلى فهم الواقع بالشكل الآني الصرف، لتبزغ حينها شمس حرية جديدة، و التي مازال كل العالم يغازل أشعتها البرّاقة، و يتوهج بنورها.

أحيانا، قد يكون من الضروري أن يظل الوعى مقيّدا ببعض المناهج القديمة، كالدين مثلا : لأنه يوفر للذات نوعا من الطمأنينة و السلوان ــ والقصد هنا عندما يتدنى الوعي نحو الحضيض ــ فيجعلها تخضع لمبادئه بطريقة عفوية و تلقائية، لكي لا نسقط في فخ الصدمة، و خطر التمرد الأخلاقي، لأنه لا مجال لتعويض مبادئ بأخرى لازالت قيد التأسيس، و هنا ضرورة التأكيد على الوعي البديل و دوره في تعويض الوعي القديم. إذ أن هذا التأسيس يعد ثمرة أصيلة و غير هجينة تحدد الخطوط العريضة للوعي اعتباراً لمتطلبات الواقع الآني، فتجعل الفرد أكثر تعلقا بواقعه و أقل سلبية اتجاهه، مما يؤدي إلى تطوير الإنتاج بصفته الشاملة، و انفتاحا على العولمة و الحداثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

إن الإنسان الواعي ليس له إدراك بالواقع فقط بل يتعدى ذلك إلى ما يخول له تحقيق ذاته في هذا الواقع، فينأى بنفسه عن كل ما له أن يتعارض مع منظومة المناهج المعتمدة في عصره ، إذ هو إنسان يمتاز بالشجاعة والمسؤولية و التضحية. و هذه الصفات تُحِيل إلى بعضها البعض ولا يمكن لها أن توجد متفرِّدة، لأن الشجاع منا هو من يربط أفعاله بالمسؤولية، و الإنسان المسؤول هو من ضحّى بمقدار من ذاتيته و وهبها بشجاعةٍ لسعادة الآخر وراحته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا